إيران: يجب إجراء تحقيق مستقل في عمليات القتل غير المشروع لناقلي الوقود الذين يعانون من فقر مدقع

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إنَّ الحرس الثوري الإيراني استخدم بشكل غير قانوني القوة المفرطة ضد ناقلي وقود غير مسلحين بالقرب من مدينة سراوان، في محافظة سيستان وبلوشستان، في 22 فبراير/شباط، في انتهاك صارخ للحظر المطلق للحرمان التعسّفي من الحق في الحياة بموجب القانون الدولي.

وتؤكد شهادة شهود العيان وأهالي الضحايا، إلى جانب مقاطع فيديو تمّ تحديد موقع أحداثها جغرافيًا والتحقق منها من قبل مختبر أدلة الأزمات التابع للمنظمة، أنه في ذلك اليوم، استخدم الحرس الثوري المتمركز في قاعدة شمسر العسكرية الذخيرة الحية ضد مجموعة من ناقلي الوقود العزّل ينتمون إلى الأقلية البلوشية المفقرة في إيران ما تسبب بسقوط العديد من الوفيات والإصابات.

وقالت ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية إنه “من خلال إطلاقها النار على مجموعة من الأشخاص العزل، أظهرت قوات الأمن الإيرانية استهتارها الصّارخ بحياة الناس. ينبغي أن تُجرى تحقيقات جنائية عاجلة ومستقلة في عمليات القتل غير المشروع هذه بما يتماشى مع القانون الدولي والمعايير الدولية. ويجب محاكمة أي شخص تتوفر ضده أدلة كافية ومقبولة في محاكمة عادلة، دون اللجوء إلى عقوبة الإعدام”.

من خلال إطلاقها النار على مجموعة من الأشخاص العزل، أظهرت قوات الأمن الإيرانية استهتارها الصّارخ بحياة الناس

ديانا الطحاوي، منظمة العفو الدولية

وكان قد قتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص، من بينهم صبي يبلغ من العمر 17 عامًا، في 22 فبراير/شباط، وفقًا لنشطاء حقوق الإنسان البلوشيين الذين أجروا مقابلات مع مصادر أساسية قريبة من الحدث.

ففي مقابلة إعلامية في 23 فبراير/شباط، قال نائب محافظ سيستان وبلوشستان، محمد هادي مرعشي، إنَّ قوات الأمن المتمركزة في قاعدة شمسر “لجأت مجبرة إلى إطلاق النار” لأن “شرفهم” كان مهددًا بسبب محاولة ناقلي الوقود “الدخول إلى قاعدنهم العسكرية”، وإقدامهم على الرشق بالحجارة و”أعمال تدميرية” أخرى، ممّا يؤكّد عن غير قصد أنه لا يوجد تهديد وشيك على الحياة.

وأضافت الطحاوي “إنَّ التبرير الرسمي الذي قدمته السلطات الإيرانية لاستخدامها المميت للذخيرة الحية يعكس تجاهلها التام للمعايير الدولية بشأن استخدام الأسلحة النارية. كما يظهر ازدراءً بلا حياء بالتزامها باحترام الحياة البشرية والحفاظ عليها والتأكد من أنَّ المسؤولين الحكوميين لا ينفذون عمليات إعدام خارج نطاق القضاء عن طريق الاستخدام غير القانوني للأسلحة النارية”.

بموجب القانون الدولي، ينبغي استخدام الأسلحة النارية فقط في حالة التهديد الوشيك بالموت أو الإصابة الخطيرة. ولا يكون الاستخدام المميت المتعمّد للأسلحة النارية مبررًا إلا عندما يتعذر تمامًا تجنبه لحماية الأرواح. من غير القانوني استخدام القوة المميتة للدفاع عن الممتلكات أو منع الدخول إلى قاعدة عسكرية أو ردًا على رشق الحجارة عندما لا يكون هناك تهديد للحياة أو حدوث إصابة خطيرة.

في 26 فبراير/شباط، وفي أعقاب غضب شعبي عارم، أعلن المدعي العسكري لمحافظة سيستان وبلوشستان عن فتح تحقيق جنائي في “الحوادث التي وقعت” في 22 فبراير/شباط. بموجب القانون الدولي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، يجب أن يقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على انتهاكات النظام العسكري من قبل العسكريين مع استبعاد انتهاكات حقوق الإنسان. علاوة على ذلك، وبسبب عدم وجود سلطة قضائية مستقلة في البلاد، سُجلت حالات مروّعة من الإفلات من العقاب، ما يستدعي قلق منظمة العفو الدولية الشديد بشأن توافق هذا التحقيق مع القانون والمعايير الدولية.

وقال قريب لضحية قُتل وآخر أصيب لمنظمة العفو الدولية إنَّ مسؤولي المخابرات والأمن لم يسمحوا لأسرته بمعاينة جثمان فقيدهم أو تأمين تشريح مستقل لجثمانه، وضغطوا عليهم لدفن الجثمان على الفور. وأخبر أيضاً أنَّ قريبه المصاب في المستشفى، وأفراد آخرين من عائلته وأسر ضحايا آخرين قد طُلب منهم من قبل مسؤولي المخابرات والأمن التوقيع على تصاريح تفيد بأن الحرس الثوري ليس مسؤولاً عن القتلى والجرحى.

أدلة على الاستخدام غير المشروع للقوة المميتة

توكد لقطات الفيديو التي تمَّ التحقق منها، وشهادات شهود العيان وأقارب الضحايا، بالإضافة إلى المعلومات الموثقة التي تمَّ جمعها من مدافعين عن حقوق الإنسان، والبيانات الرسمية، أن ناقلي الوقود كانوا غير مسلحين ولم يشكلوا أي تهديد خطير. لذلك، من الواضح أنَّ استخدام الحرس الثوري للقوة المميتة ضدهم في 22 فبراير/شباط كان غير قانوني.

فقبل أيام، في 20 فبراير/شباط، قامت قوات الحرس الثوري المتمركزة في قاعدة شمسر بقطع الطريق المؤدية إلى مدينة سراوان بالسلاسل المعدنية، دون ذكر الأسباب، الأمر الذي ترك العشرات من ناقلي الوقود، الذين يسافرون بانتظام بين إيران وباكستان لبيع الوقود بمبالغ ضئيلة، عالقين قرب الحدود على الجانب الإيراني، لا يحملون إلا كمية قليلة جداً من الطعام والماء.

وقامت منظمة العفو الدولية بمراجعة ومطابقة روايات ستة أفراد على صلة بالأحداث، وكان من بينهم ثلاثة شهود عيان أحدهم من أقارب ضحيتين (قتل واحد وجرح الآخر). واثنان من المدافعين المحليين عن حقوق الإنسان الذين أجروا مقابلات مع ثلاثة شهود عيان آخرين. وبحسب هذه الروايات، بعد 48 ساعة من المفاوضات الفاشلة، في 22 فبراير/شباط، قامت مجموعة من ناقلي الوقود بفتح الطريق من خلال كسر السلاسل المعدنية وحاولوا قيادة سياراتهم عبر الحاجز. وردًا على ذلك، أطلق الحرس الثوري بدايةً طلقات تحذيرية في الهواء، وقد ذكر شهود العيان إنه عندما لم يتراجع السائقون وتحركوا باتجاه الحاجز، أطلق الحرس الثوري الرّصاص الحي عليهم، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من السائقين.

وقال شاهد عيان في شهادة مسجلة بالصوت حصلت عليها منظمة العفو الدولية: “لقد توسّلنا إلى الحرس الثوري لفتح الطريق، ولكنهم وعدونا وعوداً كاذبة وتركونا ننتظر. الأمر الذي اضطر الناس إلى تخطي الحاجز الحديدي، فأطلق الحرس الثوري النار عليهم، ما أدى إلى مقتل سائقي خمس أو ست سيارات كانوا يمرّون في المنطقة. وتحت وطأة ما حدث، أخذ ناقلو الوقود الآخرون بالصراخ، فأطلق الحرس الثوري النار باتجاههم أيضاً، ما أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى”.

الأمر الذي اضطر الناس إلى تخطي الحاجز الحديدي، فأطلق الحرس الثوري النار عليهم، ما أدى إلى مقتل سائقي خمس أو ست سيارات كانوا يمرّون في المنطقة

شاهد عيان

في 24 فبراير/شباط، بثت قناة بلوشستان الإخبارية (BNC) مقطع فيديو وصف فيه ناقل وقود مصاب، يعالج في منشأة طبية في باكستان، كيف أطلق الحرس الثوري النار على السائقين الذين حاولوا المرور عبر الحاجز قائلاً: “أصيب سائق سيارة أمامي يرصاصة. كان هناك ما يقرب من 35 إلى 40 شخصًا أصيبوا بالرصاص. كنا هناك فقط نحاول كسب لقمة العيش”.

تمكنت منظمة العفو الدولية من التحدث إلى أحد أقارب ضحيتين أُطلقت عليهما النار أثناء وجودهما في سيارتهما. قُتل أحدهم في مكان الحادث بعد إصابته بعدة أعيرة نارية في ساقيه. واصيب اخر برصاصة في بطنه وهو حالياً في حالة حرجة. قال القريب إن ثمانية من أبناء عمومته، الذين كانوا أيضا حاضرين في مكان الحادث، أفادوا جميعا بأن عناصر الحرس الثوري صوبوا نيرانهم عمدا على السائقين الذين حاولوا المرور عبر الحاجز.

الشهادات المذكورة مدعومة بمقطع فيديو يظهر مشاهد من داخل سيارة مغطاة ببقع الدم. في المقطع، يُسمع الشخص الذي يصور يقول إنَّ خمسة سائقين قتلوا بالرصاص. كما حصلت منظمة العفو الدولية على لقطات فيديو تم التحقق منها تظهر ضحيتين ملقاتين على الأرض، تنزفان من جروح في ساقيهما. وشوهد أحد الضحايا ملقى على الأرض بلا حراك وعيناه مفتوحتان على مصراعيها.

وعلّقت ديانا الطحاوي “عندما تستخدم عناصر قوات الأمن الأسلحة النارية عمدًا وبشكل غير قانوني ضد أشخاص غير مسلحين، فإنهم إما ينوون القتل أو لا يهتمون بما إذا كانت أفعالهم قد تؤدي إلى الموت. في كلتا الحالتين، بموجب القانون الدولي، فإن عمليات القتل الناتجة عن أفعالهم غير القانونية لا تعتبر عرضية، بل متعمدة، وبالتالي ينبغي التحقيق فيها على أنها إعدامات خارج نطاق القضاء”.

عندما تستخدم عناصر قوات الأمن الأسلحة النارية عمدًا وبشكل غير قانوني ضد أشخاص غير مسلحين، فإنهم إما ينوون القتل أو لا يهتمون بما إذا كانت أفعالهم قد تؤدي إلى الموت

ديانا الطحاوي ، منظمة العفو الدولية

تشير روايات شهود العيان، وكذلك مقاطع الفيديو التي تم التحقق منها، إلى أنه عقب عمليات إطلاق النار المميتة المذكورة أعلاه، رفع العديد من ناقلي الوقود أصواتهم احتجاجًا بغضب، حيث هتف البعض “يسقط الحرس الثوري”. وقال مدافعون عن حقوق الإنسان قابلتهم منظمة العفو الدولية إن عددا من ناقلي الوقود تحركوا أيضا باتجاه قاعدة شمسر، وهم يرشقون الحجارة. وجاء رد الحرس الثوري هذه المرة بإطلاق العيارات النارية الطائشة.

تتوافق هذه الروايات مع مقطع الفيديو الذي تم التحقق منه، والذي راجعه خبير أسلحة في منظمة العفو الدولية، والذي يظهر حراسًا عديدين على التلال داخل قاعدة شمسر وهم يطلقون نيران بنادق نصف آلية بشكل متهور بالقرب من حشد من الأشخاص العزل، الذين شوهدوا وهم يفرون ويبحثون عن مأوى في الخنادق.

ورفضت السلطات الإيرانية الكشف عن العدد الحقيقي للقتلى. بينما اعترف كبار المسؤولين في المحافظة بوقوع ثلاث حالات وفاة فقط، وحاولوا إسناد المسؤولية إلى حرس الحدود الباكستاني، وهو ما نفاه المسؤولون الباكستانيون وناقلو الوقود الموجودون في مكان الحادث.

بالنظر إلى الإفلات الممنهج من العقاب السائد في إيران على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم الأخرى بموجب القانون الدولي، تحث منظمة العفو الدولية أعضاء المجتمع الدولي على الضغط من أجل الحقيقة والعدالة فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة للحق في الحياة التي ارتكبتها قوات الأمن الإيرانية في 22 فبراير/شباط.

خلفية

استخدمت قوات الأمن الإيرانية أيضاً القوة غير المشروعة والمفرطة، بما في ذلك الذخيرة الحية، وكريات الخرطوش المعدنية، والغاز المسيل للدموع، ضد الرجال والنساء والأطفال الذين احتجوا على مقتل أحبائهم والمارة خلال الاحتجاجات التي اندلعت في سيستان وبلوشستان بين 23 و25 فبراير/شباط ردا على عمليات القتل في 22 فبراير/شباط. ووفقًا للمدافعين عن حقوق الإنسان البلوشيين، قُتل اثنان على الأقل، من بينهم طفل، بالرصاص في 24 فبراير/شباط أثناء الاحتجاجات. كما أعلنت السلطات عن وفاة أحد مسؤولي إنفاذ القانون خلال الاحتجاجات.

عادة ما يعيش ناقلو الوقود، الذين يطلق عليهم اسم “سوختبر” باللغة الفارسية، في فقر مدقع في سيستان وبلوشستان. يحاولون كسب لقمة العيش من خلال بيع الوقود في القرى الحدودية في باكستان. وفي حين أن البعض لديهم ترخيص رسمي لنقل الوقود، فإن الغالبية العظمى منهم يفعلون ذلك بشكل غير منتظم عبر الطرق الحدودية الطرفية ويذكرون أنه يُطلب منهم دفع رشاوى منتظمة لمسؤولي الحرس الثوري الذين يسيطرون على المعابر الحدودية.

في كل عام، تقتل قوات الأمن الإيرانية أو تجرح العشرات من خلال إطلاق النار على ناقلي الوقود بحجة مواجهة “تهريب الوقود”.

وتواجه الأقلية البلوشية في إيران تمييزًا راسخًا يحد من وصولها إلى التعليم والرعاية الصحية والتوظيف والسكن اللائق والمناصب السياسية.