ليبيا: يجب محاسبة الميليشيات التي تمولها الدولة على عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء في مصراتة

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن مقطع فيديو صادم يصور عملية إعدام خارج نطاق القضاء على يد قوة العمليات المشتركة، وهي ميليشيا تمولها الدولة، وتعرف أيضاً باسم المشتركة، بمثابة تذكير قاتم بالعواقب المميتة لإفلات الميليشيات والجماعات المسلحة من العقاب في ليبيا. 

قام مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية باستعراض مقطع فيديو التقطته كاميرا أمنية في أحد شوارع مصراتة في 6 مارس/ آذار، يُظهر الطيب الشريري البالغ من العمر 27 عاماً وهو يهرب من رجال مسلحين قبل أن يُطلق عليه الرصاص. وقد أطلقت رصاصة واحدة على الأقل من مسافة حوالي سبعة أمتار. يمكن بعد ذلك رؤيته وهو ينهار على الأرض بينما يحيط به ثمانية رجال يرتدون زيا عسكرياً، قبل أن يقتادوه إلى مؤخرة سيارة عسكرية عليها شعار ظاهر لقوة العمليات المشتركة. وتشبه السيارة العسكرية التي شوهدت في الفيديو تلك التي شاهدها وفد منظمة العفو الدولية خلال زيارة للمدينة في فبراير/شباط 2022.

وقالت ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، “عملية القتل هذه عن قرب وفي وضح النهار، إنما هي مثال مخيف آخر على الإفلات الراسخ من العقاب الذي تحظى به الميليشيات، التي مرت جرائمها دون عقاب لفترة طويلة جداً. ويجب على السلطات الليبية أن تحقق بسرعة وفعالية في عملية الإعدام خارج نطاق القضاء هذه، وضمان محاسبة المسؤولين” عنها.

“إنه لأمر مشين أن تكافئ السلطات الليبية، بشكل مستمر، هذه الجماعات المسيئة، على سلوكها الإجرامي. فيجب على السلطات التوقف على وجه السرعة عن تمويل الميليشيات، ودمج أفرادها في مؤسسات الدولة دون التدقيق لإبعاد أولئك المشتبه بهم، بشكل معقول، في المسؤولية عن الجرائم بموجب القانون الدولي”.

يقع مقر الميلشيا المسؤولة عن عملية القتل، وهي قوة العمليات المشتركة، والمعروفة أيضا باسم المشتركة، في مصراتة، ثالث أكبر مدينة في ليبيا. ولقد وثقت منظمة العفو الدولية، مراراً وتكراراً، تورط تلك الميلشيا في عمليات الاختفاء القسري والتعذيب والاعتقال التعسفي، ومع ذلك تواصل نشاطها مع الإفلات التام من العقاب.

ووفقًا لتقرير التشريح الأولي، المؤرخ في 6 مارس/آذار 2022، والذي اطلعت عليه منظمة العفو الدولية، أصيب الطيب الشريري بطلقة في ظهره، كما أصيب بجروح في ساقه. وحتى الآن، تقاعست السلطات الليبية عن تقديم الجناة إلى العدالة.

وقبل أسابيع من وفاته، اعتقلت قوة العمليات المشتركة الطيب الشريري. وبعد إطلاق سراحه، قام بنشر مقطع فيديو مباشر اتهم فيه عناصر ميليشيا قوة العمليات المشتركة بضربه. وقالت مصادر مطلعة على اعتقاله إن قوة العمليات المشتركة كانت تسعى لمعاقبته على نشر هذا الفيديو.

وهذه ليست حادثة منفردة. فقد تحدثت منظمة العفو الدولية إلى سبعة معتقلين سابقين، وخمسة نشطاء، وأربعة من أقارب الضحايا، بشأن الانتهاكات التي ارتكبتها قوة العمليات المشتركة، وذلك خلال زيارة وفد إلى مصراتة في فبراير/شباط 2022، وعن بُعد بعد استكمال الزيارة.

على الرغم من هذه الانتهاكات، فقد سمح رئيس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بدفع 100 مليون دينار ليبي (21.6 مليون دولار) إلى قوة العمليات المشتركة في 10 فبراير/شباط 2022، وفقًا لوثيقة مالية اطلعت عليها منظمة العفو الدولية.

عمليات الاعتقال التعسفي، والتعذيب والاخفاء القسري

على مدى السنوات الست الماضية، وثقت منظمة العفو الدولية نمطاً من الاعتقالات التعسفية على أيدي قوة العمليات المشتركة، حيث تستهدف الأفراد على أساس أصولهم الإقليمية أو آرائهم السياسية أو التعبير السلمي عن الأفكار التي تعتبر “غير أخلاقية”.

في 25 أغسطس/آب 2020، وسط احتجاجات نادرة الحدوث في جميع أنحاء ليبيا ضد الوضع الراهن وحكم الميليشيات، اعتقل عناصر من ميليشيا قوة العمليات المشتركة الصحفي والناشط عبد اللطيف أبو حمرة في الضواحي الجنوبية لمدينة بني وليد بينما كان يقوم بجمع عينات ممن يشتبه بإصابتهم بفيروس كوفيد-19 للمركز الوطني لمكافحة الأمراض. وظل رهن الاحتجاز التعسفي حتى منتصف سبتمبر/أيلول 2020.

في 7 ديسمبر/كانون الأول 2021، اعتقل أفراد من قوة العمليات المشتركة الصحفي والناشط حمزة التريكي، بعد أن حمّل مقطع فيديو ينتقد فيه بشدة رجل أعمال مقرب من رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة. كما نشر التريكي مزاعم فساد عن عبد الحميد الدبيبة، وأقاربه والشركاء المقربين له، على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي 3 مارس/آذار 2022، اعتقلت قوة العمليات المشتركة حافظ قدور، السياسي المعارض لحكومة الوحدة الوطنية، قبل الإفراج عنه في اليوم التالي. وقال لوسائل إعلام ليبية إن مسلحين اعتدوا عليه وعلى موظفيه، وأطلقوا أعيرة نارية عشوائياً، قبل إلقاء القبض عليهم واحتجازهم.

وفي يناير/كانون الثاني 2021، قُبض على رجل آخر في مصراتة واحتُجز في مكان لم يُعلن عنه. وبعد اختفائه، داهم عدد من المسلحين منزله وصادروا هاتفه، وفقاً لرواية شاهد عيان. وتعرفت الأسرة على الرجلين على أنهما من أفراد قوة العمليات المشتركة من شاراتهم التي يرتدونها. بعد أن نفى أفراد قوة العمليات المشتركة عملية احتجازه، علمت عائلته أنه نُقل إلى سجن معيتيقة في طرابلس، حيث لا يزال محتجزاً.

وقد وثقت منظمة العفو الدولية خمس حالات أخرى من الاعتقال التعسفي على أيدي قوة العمليات المشتركة، واستخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك الضرب بأنابيب المياه، والتعليق في وضعيات مجهدة، والحرمان من الطعام الكافي.

وكان من بينهم رجل يبلغ من العمر 31 عاماً، قُبض عليه في يناير/كانون الثاني 2022. وقال إن قوة العمليات المشتركة لكمته وركلته وضربته بأنابيب مياه. وأظهر تقرير طبي كدمات على ساقيه وصدره ورأسه بعد الضرب، مما أكد روايته.

كما تنتهك قوة العمليات المشتركة، بشكل معتاد، حق المحتجزين في افتراض البراءة من خلال نشر “اعترافات” على قنوات التواصل الاجتماعي التابعة لها. ففي مقطع فيديو نُشر في فبراير/شباط 2022، سُمع أربعة رجال “يعترفون” بالانتماء إلى “الدولة الإسلامية”، والمشاركة في هجمات عنيفة.

أصدرت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في ليبيا، المكلفة من قبل مجلس حقوق الإنسان للتحقيق في انتهاكات وتجاوزات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع في ليبيا منذ عام 2016، تقريرها الثاني في 28 مارس/آذار 2022، وأوردت فيه وقوع سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في جميع أنحاء البلاد مع إفلات المسؤولين عنها من العقاب.

واختتمت ديانا الطحاوي قائلة: “في مواجهة استمرار عدم رغبة السلطات الليبية في كبح جماح المليشيات والجماعات المسلحة، والحرص على إبعاد الأشخاص المشتبه، بشكل معقول، في ارتكابهم جرائم منصوص عليها في القانون الدولي، من مناصب تسمح لهم بارتكاب مزيد من الانتهاكات، أو التدخل في التحقيقات، أو تمنحهم الحصانة، فمن الضروري أن يمدد أعضاء المجتمع الدولي ولاية بعثة تقصي الحقائق إلى ما بعد يونيو/حزيران 2022، وذلك لتمكينها من استكمال مهمتها الحاسمة”.

خلفية

أُنشئت قوت العمليات المشتركة بداية في 2013 تحت اسم “غرفة العمليات الأمنية المشتركة المؤقتة – مصراتة”. وهي تتبع اسمياً رئيس الوزراء مباشرة، ولديها ميزانية سنوية مخصصة قدرها 40 مليون دينار ليبي (8.5 مليون دولار) من قبل الحكومة. بينما لا تزال المهمة المحددة للميليشيا غير واضحة، يبدو أن القوة تنفذ عمليات عسكرية في مخالف أنحاء طرابلس ومصراتة والمدن المجاورة.

وتدير الميليشيا عدة مراكز احتجاز في مصراتة، وتتعاون مع أجهزة أمن الدولة.

وقد شاركت قوة العمليات المشتركة بشدة في القتال ضد القوات المسلحة العربية الليبية، وهي جماعة مسلحة تسيطر فعلياً على شرق ليبيا، خلال هجومها عام 2019 على طرابلس.