الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: المعايير المزدوجة والاستجابات الدولية الضعيفة تؤجج القمع

التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية للعام 2022/23 يسلط الضوء على ازدواجية المعايير في ما يخص حقوق الإنسان وفشل المجتمع الدولي في الاصطفاف حول حقوق الإنسان والقيم العالمية.

  • الاستجابة القوية من الغرب للعدوان الروسي على أوكرانيا تتناقض بشكل صارخ مع التقاعس المشين عن اتخاذ اجراءات مجدية بسأن الانتهاكات الجسيمة التي يقترفها بعض حلفاء الغرب مثل إسرائيل والسعودية ومصر.
  • مع حلول الذكرى الخامسة والسبعين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تلحُّ منظمة العفو الدولية على ضرورة إنشاء نظام دولي مبني على قواعد حقوق الإنسان ويشمل كل إنسان في كل مكان.

قالت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي الصادر اليوم إن المعايير المزدوجة وتقاعس المجتمع الدولي عن الاصطفاف حول حقوق الإنسان التي ينبغي احترامها والالتزام بها على نحو متسق، قد شجعت الحكومات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على تصعيد ممارساتها القمعية وانتهاكاتها لحقوق الانسان.

ويكشف تقرير منظمة العفو الدولية للعام 2022/23: حالة حقوق الإنسان في العالم، كيف أن الإجراءات التي اتخذها الغرب ردًا على الغزو الروسي الواسع النطاق لأوكرانيا يتناقض بشكل صارخ مع تقاعسه عن اتخاذ أي إجراء مجدٍ بشأن الانتهاكات الفادحة التي يقترفها بعض حلفاء الغرب في المنطقة، ومن بينهم إسرائيل والسعودية ومصر. وهذا التجاهل المتعمد للانتهاكات أدى إلى تغذية سياسات الإفلات من العقاب وزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تعيش على إيقاع الصراعات المسلحة الطويلة الأمد، وقمع الحقوق والحريات الأساسية، والتمييز ضد النساء والفتيات، والإفلات من عقاب الاخفاء القسري والتعذيب والقتل غير المشروع وغير ذلك من الجرائم بموجب القانون الدولي.

وقالت أنياس كلامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “لو أن النظام القائم كان قد نجح في محاسبة روسيا على جرائمها الموثقة في الشيشان وسوريا، فلربما كان بالإمكان إنقاذ الآلاف من الأرواح آنذاك، والآن في أوكرانيا وغيرها من البلدان؛ وبدلًا من ذلك، فإن ما نراه الآن هو المزيد من المعاناة والدمار. وإذا كانت حرب روسيا العدوانية تظهر شيئًا من أجل مستقبل العالم، فهو أهمية وجود نظام دولي فعال يستند إلى قواعد يتم تطبيقها على نحو متسق؛ فيجب على جميع الدول تصعيد جهودها من أجل نظام يقوم على القانون ويعود بالفائدة على جميع البشر في كل مكان”.

ويسلط التقرير الضوء على تقاعس حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن حماية حقوق الإنسان الأساسية للملايين من البشر الذين يعانون من الصعاب الاقتصادية، والحرمان من الحقوق المدنية والسياسية، والصراعات الإقليمية، والكوارث الناجمة عن المناخ. وقد عمدت مختلف دول المنطقة إلى استغلال فعاليات عالمية لتجميل صورتها، ورسم صورة وردية عن التقدّم على صعيد حقوق الإنسان، ومن أبرز أمثلة ذلك استضافة مصر لمؤتمر التغير المناخي للأمم المتحدة (كوب 27)، واستضافة السعودية لفعاليات ثقافية ورياضية.

وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “بدلًا من تلبية مطالب شعوبها المتزايدة بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية، وبإتاحة الحيز السياسي الذي تعرب فيه عن مطالبها، على الإنترنت أو سواه، فإن حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا صعّدت إغلاق الفضاءات المتاحة للمعارضة، ووضعت على رأس أولوياتها الاستثمار في حملات العلاقات العامة البراقة والفعاليات الدولية التي تخلق لها واجهة زائفة من التقدم والإصلاح”.

مهما كانت الفوضى الضاربة في ديناميات القوة العالمية، فلا يمكن أن تضيع حقوق الإنسان في خضمها.

أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية

القمع الشديد للمعارضة

استمرت السلطات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تكميم أفواه منتقديها، وسحق الاحتجاجات، وتقييد حرية التعبير، ومن بين سبل ذلك القوانين القمعية، واستخدام القوة المميتة غير المشروعة، والاعتقالات الجماعية.

ففي إيران، كانت وفاة المواطنة الإيرانية الكردية مهسا (جينا) أميني في الحجز في 16 سبتمبر/أيلول بمثابة الشرارة التي أشعلت انتفاضة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجًا على عقود من القمع؛ وجاءت وفاتها وسط أنباء موثوقة عن تعرضها للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة بعد ثلاثة أيام من اعتقالها بأسلوب عنيف على يد ما تسمى شرطة “الآداب” في إيران التي دأبت على إخضاع النساء والفتيات للاعتقال والاحتجاز التعسفي، والتعذيب، وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بسبب عدم التزامهن بقوانين الحجاب في إيران التي تنطوي على التمييز وانتهاك حقوق الإنسان.

وتصدّت السلطات الإيرانية – وقد استمدت جرأتها من عقود من الإفلات من المساءلة والعقاب – للانتفاضة الشعبية غير المسبوقة من خلال إطلاق الذخيرة الحية، والكريات المعدنية، والغاز المسيل للدموع بصورة مكثّفة وغير مشروعة، ما أدى إلى قتل المئات بصورة غير مشروعة، بما في ذلك ما لا يقل عن 44 طفلًا. واعترفت السلطات باعتقال أكثر من 22,000 شخص لأسباب تتعلق بالاحتجاجات، في حين تعرض المعتقلون في إطار موجة الاعتقالات الجماعية، بما في ذلك الأطفال، للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والملاحقات القضائية الجائرة، والاختفاء القسري، والمحاكمات غير العادلة. وأُعدم شابان بصورة تعسفية لأسباب تتصل بالاحتجاجات. كما قامت السلطات بإغلاق أو تعطيل شبكات الإنترنت وشبكات الهواتف المحمولة، وبحجب منصتي واتساب وإنستغرام أو حجب جزء من محتواهما.

وفي تونس، أوغل الرئيس قيس سعيِّد في اعتدائه على الضمانات الحقوقية، وعزز استيلاءه على زمام السلطة عام 2021 من خلال التشريعات القمعية، وكذلك من خلال دستور جديد ركز السلطة في يد السلطة التنفيذية. واستهدفت السلطات التونسية منتقدين بارزين، ومن تحسبهم من أعداء الرئيس، بالملاحقات القضائية، والاحتجازات التعسفية، وأوامر المنع من السفر.

وفي مختلف أنحاء المنطقة، شددت الحكومات القيود التشريعية التي تكبل حرية التعبير، واتخذت إجراءات لتكميم أفواه المعارضين؛ فقد أصدرت السعودية أحكامًا بالسجن لمدد تتراوح بين 10 و45 سنة على ما لا يقل عن 15 شخصًا عام 2020 لا لشيء سوى أنشطتهم السلمية على الإنترنت؛ واستخدمت السلطات في ذلك أحكامًا قانونية مبهمة وفضفاضة بشأن الإرهاب وجرائم المعلوماتية. وفي اليمن، أغلقت سلطات الأمر الواقع الحوثية ما لا يقل عن ست محطات إذاعية بالعاصمة، واستمرت في سجن ما لا يقل عن ثمانية صحفيين، من بينهم أربعة محكوم عليهم بالإعدام. وفي المغرب، صدر حكم بالسجن ثلاث سنوات على المدافعة عن حقوق الإنسان سعيدة العلمي بسبب منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي التي تندد بقمع الصحفيين والنشطاء.

وفي سوريا، نص قانون اعتُمد حديثًا لمكافحة الجريمة المعلوماتية على فرض عقوبات بالسجن لمدد طويلة على من ينتقد السلطات أو الدستور على الإنترنت. وفي الإمارات العربية المتحدة، صدر قانون جديد يجرم “كل من سخر أو أهان أو أضر بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة” أو أي من “قادتها المؤسسين”.

Two people heavily armored, behind shields, point their weapons towards a woman with an outstretched hand.
امرأة تشير إلى قوات الأمن الإسرائيلية التي أطلقت الرصاص المطاطي لتفريق رماة الحجارة الفلسطينيين وسط اشتباكات في بلدة الخليل بالضفة الغربية، 9 فبراير/شباط 2022.

إن حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا صعّدت إغلاق الفضاءات المتاحة للمعارضة، ووضعت على رأس أولوياتها الاستثمار في حملات العلاقات العامة البراقة والفعاليات الدولية التي تخلق لها واجهة زائفة من التقدم والإصلاح.

هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية

Protesters wearing red and white hold placards and banners with legal symbols.
قضاة مجتمعون أمام مبنى قصر العدل للاحتجاج على إقالة 57 قاضيا بالمرسوم القضائي المثير للجدل للرئيس التونسي قيس سعيد في تونس العاصمة في 23 يونيو/حزيران 2022.

النساء يتحملن القسط الأكبر من عواقب تقاعس الدول عن حماية واحترام الحقوق

حضرت النساء والفتيات في طليعة الاحتجاجات التي اندلعت في إيران، وتحدّين عقودًا من التمييز والعنف القائمين على النوع الاجتماعي، وقوانين الحجاب الإلزامي المسيئة. وترددت أصداء الهتافات بشعار “المرأة – الحياة – الحرية”، في أرجاء إيران، فكانت مبعث إلهام للملايين في المنطقة وفي مختلف أنحاء العالم.

ورغم ذلك، فقد ظل التباين والتضارب في النهج المتبع إزاء حقوق الإنسان يخلف أثرًا صارخًا على النساء والفتيات في المنطقة؛ وظلت النساء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعانين من التمييز المؤسسي، ومن استشراء العنف القائم على النوع الاجتماعي، مثل “القتل دفاعًا عن الشرف” وجرائم قتل النساء التي يفلت مرتكبوها من العقاب عادة. وبدلًا من التصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي، لاحقت السلطات في مصر والعراق واليمن قضائيًا الضحايا و/أو المدافعات عن حقوق المرأة، أو أخضعتهن لأصناف أخرى من المضايقات.   

وحظرت السلطات الحوثية القائمة بحكم الأمر الواقع على النساء السفر بدون محرم أو تصريح مكتوب من السلطات. وكان لهذه الممارسات التمييزية، غير المنصوص عليها في القانون اليمني، آثار بعيدة المدى على النساء والفتيات، إذ عرقلت حصولهن على الرعاية الصحية وتمتعهن بالحقوق الإنجابية، حيث وجدت النساء اليمنيات العاملات في المجال الإنساني صعوبة متزايدة في القيام بعملهن الميداني في المناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين.

“إن النساء والفتيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يواجهن جهودًا لا هوادة فيها من أجل فرض الهيمنة عليهن وإخضاعهن، ورغم ذلك فإنهن يواصلن الكفاح بشجاعة دفاعًا عن حقوقهن، مثلما رأينا في إيران.

هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية

وأحرزت بعض الدول تقدمًا متواضعًا في معالجة انعدام المساواة بين فئات النوع الاجتماعي؛ فقد صادق المغرب على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وأعلن الأردن المساواة بين الرجل والمرأة أمام القانون، واتخذت الكويت تدابير تهدف إلى زيادة نسبة تمثيل المرأة في الوظائف العامة والمناصب القيادية. أما عمان فقد أنشأت خطًا هاتفيًا ساخنًا مكرسًا لقضايا العنف الأسري، ولكنها لم توفّر ملاجئ لإيواء الضحايا ولم تسن أي قوانين تعرَّف العنف الأسري.

وفي مارس/آذار 2022، أصدرت السعودية أول نظام للأحوال الشخصية في البلاد، وصفته السلطات بأنه انتصار كبير لحقوق المرأة؛ ولكنه في الواقع يديم نظام ولاية الرجل، ولا يحمي المرأة من العنف الأسري، ويقنن التمييز القائم على النوع الاجتماعي في الزواج والطلاق والحضانة والميراث.

وقالت هبة مرايف: “إن النساء والفتيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يواجهن جهودًا لا هوادة فيها من أجل فرض الهيمنة عليهن وإخضاعهن، ورغم ذلك فإنهن يواصلن الكفاح بشجاعة دفاعًا عن حقوقهن، مثلما رأينا في إيران. لقد خاطرت النساء بأرواحهن للتصدي للعنف والتمييز المترسخين في المجتمع، والمطالبة بالمساواة. وقد آن الأوان لأن تصغي حكومات المنطقة لهذه المطالب”.

A woman stands defiantly with her hands in the air, a long line of cars and people stretching out into the distance.
تُظهر هذه الصورة المنشورة على تويتر امرأة غير محجبة تقف فوق سيارة بينما يشق الآلاف طريقهم نحو مقبرة آيتشي في سقز، مسقط رأس مهسا أميني في محافظة كردستان بغرب إيران، لإحياء ذكرى مرور 40 يومًا على وفاتها (التاريخ: 26 أكتوبر/تشرين الأول 2022). )

قصور الاستجابات الدولية للأزمات الحقوقية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لقد استفادت حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من عدم اهتمام الكثير من الحكومات الغربية بتناول حقوق الإنسان في إطار سياستها الخارجية إزاء المنطقة.

فقد كان عام 2022 بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية المحتلة، واحدًا من أكثر الأعوام حصدًا لأرواحهم منذ أن بدأت الأمم المتحدة في تسجيل عدد القتلى والجرحى بصورة ممنهجة عام 2006، حيث قتلت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 151 فلسطينيًا من بينهم العشرات من الأطفال. واستمرت السلطات الإسرائيلية في طرد الفلسطينيين من بيوتهم، وأطلقت الحكومة خططًا لتوسيع المستوطنات غير المشروعة في مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلة على نحو مفرط. ولكن بدلًا من مطالبة إسرائيل بوضع حد لنظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الذي تنتهجه، جاءت استجابة الكثير من الحكومات الغربية إما خافتة أو قاصرة، وآثرت أن تغض الطرف عن الهجمات والغارات التي يكابدها الفلسطينيون.

النهج الانتقائي الذي يتّبعه الغرب في التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان قد عزز استخفاف إسرائيل المستمرّ بالحقوق الإنسانية للفلسطينيين، في الوقت الذي مكَّن فيه مصر والسعودية من تجنب الانتقاد المشروع لسجليهما في مجال حقوق الإنسان.

هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية

كما تقاعس المجتمع الدولي عن محاسبة السعودية على سجلها المزري في مجال حقوق الإنسان؛ وبالرغم من الوعد الذي قطعه الرئيس الأمريكي جو بايدن على نفسه خلال حملته الانتخابية بمحاسبة المسؤولين عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018، الذي كان من المقيمين في الولايات المتحدة، وبالرغم من صدور تقرير للاستخبارات الأمريكية يفيد بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو الذي كان مسؤولًا عن الموافقة على تنفيذ جريمة قتل الصحفي، فقد قام بايدن بزيارة السعودية لمقابلة ولي العهد في يوليو/تموز 2022. وفي خيانة أخرى لحقوق الإنسان، قامت إدارة بايدن في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 بتقديم طلب قانوني تدعو فيه محكمة أمريكية منح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حصانة من دعوى قضائية رفعتها عليه خطيبة خاشقجي.

وكانت استجابة المجتمع الدولي لأزمة حقوق الإنسان في مصر في غاية القصور؛ فقد اعتقلت السلطات المئات من الأشخاص بصورة تعسفية خلال الفترة السابقة لانعقاد مؤتمر المناخ كوب 27، لمجرد الاشتباه في دعوتهم لخروج مظاهرات سلمية إبان هذا الحدث البارز في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. وفي أثناء المؤتمر، أثار العديد من الزعماء قضية مصير الناشط البارز علاء عبد الفتاح علنًا ومرارًا، وكان قد رفض الماء في 6 نوفمبر/تشرين الثاني بعدما ظل مضربًا عن الطعام منذ أبريل/نيسان 2022، ولكن ذلك لم يسفر عن أي إجراءات فعلية مجدية لتأمين إطلاق سراحه أو إطلاق سراح آلاف آخرين من المحتجزين بصورة تعسفية في ظروف مروعة وعقابية.

وقالت هبة مرايف: “إن إثارة القضايا الباعثة على القلق بشأن حقوق الإنسان بصورة غير متسقة تقوض الرسالة، لأن عدم الاتساق يدل على نقص الالتزام؛ فالنهج الانتقائي الذي يتّبعه الغرب في التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان قد عزز استخفاف إسرائيل المستمرّ بالحقوق الإنسانية للفلسطينيين، في الوقت الذي مكَّن فيه مصر والسعودية من تجنب الانتقاد المشروع لسجليهما في مجال حقوق الإنسان. لا يمكن تطبيق قانون حقوق الإنسان على أساس كل حالة على حدى”.

A large crowd of protesters march forwards holding a white banner with black writing. The slogan on the banner reads in Arabic: \" There is no climate justice without human rights. We have not been defeated\"
المصرية سناء سيف (الرابعة من اليسار) ، شقيقة الناشط البريطاني المصري المسجون علاء عبد الفتاح، تشارك في احتجاج نظمه نشطاء المناخ داخل مركز شرم الشيخ الدولي للمؤتمرات ، خلال مؤتمر المناخ كوب 27، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

ازدواجية مشينة في المعايير وعنصرية

تجلت سياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها الغرب على نحو صارخ أيضًا عندما عمدت الكثير من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية إلى إبقاء حدودها مغلقة في وجه الفارين من ويلات الحروب والقمع في سوريا وليبيا، وغيرهما من البلدان، في الوقت الذي فتحت فيه أبوابها أمام الأوكرانيين النازحين فرارًا من العدوان الروسي.

وفي غضون أيام معدودة من الغزو الروسي لأوكرانيا، قام الاتحاد الأوروبي للمرة الأولى بتفعيل “الأمر التوجيهي المتعلق بالحماية المؤقتة” (TPD)، ما قدّم الحماية الفورية للأوكرانيين المشردين وغيرهم من الفارين من العدوان الروسي. بذلك، أظهر الاتحاد الأوروبي أنه أكثر من قادر على استقبال أعداد كبيرة من الأشخاص الذين يلتمسون ملاذًا آمنًا، وتوفير السبل أمامهم لسرعة الحصول على السكن والعمل والتعليم.

غير أن الأشخاص الذين يصلون إلى حدود أوروبا طلبًا للحماية، ولا سيما أولئك المصنفون ضمن فئات عرقية معينة ممن فروا من سوريا وأفغانستان والبلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، ظلوا يواجهون العنصرية، ويخضعون للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والصد العنيف على الحدود. بل في كثير من الأحيان، لم تلق حاجتهم للحماية ولا ظروفهم الفردية حتى أي اعتبار أو فحص. ففي يونيو/حزيران الماضي، لقي 37 من مواطني البلدان الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى حتفهم، ولا يزال 77 آخرون في عداد المفقودين، في أعقاب الأعمال المميتة التي ارتكبها مسؤولو الأمن الإسبان والمغاربة على حدود جيب مليلية التابع لإسبانيا.

وقال المواطن التشادي زكرياس، البالغ من العمر 22 عامًا، لمنظمة العفو الدولية: “كان عناصر قوات الأمن المغربية والإسبانية يلقون علينا كل شيء، قنابل الغاز، والحجارة، والرصاص المطاطي، والكريات المطاطية … ولم نستطع أن نرى شيئًا، وكان من الصعب علينا أن نتنفس”.

بينما استُقبل اللاجئون الأوكرانيون بحفاوة بالغة في أوروبا وفي بلدان أخرى، نجد الأشخاص الذين خرجوا من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا طلبًا للملاذ الآمن يخضعون للاحتجاز التعسفي، ويقابَلون بالإعادة القسرية والطرد الجماعي.

هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية

وأعيد الآلاف من الأشخاص بإجراءات موجزة من بلغاريا واليونان إلى تركيا؛ ومن تركيا إلى إيران وسوريا؛ ومن قبرص إلى لبنان؛ ومن كرواتيا إلى البوسنة والهرسك؛ ومن المجر إلى صربيا؛ ومن لاتفيا وليتوانيا وبولندا إلى بيلاروس. أما من تمكنوا من بلوغ أراضي الاتحاد الأوروبي فقد احتُجزوا تعسفًا، وظل بعضهم محتجزين فترات طويلة، أو تمّت إعادتهم بصورة غير مشروعة، وكثيرًا ما اقترن ذلك باستخدام أساليب عنيفة. وبعد عبورهم الحدود إلى ليتوانيا ولاتفيا وبولندا، أخضعوا مرة أخرى للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

أما الأشخاص الذين حاولوا الوصول إلى الشواطئ الأوروبية على متن القوارب فكثيرًا ما اعترض سبيلهم خفر السواحل الليبي المموّل من جانب الاتحاد الأوروبي، ليعيدهم إلى ليبيا حيث يخضعون بصورة ممنهجة للاحتجاز التعسفي الطويل الأمد في ظروف مروعة، ويتعرّضون للتعذيب الذي يشمل الاغتصاب، والقتل التعسفي، والاخفاء القسري، والعمل القسري، والاستغلال.

وقالت هبة مرايف: “لقد أظهرت الدول الأوروبية أنها تعي ما ينبغي عليها أن تفعله من أجل من يسعون للحماية الدولية، وأنها – وهو الأمر المهم للغاية – قادرة على ذلك. وبينما استُقبل اللاجئون الأوكرانيون بحفاوة بالغة في أوروبا وفي بلدان أخرى، نجد الأشخاص الذين خرجوا من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا طلبًا للملاذ الآمن يخضعون للاحتجاز التعسفي، ويقابَلون بالإعادة القسرية والطرد الجماعي. وقد قدم الاتحاد الأوروبي التمويل لخفر السواحل الليبي مدركًا أنه يعترض قوارب اللاجئين والمهاجرين، ويحتجزهم لأجل غير مسمى في ظروف مروعة”.

Riot police officers cordon off the area after migrants arrive on Spanish soil and crossing the fences separating the Spanish enclave of Melilla from Morocco in Melilla, Spain, on June 24, 2022.
ضباط شرطة مكافحة الشغب يطوقون المنطقة بعد وصول المهاجرين على الأراضي الإسبانية وعبورهم للسياج الفاصل بين منطقة مليلية الإسبانية والمغرب في مليلية، إسبانيا، في 24 يونيو/حزيران 2022.

إضعاف المؤسسات الدولية

كما أدت ازدواجية المعايير والتناقضات إلى تقويض ثقة الأشخاص في المنطقة في المؤسسات الدولية والآليات الدولية لحقوق الإنسان، في الوقت الذي تكتسي فيه هذه المؤسسات والآليات أهمية حاسمة أكبر من أي وقت مضى نظرًا لغياب أي سبل محلية لتحقيق المساءلة.

وفي سوريا، بالرغم من الأدلة الموثوقة على استمرار الحكومة السورية وجماعات المعارضة المسلحة في ارتكاب الفظائع، بما في ذلك الهجمات غير المشروعة على المدنيين، والاعتقالات التعسفية، والتعذيب، فشلت الآليات الدولية في محاسبة المسؤولين عن ذلك. ولم تستخدم روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحماية الحكومة السورية من التدقيق في سجلها فحسب، بل أيضًا لفرض قيود شديدة على المساعدات الإنسانية التي يمكن أن تقدمها الأمم المتحدة لأكثر من أربعة ملايين شخص يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال سوريا. غير أن بعض الدول، مثل ألمانيا وفرنسا، حققت بشأن الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا، وملاحقتهم قضائيًا في المحاكم الوطنية لتلك الدول عملًا بمبدأ الولاية القضائية العالمية.

وفي لبنان، تقاعس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مرة أخرى عن الاستجابة لدعوات عائلات الضحايا والناجين ومنظمات المجتمع المدني المطالبة بإجراء تحقيق دولي بشأن الانفجار المميت الذي وقع في مرفأ بيروت؛ ولكن لاح بصيص من الأمل عندما وقَّع ما لا يقل عن 38 دولة على بيان مشترك في الدورة الثانية والخمسين لمجلس حقوق الإنسان في 7 مارس/آذار، يدعو السلطات اللبنانية لضمان إجراء تحقيق سريع ومستقل وذي مصداقية بشأن الانفجار.

من الضروري تعزيز المؤسسات والأنظمة الدولية التي أنشئت من أجل حماية حقوقنا بدلًا من تقويضها.

هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أنشأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعثة لتقصي الحقائق كي تتولى التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالاحتجاجات التي اندلعت في إيران في 16 سبتمبر/أيلول، في خطوة جديرة بالترحيب وإن جاءت متأخرة للغاية. وقد ظلت منظمة العفو الدولية منذ سنوات تسعى لإنشاء آلية دولية للتحقيق والمساءلة بشأن إيران، ولطالما ساقت الحجج على أن أزمة الإفلات الممنهج من العقاب في إيران تؤجج الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي.

وقالت هبة مرايف: “من سوريا إلى لبنان، ومن إسرائيل إلى اليمن، دفع عامة الناس ثمن الضعف في عمل المؤسسات والأنظمة الدولية. وتدعو منظمة العفو الدولية إلى التمويل الكامل لآليات حقوق الإنسان بالأمم المتحدة حتى يتسنى تحقيق المساءلة وإجراء التحقيقات اللازمة، وتدعو الدول إلى التعاون مع آليات التحقيق الدولية، وألا تسعى لتقويضها. من الضروري تعزيز المؤسسات والأنظمة الدولية التي أنشئت من أجل حماية حقوقنا بدلًا من تقويضها.”

View from above of a refugee camp stretching off into the distance.
لجأ المدنيون، الذين يعيشون في المخيمات، إلى محافظة إدلب شمال غرب سوريا وهم يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة في ظروف الشتاء القاسية.