إيران: السلطات تتستر على جرائمها المتمثلة في قتل الأطفال بإكراه العائلات على الصمت

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إنَّ ما تمارسه السلطات الإيرانية من اعتقال تعسفي وترهيب ومضايقة ضد أقارب الأطفال، الذين قتلوا بالرصاص أو ضربوا حتى الموت على أيدي قوات الأمن بشكل غير مشروع في ما يتصل بالاحتجاجات، يكشف قسوتها التي لا يمكن تصورها ومحاولتها الشريرة للتستر على جرائمها. 

وفي بحث محدّث، وثقت منظمة العفو الدولية كيف تستمر عمليات القتل غير المشروع للأطفال على أيدي قوات الأمن الإيرانية بلا هوادة، وفصّلت أسماء وبيانات ما لا يقل عن 44 طفلًا، والعنف الوحشي الذي تعرضت له عائلاتهم.   

تقتل السلطات الأطفال سعيًا منها إلى سحق روح المقاومة لدى شباب البلاد والاحتفاظ بقبضتها الحديدية على السلطة بأي ثمن.

هبة مرايف، منظمة العفو الدولية

وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “لم تكتف السلطات بالحكم على عائلات الأطفال الذين قتلوا بحياة من الحزن الجارف، بل ألحقت بهم أيضًا كربًا نفسيًا شديدًا من خلال فرض قيود قاسية على عمليات الدفن وإحياء الذكرى، والترهيب بلا هوادة بهدف فرض الصمت. وتنتهك هذه الممارسات الحظر المطلق على المعاملة أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة”.

“إنَّ إنشاء بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق مؤخرًا لجمع الأدلة على هذه الانتهاكات ودمجها وتحليلها يبعث برسالة واضحة إلى السلطات الإيرانية مفادها أنه لم يعد بإمكانها ارتكاب جرائم بموجب القانون الدولي وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بدون خوف من العواقب. وتحث منظمة العفو الدولية الآن جميع الدول على ممارسة الولاية القضائية العالمية للتحقيق جنائيًا مع المسؤولين الإيرانيين المتورطين في هجمات عسكرية على المتظاهرين، بمن فيهم الأطفال”.

وأظهرت أبحاث منظمة العفو الدولية أن قوات الأمن الإيرانية أطلقت النار على 34 ضحية من الضحايا الأطفال الذين تم التعرف عليهم باستخدام الذخيرة الحية في القلب أو الرأس أو غيرهما من الأعضاء الحيوية. وقُتل ما لا يقل عن أربعة أشخاص بكريات معدنية أطلقتها قوات الأمن بصورة غير مشروعة من مسافة قريبة. وتوفي خمسة أطفال آخرين، من بينهم أربع فتيات وصبي واحد، متأثرين بجروح تتفق مع الضرب المفضي إلى الموت، وقتلت فتاة بعد أن ضربت على رأسها بعبوة غاز مسيل للدموع. ومن بين الضحايا الأطفال المسجلين 39 صبيًا، تتراوح أعمارهم بين عامين و17 عامًا، وخمس فتيات، ثلاث منهن بعمر 16 عامًا، وواحدة بعمر 17 عامًا، وواحدة في السادسة من العمر.

ويمثل الأطفال 14% من إجمالي وفيات المحتجين والمارة المسجّلة من جانب منظمة العفو الدولية التي تتجاوز 300 حالة منذ اندلاع الاحتجاجات. ولا تزال تحقيقاتنا في عمليات القتل على أيدي قوات الأمن مستمرة، ويُعتقد أن الحصيلة الفعلية للقتلى، بمن فيهم الأطفال، هي أعلى بكثير.

دأبت السلطات الإيرانية على مضايقة وترهيب عائلات الأطفال الضحايا لإرغامهم على الصمت أو لإجبارهم على تبني روايات تعفي السلطات من المسؤولية عن وفاة أحبائهم في بيانات مكتوبة أو تسجيلات فيديو يبثها التلفزيون الحكومي. وقد حددت منظمة العفو الدولية وقوع مثل هذه الممارسات ضد أقارب ما لا يقل عن 13 طفلًا من الضحايا. وتشير المعلومات التي حصلت عليها المنظمة من مصادر مطلعة إلى أن قوات الأمن أخضعتهم للإكراه، بما في ذلك الاعتقال والاحتجاز التعسفيان، والتهديد بدفن جثث أحبائهم في مكان مجهول، والتهديد بالقتل، أو الاغتصاب، أو الاحتجاز، أو إيذاء الوالدين المفجوعين وأطفالهم الباقين على قيد الحياة.

وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني، قال والد كومار درافتاده، وهو صبي يبلغ من العمر 16 عامًا قتل بالذخيرة الحية، في مقابلة مع راديو فردا، وهو منفذ إعلامي مستقل:

“استدعوني [عناصر الأمن والمخابرات] وقالوا لي إنه يجب أن أقول ما يملونه علي… قتلت السلطات ابني ويجب محاسبتها.

القيود القاسية على الدفن وإحياء الذكرى

كثيرًا ما هدد عناصر الأمن والمخابرات بعدم إعادة جثث الأطفال الضحايا لدفنها ما لم تلتزم العائلات، كتابة، بالصمت ومراعاة القيود المفروضة على مراسم الجنازة والتأبين.

وفي بعض الحالات، جهز المسؤولون جثث الضحايا للدفن بدون إخطار أفراد العائلات، ثم سلموهم الجثث، ملفوفة في أكفان، قبل دقائق من موعد الدفن المقرر، مما حرم العائلات من حقهم في غسل وإعداد أحبائهم للدفن وفقًا لتقاليدهم الدينية والثقافية.

وشملت القيود الأخرى إجبار العائلات على دفن أحبائها في القرى النائية، وحظر استخدام كلمة “شهيد”، ومنع الأقارب من تعليق لافتات تذكارية كبيرة أو مشاركة صور الضحايا وملصقات الجنازات على وسائل التواصل الاجتماعي.

إنكار المسؤولية عن القتل غير المشروع للأطفال

أنكرت السلطات الإيرانية علنًا مسؤوليتها عن مقتل ما لا يقل عن 19 ضحية من الضحايا الأطفال. وقد ألقت باللوم في 12 حالة من هذه الوفيات على هجمات شنّها إما “إرهابيون مأجورون” أو “أشخاص مجهولون”، وعزت ثلاث حالات وفاة إلى السقوط الانتحاري أو العرضي من أماكن مرتفعة، وحالة واحدة إلى جرعة زائدة من المخدرات التي تم تعاطيها بغرض الانتحار أو عن طريق الخطأ، ونسبت إحدى الوفيات إلى عضة كلب، وأخرى إلى حادث دراجة نارية، بينما عزت حالة وفاة إلى التدافع.

بالنسبة لتسعة أطفال آخرين، جميعهم من الأقلية البلوشية المضطهدة، شككت السلطات في وفاتهم، مدعية في تقاريرها المقدمة إلى الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنه “لا يوجد سجل وفيات” للأطفال المعنيين في محافظة سيستان وبلوشستان.

الأطفال من الأقليات المضطهدة الأكثر استهدافًا

أكثر من 60% من الأطفال الذين قتلوا كانوا من الأقليتين البلوشية والكردية المضطهدتين في إيران. وقد عانت هذه المجتمعات منذ فترة طويلة من التمييز والاضطهاد المنهجيين من قبل السلطات.

وقال أحد أفراد عائلة طفل قُتل بصورة غير مشروعة في سيستان وبلوشستان لمنظمة العفو الدولية:

“لم يعيرونا أي اهتمام. إنهم [السلطات الإيرانية] لا يعتبروننا [البلوش] بشرًا. هناك العديد من الشهود [على عمليات القتل]، لكن شهاداتهم لا قيمة لها ضد الجمهورية الإسلامية لأن السلطات لا تقبلها”.

من بين الضحايا الأطفال الـ44 المسجلين، ينتمي 18 طفلًا، أي ما يعادل 40%، إلى الأقلية البلوشية المضطهدة في إيران. في 30 سبتمبر/أيلول، قُتل 13 منهم على أيدي قوات الأمن في زاهدان، في محافظة سيستان وبلوشستان، خلال أكثر الأيام دموية في حملة القمع التي شنتها السلطات على الاحتجاجات، والمعروفة على نطاق واسع لدى الإيرانيين باسم “الجمعة الدامية”.

وكان عشرة من الأطفال الذين قتلوا، وهو ما يعادل 20%، من الأقلية الكردية وقتلوا في ثماني مدن أو بلدات في المحافظات التي يقطنها الأكراد في كردستان وكرمانشاه وأذربيجان الغربية.

وقتل الضحايا الأطفال الـ 16 المتبقون في ست محافظات أخرى في مختلف أنحاء إيران.

وختمت هبة مرايف حديثها بالقول: “تقتل السلطات الأطفال سعيًا منها إلى سحق روح المقاومة لدى شباب البلاد والاحتفاظ بقبضتها الحديدية على السلطة بأي ثمن. ولكن على الرغم من ذلك، استمر العديد من الأطفال بشجاعة في النزول إلى الشوارع بحثًا عن مستقبل خال من القمع السياسي وعدم المساواة”.