تونس: يجب احترام حقوق الإنسان بعد تجميد عمل البرلمان

قالت منظمة العفو الدولية إنه ينبغي على الرئيس التونسي قيس سعيد الالتزام علناً باحترام وحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، والتجمع السلمي، بعد أن  جمد عمل البرلمان، وتولى بعض مهام السلطات القضائية.

لقد تصاعدت بواعث القلق من تعرض حقوق الإنسان للخطر في أعقاب عملية اقتحام قامت بها قوات الأمن على مكتب قناة الجزيرة في تونس العاصمة اليوم، وتهديدات الرئيس خلال خطابه باللجوء إلى القوة الشديدة ضد “أولئك الذين يهددون أمن الدولة”.

وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إن الحريات والمكاسب التي حققتها انتفاضة تونس 2011 بصعوبة بالغة عرضة للخطر، خاصة في غياب محكمة دستورية لحماية حقوق الجميع في البلاد. ويجب على الرئيس قيس سعيد ضمان أن أي أفعال يأمر بها تتماشى بشكل صارم مع التزامات تونس بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. والأهم من ذلك، أنه يجب عليه الامتناع عن القيام بعمليات تطهير سياسي تعسفي.

إن الحريات والمكاسب التي حققتها انتفاضة تونس 2011 بصعوبة بالغة عرضة للخطر، خاصة في غياب محكمة دستورية لحماية حقوق الجميع في البلاد.

هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية

“ان مداهمة مكتب قناة الجزيرة هو اعتداء مشين على الحق في حرية التعبير، وسابقة تبعث على القلق البالغ تشير إلى أن حقوق الإنسان عرضة للخطر خلال هذه الفترة”.

ففي خطاب متلفز، في وقت متأخر من يوم 25 جويلية/تموز، بعد يوم من الاحتجاجات، أعلن الرئيس قيس سعيد، الذي يرأس القوات المسلحة، عن عزمه تعليق البرلمان مؤقتا لمدة 30 يوماً، ورفع الحصانة عن أعضائه، وذكر أنه سيتولى شخصياً رئاسة النيابة العمومية. وبعد إعلانه، تحرك الجيش لمنع وصول البرلمانيين إلى مبنى البرلمان.

 كما حذر الرئيس التونسي خلال خطابه من أن أي شخص “يُطلق رصاصة” ضد قوات الأمن سيواجه “وابل من الرصاص”. وبموجب القانون الدولي والمعايير الدولية، لا يمكن استخدام القوة المميتة بصورة قانونية إلا من قبل قوات الأمن عند الضرورة القصوى لحماية الأرواح، كما يجب استخدامها بشكل متناسب. فلدى قوات الأمن التونسية سجل حافل باللجوء إلى القوة غير الضرورية أو المفرطة والتي نادرا ما تخضع للمساءلة عنها. 

كما أقال الرئيس قيس سعيد أيضاً رئيس الحكومة هشام المشيشي، الذي كانت حكومته مسؤولة عن تدهور حاد في وضع حقوق الإنسان في تونس. وخلال المظاهرات التي جرت في جانفي/ كانون الثاني 2021، ألقي القبض على الآلاف من الشباب، وفرقت قوات الأمن الاحتجاجات بعنف، وقامت أيضاً بتعذيب المحتجين المحتجزين. كما استهدفت حكومته أيضاً المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء الذين عبروا عن آراء انتقادية، أو شاركوا في مظاهرات سلمية. فقد أدت مشاعر السخط على استجابة الحكومة لوباء كوفيد-19 وحملة التطعيم، مع ثاني أعلى معدل وفيات يومية لكل مليون شخص في العالم، إلى مشاركة عالية في احتجاجات 25 جويلية.

 في 26 جويلية/تموز، أفادت قناة الجزيرة أن 20 من رجال الشرطة يرتدون ملابس مدنية مدججين بالسلاح قاموا باقتحام مكتبها في تونس، وطردوا جميع الموظفين، وصادروا هواتفهم ومعداتهم الأخرى. ويشكل إغلاق محطات التلفزيون، أو فرض قيود تعسفية مماثلة على وسائل الإعلام على أساس انتماءاتها السياسية أو غيرها من الانتماءات، انتهاكاً صارخاً للحق في حرية التعبير.

وقد استشهد الرئيس قيس سعيد بالمادة 80 من دستور 2014، والتي تمنحه، وفقًا لبعض التفسيرات، الحق في اتخاذ إجراءات استثنائية في حالة وجود “خطر داهم مهدد لأمن البلاد واستقلالها”. وتقتضي المادة من الرئيس ضمان أن تهدف التدابير “إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال”، وتفترض وجود محكمة دستورية لحماية حقوق الإنسان. غير أن البرلمانات المتعاقبة لم تنتخب الأعضاء المطلوبين لتشكيل المحكمة الدستورية، التي تأخرت الآن بسبع سنوات. 

وتشعر منظمة العفو الدولية بالقلق بشكل خاص من إعلان الرئيس أنه سيتولى رئاسة النيابة العمومية في الشؤون القضائية المتعلقة بالبرلمانيين، بعد رفع الحصانة عنهم.

” يعتبر استقلال القضاء هو أحد الركائز الأساسية لمجتمع يحترم الحقوق ولا ينبغي  المساس به. إن تركيز السلطات في أيدي السلطة التنفيذية أمر ينذر بالخطر”. واختتمت هبة مرايف قائلة: “يجب على الرئيس التونسي أن يدعم جميع ضمانات المحاكمة العادلة للجميع، ويجب ألا يستخدم سلطاته القضائية لتسوية الحسابات السياسية، أو لإجراء عمليات تطهير للأصوات المنتقدة”.

ويحظر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تشكل تونس طرفًا فيه، على الدول تعليق بعض حقوق الإنسان، حتى في أثناء حالة الطوارئ، بما في ذلك المقتضيات الأساسية للمحاكمات العادلة.

 وتشهد تونس تحولاً ديمقراطياً هشاً منذ أن أطاحت يزين العابدين بن علي. أجرت البلاد ثاني انتخابات برلمانية ورئاسية لها منذ ثورة 2011 في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2019، والتي جاءت بالرئيس قيس سعيد إلى السلطة، وأسفرت عن برلمان مجزأ، مع عدم حصول أي حزب على أكثر من 25 في المئة من المقاعد. وجاء حزب النهضة الإسلامي في المركز الأول، حيث حصل على 52 مقعدا من أصل 217 مقعداً، يليه حزب قلب تونس. ومنذ الانتخابات، تم تعيين ثلاثة رؤساء حكومات. منذ عدة أشهر، كانت البلاد متورطة في أزمة سياسية، وخلافات حول تقاسم السلطة بين الرئيس ورئيس الحكومة، اللذين يمارسان الصلاحيات التنفيذية بموجب دستور 2014.