بعد مضي عام على صدور قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن، قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن السلطات الأردنية تستخدم هذا القانون كسلاح لاستهداف الصحفيين والنشطاء وغيرهم والتضييق عليهم بسبب ما يعبرون عنه من آراء على الإنترنت ينتقدون فيها سياسات الحكومة وممارساتها.
ففي 13 أغسطس/آب 2023، أصدر الأردن قانونًا جديدًا للجرائم الإلكترونية يتضمن تعديلات كبيرة على القانون القائم آنذاك، وهو قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015، توسّع نطاق الجرائم والصلاحيات التي تسمح للمدعي العام بتحريك الدعاوى القضائية ضد الأفراد بدون شكوى شخصية عندما يكون الجرم المنسوب إليهم يتعلق بشخصيات أو هيئات حكومية. ويستحدث القانون عقوبات غليظة على جرائم مبهمة وفضفاضة الصياغة إلى حد بعيد، من قبيل “نشر أخبار كاذبة”، و”إثارة الفتنة”، و”استهداف السلم المجتمعي”، و”ازدراء الأديان”، وهي جرائم استُخدمت في تجريم أشكال من التعبير يكفلها ويحميها القانون الدولي.
وقد وثقت منظمة العفو الدولية حالات 15 فردًا تعرضوا للملاحقات القضائية بموجب القانون الجديد بعد انتقادهم للسلطات على الإنترنت. وفي جميع هذه الحالات، انتهكت السلطات حقوق المدعى عليهم، بما في ذلك من خلال إلقاء القبض عليهم بدون أمر قضائي، والتقاعس عن إبلاغهم بأسباب استدعائهم أو التهم الموجهة إليهم، وإخضاعهم للاستجواب في غياب محامين، واستخدام أساليب الإكراه المعنوي والترهيب أثناء التحقيق معهم أو محاكمتهم.
وقالت آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “تحت ذريعة حماية الفضاء الرقمي، سعت السلطات الأردنية لتصعيد اعتدائها السافر على حقوق الأفراد في حرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، وحرية التجمع السلمي في البلاد، باستخدام أحكام قانونية فضفاضة للغاية. وقد استهدفت السلطات بوجه خاص الفعاليات المؤيدة لفلسطين التي شهدتها البلاد مؤخرًا، وانتقاد سياسات الحكومة إزاء إسرائيل. وهذا القمع الجارف أدى إلى خنق المساحة الضيقة أصلًا للمعارضة في الأردن، وخلق بيئة من الرقابة الذاتية”.
وأضافت آية مجذوب قائلةً: “يجب على السلطات الأردنية إلغاء قانون الجرائم الإلكترونية أو إجراء تعديلات جوهرية عليه حتى ينسجم مع القانون الدولي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وتوجيه الانتقادات لسياسات الحكومة وأفعالها هو شكل مشروع من أشكال التعبير عن الرأي لا يجوز تجريمه. يجب على الأردن فورًا إسقاط كافة التهم الموجهة إلى الأفراد الذين يخضعون للتحقيق أو الملاحقة القضائية لمجرّد ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير”.
اتخاذ قانون الجرائم الإلكترونية أداةً لتكميم أفواه المنتقدين
خلال الفترة بين أغسطس/آب 2023 وأغسطس/آب 2024، وجّهت السلطات الأردنية التهم للمئات من الأشخاص بموجب قانون الجرائم الإلكترونية بسبب منشورات على منصات التواصل الاجتماعي تنتقد السلطات ، أو تعرب عن مشاعر التأييد والتضامن مع فلسطين، أو تنتقد اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل، أو تدعو لمظاهرات سلمية وإضرابات عامة.
ففي 22 يوليو/تموز 2024، على سبيل المثال، أصدرت إحدى محاكم الصلح حكمًا بإدانة المحامي والناشط معتز عواد بتهمة “إثارة الفتنة أو النعرات” بموجب المادة 17 من قانون الجرائم الإلكترونية، وفرضت عليه غرامة قدرها 5000 دينار أردني (نحو 7000 دولار)، بسبب منشورات على منصة إكس، تويتر سابقًا، انتقد فيها سياسات الدول العربية إزاء إسرائيل، وأعرب عن مشاعر التضامن مع فلسطين.
وهذا القمع الجارف أدى إلى خنق المساحة الضيقة أصلًا للمعارضة في الأردن، وخلق بيئة من الرقابة الذاتية
آية مجذوب، منظمة العفو الدولية
ومثل ذلك حدث مع الصحفية هبة أبو طه، التي تقضي حاليًا عقوبة الحبس لمدة سنة في مركز إصلاح وتأهيل الجويدة جنوبي العاصمة عمان، بسبب مقال كتبته انتقدت فيه اعتراض الأردن للصواريخ الإيرانية التي أطلقت على إسرائيل في أبريل/نيسان 2024. وأدانتها محكمة صلح في 11 يونيو/حزيران 2024 بتهمة استخدام منصات التواصل الاجتماعي في “نشر أخبار كاذبة أو ذم أو قدح أو تحقير إحدى السلطات في الدولة أو الهيئات الرسمية”، وبتهمة “إثارة الفتنة أو النعرات أو استهداف السلم المجتمعي أو الحض على الكراهية أو الدعوة إلى العنف”.
وقال محامي هبة أبو طه إن محكمة الاستئناف أيدت قرار الإدانة والعقوبة في اليوم نفسه الذي قدم فيه طلب الاستئناف، مما يرجح برأيه أن قرار القاضي قد اتخذ مسبقًا.
ولقد شجعت الاعتقالات والملاحقات القضائية واسعة النطاق على مدى العام المنصرم السلطات على تشديد قمعها لكافة اشكال المعارضة. ففي 2 يوليو/تموز 2024، اعتقلت قوات الأمن الصحفي البارز والكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي. وكانت إحدى محاكم الصلح قد أصدرت حكمًا بحبسه لمدة سنة قبل عام، في يوليو/تموز 2023، بتهمة “إثارة الفتنة” بموجب قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015، بسبب منشور على فيسبوك انتقد فيها طريقة تعامل السلطات مع الإضرابات. ولكن نظرًا للتأييد الشعبي الذي يحظى به الزعبي، أحجمت السلطات الأردنية عن تنفيذ عقوبة الحبس آنذاك.
قمع المظاهرات المؤيدة لفلسطين
وثقت منظمة العفو الدولية حالات نشطاء وصحفيين أخضعوا للاستجواب أو الملاحقة القضائية، أو كليهما، بسبب تغطيتهم لمظاهرات التضامن مع فلسطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو إعادة نشر منشورات على منصات التواصل الاجتماعي تدعو للتظاهر، أو تبادل مقاطع فيديو، أو الظهور في مقاطع فيديو تظهر منع وقمع السلطات للمتظاهرين السلميين، وكذلك حالة استجوبت فيها السلطات فردًا من أجل الحصول على أسماء الأفراد الذين دعوا إلى تلك المظاهرات.
في إحدى الحالات، ألقت قوات الأمن القبض على الناشطة فاطمة شبيلات أثناء وجودها في مركز تجاري في عمان، دون إخطار مسبق، في أعقاب تداول مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر فيه أثناء مشاركتها في اعتصام للتضامن مع غزة بالقرب من السفارة الإسرائيلية في عمان في مارس/آذار 2024. وقالت محاميتها إن موكلتها وُجهت إليها أول الأمر تهمة “التجمهر غير المشروع”، و”مقاومة أفراد الأمن”، و”تحقير موظف” بموجب المواد 165، و185، و196 من قانون العقوبات. ووافق المدعي العام أول الأمر على الإفراج عنها بكفالة، ولكنه تراجع عن هذا القرار فيما بعد، قائلًا إن وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية رفعت دعوى منفصلة عليها بموجب المادتين 15 و17 من قانون الجرائم الإلكترونية. وأفرج عنها بكفالة على ذمة المحاكمة في 30 أبريل/نيسان، ولا تزال على ذمة المحاكمة في كلتا القضيتين.
الاحتجاز الإداري كتدبير عقابي
في طبقة إضافية من القمع، استخدم المحافظون أيضًا قانون منع الجرائم لاحتجاز المنتقدين والنشطاء على سبيل معاقبتهم وترهيبهم. ويجيز القانون للمحافظين احتجاز الأشخاص بدون تهمة ولا محاكمة بموجب أمر إداري لا يخضع إلا لقدر محدود من المراجعة القضائية، مما يشكل التفافًا على ضمانات المحاكمة العادلة المكفولة عادةً في الإجراءات الجزائية بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني.
ففي ديسمبر/كانون الأول 2023، مثلًا، استدعى عناصر الأمن الناشط مجد الفراج، للتحقيق معه بشأن شعارات مؤيدة لفلسطين نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي. ووجهت إليه التهم بموجب قانون الجرائم الإلكترونية، ولكن برّأته إحدى محاكم الصلح فيما بعد. وفي 19 مارس/آذار 2024، ألقي القبض عليه مجددًا أثناء مظاهرة مؤيدة لفلسطين، وأودع رهن الاحتجاز الإداري لمدة 40 يومًا. وفي 24 أبريل/نيسان 2024، ألقى عناصر الأمن القبض على الناشط سامر القاسم، بسبب مقطع فيديو على منصة تيك توك بشأن اللاجئين الفلسطينيين. ورغم أن السلطات أفرجت عن سامر القاسم بكفالة في 14 مايو/أيار 2024، فقد طلب محافظ عمان إيداعه رهن الاحتجاز الإداري لمدة شهر واحد. وفي 30 يونيو/حزيران، حُكم عليه بالحبس لمدة ثلاثة أشهر، وبغرامة قدرها 5000 دينار (نحو 7000 دولار) بتهمة “استخدام منصات التواصل الاجتماعي في إثارة الفتنة وتهديد السلم المجتمعي”، بموجب قانون الجرائم الإلكترونية.