المملكة العربية السعودية: الإعدام الجماعي لـ 81 رجلاً يُبرز الحاجة الملحة لإلغاء عقوبة الإعدام

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن الإعدام الجماعي لـ 81 شخصاً – مواطنون سعوديون وغير سعوديين – يوم السبت يشير إلى تصعيد مرعب في استخدام المملكة العربية السعودية لعقوبة الإعدام، ما يرفع مجموع عدد الإعدامات في البلاد إلى 92 حتى الآن في عام 2022 وحده.

أعلنت وزارة الداخلية يوم السبت إعدام 81 شخصاً – أُدينوا جميعهم بارتكاب مجموعة واسعة من الجرائم، من ضمنها الجرائم المتعلقة بـ”الإرهاب”، والقتل، والسطو المسلح، وتهريب الأسلحة. كما أُدين عدد من الذين أُعدموا بتهم مثل ” السعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية” و”الدعوة إلى والمشاركة في الاعتصامات والمظاهرات” وهي تصف أفعالاً تحميها الحقوق في حرية التعبير، والتجمع السلمي، وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها.

ينتمي 41 شخصاً من الذين أُعدموا السبت إلى الأقلية الشيعية في السعودية، في أحدث تجسيد للاستعمال المسيّس لعقوبة الإعدام من المملكة، بغية إسكات المعارضة في المنطقة الشرقية.

وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إنّ “ما يزيد فظاعة موجة الإعدامات هذه هو حصولها في ظلّ نظام القضاء السعودي الذي تشوبه شوائب ويصدر أحكام الإعدام عقب محاكمات صارخة وبالغة الجور، بما في ذلك الاستناد في إصدار الإدانات إلى “اعترافات” تُنتزع تحت وطأة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة”.

“كما يكشف هذا العدد الصادم من عمليات الإعدام عن افتقار المملكة العربية السعودية إلى الشفافية في قضايا عقوبة الإعدام؛ لأننا نعرف بأن عدد المحاكمات التي تؤدي إلى وضع السجناء على لائحة الذين ينتظرون تنفيذ الإعدام فيهم هو دائماً أعلى على نحو ملموس من ذلك الذي يُعلن عنه. وهناك العديد من الأشخاص في المملكة العربية السعودية اليوم المُعرّضين لخطر الإعدام الوشيك”.

عمليات الإعدام بسبب المشاركة في الاحتجاجات

بحسب توثيق منظمة العفو الدولية حُكم بالإعدام على اثنين من الـ 81 رجلاً الذين أُعدموا يوم السبت عقب إدانتهما بجرائم تتعلق بمشاركتهما في احتجاجات عنيفة مناهضة للحكومة. ويمكن أن يكون عدد الأشخاص الذين أُعدموا استناداً إلى تهم مشابهة أعلى من ذلك.

حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة على محمد الشاخوري بالإعدام في 21 فبراير/شباط 2021 بسبب ارتكابه جرائم عنف مزعومة تتعلق بمشاركته في احتجاجات مناهضة للحكومة. ولم يحصل على تمثيل قانوني خلال احتجازه واستجوابه، ولم يُسمح لعائلته بزيارته إلا بعد ثمانية أشهر من اعتقاله.

وقد أبلغ الشاخوري المحكمة أنه أُصيب برضوض وألم شديد في ظهره وأضلعه، وفمه في أعقاب تعرّضه للتعذيب. وفقد معظم أسنانه بعد أن وجّه إليه أفراد الأمن اللكمات المتكررة على وجهه، ومع ذلك حُرم من الرعاية الطبية. وقد سحب الشاخوري “اعترافه” لأنه انتُزع منه بواسطة التعذيب، لذلك أصدر القاضي عقوبة إعدام تقديرية.

وفي قضية أخرى أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في 30 يناير/كانون الثاني 2021 حكماً بالإعدام على أسعد علي – الذي أُعدم أيضاً يوم السبت – بسبب جرائم مشابهة. وقد أبلغ المحكمة أنه تعرض للتعذيب الجسدي والنفسي أثناء استجوابه في الحبس الانفرادي، وأن “اعترافه” انتُزع منه أيضاً تحت وطأة التعذيب. وقال عليّ إنه حُرم من الحصول على علاج طبي برغم أنه عانى ألماً مبرّحاً.

ما يزيد فظاعة موجة الإعدامات هذه هو حصولها في ظلّ نظام القضاء السعودي الذي تشوبه شوائب ويصدر أحكام الإعدام عقب محاكمات صارخة وبالغة الجور

لين معلوف، منظمة العفو الدولية

وقد نفّذت المملكة العربية السعودية سابقاً عمليتيْ إعدام جماعي في السنوات الأخيرة، مع أن أياً منهما لم يكن بالحجم نفسه: ففي عام 2019، أُعدم 37 شخصاً كان أغلبيتهم من الرجال الشيعة الذين أُدينوا عقب محاكمات صورية؛ وفي عام 2016 أُعدم 47 شخصًا كان بينهم رجل الدين الشيعي البارز الشيخ نمر النمر.

وقد وثّقت منظمة العفو الدولية حالات 30 شخصاً آخرين على الأقل مُعرّضين لخطر الإعدام إثر إصدار أحكام بالإعدام عليهم عقب محاكمات جائرة بتهم متشعبة نابعة من معارضتهم للحكومة أو مشاركتهم في احتجاجات ضد الدولة، أو تهريب مخدرات، أو شن هجمات عنيفة، أو ارتكاب جرائم قتل. ومن المرجح أن يكون مجموع عدد الأشخاص الذين حُكم عليهم بالإعدام استناداً إلى تهم مشابهة أعلى من ذلك بكثير.

وفي كافة الحالات التي وثّقتها منظمة العفو الدولية، حُكم على أشخاص بالإعدام عقب محاكمات بالغة الجور، شاب العديد منها مزاعم تعذيب أثناء الاحتجاز، تقاعس الادعاء عن التحقيق فيها في انتهاك للواجبات الدولية المترتبة على المملكة العربية السعودية.

وفي مارس/آذار 2022 صدر حكم بالإعدام على عبد الله الحويطي – وهو شاب كان في سن الرابعة عشرة عند ارتكابه الجرم المزعوم – في أعقاب إعادة محاكمته بعد أن نُقض في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 حكم الإعدام الأولي الصادر بحقه. وقد حُكم عليه بالإعدام مرة أخرى بتهم القتل والسطو المسلح. ووفقاً لوثائق المحكمة احتُجز في الحبس الانفرادي أربعة أشهر طيلة فترة استجوابه الذي جرى بدون حضور والديه أو محاميه.

مواجهة الإعدام بسبب ممارسة حرية التعبير

في نهاية مارس/آذار 2022، من المقرر أن يمثل الأكاديمي السعودي حسن المالكي أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في استئناف لمحاكمته التي يمكن أن يواجه فيها عقوبة الإعدام بتهم تتعلق بحرية التعبير. وتشمل التهم الـ 14 المنسوبة إليه الإساءة إلى “ولاة أمر هذه البلاد، وهيئة كبار العلماء”، و”إجراءه لقاءات تلفزيونية مع صحف غربية وقنوات معادية [للمملكة]”، و” تأليفه عدداً من الكتب والأبحاث… ونشرها خارج المملكة”، و”حيازته 348 كتابًا غير مفسوح من الجهة المختصة”.

وفي قضية مشابهة، يواجه رجل الدين سلمان العودة عقوبة الإعدام أيضاً أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بتهم تتعلق بمساندته المزعومة لمعارضين مسجونين وللإخوان المسلمين – وهي جماعة سياسية محظورة. وقد وُضع العودة في الحبس الانفرادي طوال الأشهر الخمسة الأولى من فترة احتجازه في انتهاك للمعايير الدولية مثل قواعد نلسون مانديلا، بدون أن يُسمح له الاتصال بأسرته أو بمحامٍ، ما عدا مكالمة واحدة وجيزة بعد شهر من اعتقاله.

وفي أغسطس/آب 2018 أُحيل سلمان العودة للمحاكمة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في جلسة سرية، حيث وُجهت إليه 37 تهمة، من بينها الدعوة إلى حرية التعبير والإصلاحات السياسية في المملكة العربية السعودية. وفي مايو/أيار 2019 وعقب جلسة سرية أخرى أحاط محاميه أسرته علماً بأن النيابة طالبت بإصدار عقوبة الإعدام بحقه. ويظل قيد المحاكمة بانتظار إدانته.

وقالت لين معلوف إنه “يجب الإفراج عن حسن المالكي وسلمان العودة فوراً ومن دون قيد أو شرط. فلا يجوز أن يواجه أحد عقوبة الإعدام لمجرد ممارسته لحقه في حرية التعبير، ويُعدّ استخدام الدولة للإعدامات كأداة سياسية لخنق أصوات المنتقدين إساءة استخدام متفشية للعدالة”.

التغييرات الأخيرة في أحكام عقوبة الإعدام

أعلن أمر ملكي صدر عام 2020 وضع حد لاستخدام عقوبة الإعدام ضد أشخاص تقل أعمارهم عن 18 عاماً عند وقوع الجريمة، وفقط في حالات تعزيرية لا علاقة لها بقانون مكافحة الإرهاب. ولم يحدد ما إذا كان الإعلان ينطبق على القُصَّر المحكوم عليهم بجرائم الحد (تلك التي يُعاقب عليها بعقوبات ثابتة وشديدة بموجب الشريعة) أو الجرائم التي يُعاقب عليها بالقصاص. ويُقصِّر الأمر الملكي في الوفاء بالواجبات المترتبة على المملكة العربية السعودية بموجب اتفاقية حقوق الطفل.

وفي مطلع عام 2021 أعلنت السلطات السعودية إجراء تغييرات تتعلق بعقوبة الإعدام، بما في ذلك وقف تنفيذ الإعدامات بالنسبة للجرائم التي تتعلق بالمخدرات. وهي أحكام تصدر بناء على ما يرتئيه القاضي وليست إلزامية بموجب الشريعة الإسلامية. وفي حين يبدو أن هذا الوقف قد وُضع حيز التنفيذ، إلا أنه لا يكتسي صفة رسمية بعد ويظل كذلك ما دامت القوانين السارية المتعلقة بالمخدرات تحمل في طياتها عقوبة الإعدام، وما دام الأشخاص الذين حُكم عليهم بالإعدام سابقاً بسبب جرائم لها صلة بالمخدرات ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيهم.

وعلاوة على ذلك واصلت المحاكم إصدار أحكام بالإعدام وتنفيذها بحق أشخاص فيما يتعلق بجرائم أخرى يمكن فيها للقضاة إصدار حكم بالإعدام بحسب ما يرتؤونه. وقد صدر على جعفر سلطان وصادق ثامر – كلاهما مواطنان بحرينيان – حكمان استنسابيان بالإعدام في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021 بتهم لها صلة “بالإرهاب”، بما في ذلك تهريب متفجرات، وتلقي تدريب عسكري في إيران، و”المشاركة أكثر من عشرين مرة في المظاهرات التي حدثت في مملكة البحرين ورفع الشعارات الداعية لإسقاط الحكومة”. وقد أيدت محكمة الاستئناف إدانتهما في يناير/كانون الثاني 2022، لكن يظل بالإمكان نقض الإدانة من جانب المحكمة العليا.

عقوبة الإعدام هي أقصى أشكال العقوبات القاسية واللاإنسانية والمهينة، وتُعدّ انتهاكاً للحق في الحياة. وتدعو منظمة العفو الدولية السلطات السعودية إلى إيقاف فوري للإعدامات، وإصدار وقف رسمي لجميع عمليات الإعدام، وإصدار تشريع يلغي عقوبة الإعدام كلياً على كافة الجرائم.

وينبغي على المملكة العربية السعودية أيضاً أن تضمن عدم قبول المحاكم لأي “اعترافات” أو أقوال أخرى تُنتزع بواسطة التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة، وأن تُجري هيئة مستقلة من دون إبطاء تحقيقات فعالة في جميع الشكاوى الانتهاكات.