لبنان: أدلة جديدة تكشف استخدام معدات إنفاذ القانون الفرنسية على نحو غير قانوني لسحق الاحتجاجات

يكشف بحث جديد أجرته منظمة العفو الدولية اليوم الدور المشين الذي تؤديه معدات إنفاذ القانون الفرنسية في قمع الاحتجاجات السلمية إلى حد كبير التي جرت في لبنان منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وكذاك في قمع احتجاجات أغسطس/آب 2015.

ويوثّق البحث الاستخدام غير الضروري أو المفرط للقوة من جانب قوات الأمن اللبنانية ضد المحتجين بواسطة أسلحة فرنسية الصنع من دون الخضوع للمساءلة على الإصابات الخطرة التي تسببت بها. ولم تردّ الحكومة الفرنسية على رسالة منظمة العفو الدولية ورسائلها الإلكترونية التي طلبت فيها توضيح ما إذا كانت المبيعات مستمرة.

وقال آيمريك إلوين، مسؤول كسب التأييد للحد من الأسلحة في الفرع الفرنسي لمنظمة العفو الدولية إن “فرنسا لا تزال منذ سنوات تزوّد قوات الأمن اللبنانية بمعدات إنفاذ القانون التي استخدمتها لارتكاب أو لتسهيل ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، كان أحدثها عهداً خلال حركة احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019. وإننا ندعو فرنسا – تماشياً مع الواجبات المترتبة عليها بموجب القوانين الدولية، والإقليمية، والمحلية – إلى ضمان عدم إجراء مزيد من المبيعات إلى حين إقرار السلطات اللبنانية بالانتهاكات الماضية والأهم من كل ذلك اتخاذ إجراءات لمنع تكرارها”.

فرنسا لا تزال منذ سنوات تزوّد قوات الأمن اللبنانية بمعدات إنفاذ القانون التي استخدمتها لارتكاب أو لتسهيل ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، كان أحدثها عهداً خلال حركة احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019.

آيمريك إلوين، مسؤول كسب التأييد للحد من الأسلحة في الفرع الفرنسي لمنظمة العفو الدولية

“تعمل قوات الأمن اللبنانية في أجواء الإفلات من العقاب. ولم يجر أي تحقيق فعال في الاستخدام غير القانوني للأسلحة ومن بينها تلك المصنوعة في فرنسا، ضد المحتجين السلميين، ولم يخضع أي فرد من قوات الأمن للمساءلة من جانب السلطات القضائية”.

وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 اندلعت احتجاجات حاشدة في شتى أرجاء لبنان بسبب الأسعار المتصاعدة، ومعدل البطالة المرتفع، والخدمات العامة المزرية، والفساد المستشري والممنهج، واستمرت حتى مارس/آذار 2020 ثم توقفت بعده بفعل التأثير المضاعف لانتشار فيروس كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية غير المسبوقة، ولم تُستأنف إلا عقب الانفجار المأساوي الذي وقع في مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020.

لقد أصيب ما لا يقل عن 1000 محتج بسبب استخدام القوة بشكل غير قانوني من جانب قوات الأمن اللبنانية التي استخدمت في الكثير من الأحيان أسلحة انفاذ القانون الفرنسية الصنع، من ضمنها المواد الكيماوية المهيجة مثل الغاز المسيل للدموع، والمقذوفات ذات التأثير الحركي مثل الرصاص المطاطي، والقاذفات المتعلقة بها. كذلك استخدمت قوات الأمن اللبنانية العربات المدرعة الفرنسية الصنع.

تحقق مختبر أدلة الأزمات وهيئة التحقق الرقمي في منظمة العفو الدولية من صحة 101 مقطع فيديو للاحتجاجات التي جرت في بيروت بين أكتوبر/تشرين الأول 2019 و2020، وكذلك في آب/أغسطس 2015 تخللتها حالات متعددة للاستخدام غير القانوني للقوة من جانب قوات الأمن، وأجرى الطرفان تحليلاً لها. وقد ظهرت المعدات الفرنسية بانتظام في اللقطات. وكانت منظمة العفو الدولية حاضرة على أرض الحدث في بيروت تراقب وترصد استخدام قوات الأمن للقوة في الاحتجاجات. وأجرت المنظمة مقابلات مع ما يزيد على 90 محتجاً بوصفهم ضحايا جرحى أو شهود عيان واستعرضت التقارير الطبية.

تعمل قوات الأمن اللبنانية في أجواء الإفلات من العقاب. ولم يجر أي تحقيق فعال في الاستخدام غير القانوني للأسلحة ومن بينها تلك المصنوعة في فرنسا، ضد المحتجين السلميين، ولم يخضع أي فرد من قوات الأمن للمساءلة من جانب السلطات القضائية.

آيمريك إلوين

وتضمنت المعدات الفرنسية التي ظهرت في مقاطع الفيديو قاذفات مركّبة على عربات (لاند كوغر 12 من صنع ألستكس)، وقنابل غاز مسيل للدموع (إم بي 7 صنع نوبل سبور سكيوريته، وسي إم 4 وسي أم 6 من صنع ألستيس)، ورصاصاً مطاطياً (طلقات ذخيرة بأعيرة Gomm-Cogne غوم – كونييه من صنع إس إيه بي إل)، وقاذفات قنابل يدوية (شوكا وكوغر من صنع ألستكس)، وناقلات جند مدرعة من صنع أركوس شيربا.

’خذلان الناس‘

في الاثني عشر شهراً التي تلت اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية غير المسبوقة في أكتوبر/تشرين الأول 2019، تقدم محامون بـ 40 شكوى على الأقل لدى النيابات العامة نيابة عن المحتجين الجرحى. ومع ذلك تقاعست النيابات عن التحقيق في مزاعم القوة غير القانونية والتعذيب، وفي بعض الحالات أغلقت التحقيقات من دون الفحص الفعال للمزاعم، وفي حالات أخرى فتحت تحقيقات لكنها لم تتخذ إجراءات تذكر. وقد أُحيلت بعض الشكاوى إلى القضاء العسكري الذي لا يتمتع بموجب المعايير الدولية لحقوق الإنسان بالاستقلالية الواجبة لتقديم سبل انتصاف في حالة وقوع انتهاك لحقوق الإنسان، وأُحيلت قضايا أخرى إلى الأجهزة نفسها المتهمة بممارسة التعذيب والقوة غير القانونية للتحقيق في الشكاوى.

تقدمت المحامية ديالا شحادة بشكوى في 19 أغسطس/آب 2020 نيابة عن محتج فقد عينه عقب إصابته برصاصة مطاطية في 8 أغسطس/آب. وأبلغت ديالا شحاده منظمة العفو الدولية أن النيابة العامة تقاعست عن التحقيق في الشكوى.

يجب على السلطات الفرنسية أن تُبلّغ قوات الأمن اللبنانية أنها لن تستطيع استئناف الصادرات إلا إذا برهنت تلك القوات على أن هذه المعدات تُستخدم على نحو يتماشى مع القانون والمعايير الدولية بشأن استخدام القوة والحق في حرية التجمع السلمي.

آيمريك إلوين

وقالت ديالا شحاده إن “النيابة العامة تخذل الأشخاص في قضايا الجرائم التي تُرتكب ضد المحتجين. ولا تتحمل مسؤوليتها كمؤسسة دستورية مستقلة تُخضع المجرمين للمساءلة”.

الاستخدام المفرط وغير القانوني للغاز المسيل للدموع

وثّقت منظمة العفو الدولية إساءة استخدام معدات الغاز المسيل للدموع التي تنتجها فرنسا، بما فيها العبوات التي تصنعها شركتا إس إيه إي الستكس ونوبل سبور سكيوريته، وقاذفات القنابل والأسلحة المركبة على عربات التي تصنعها إس إيه إي ألستكس، وذلك ضد المحتجين بين أكتوبر/تشرين الأول 2019 وأغسطس/آب 2020 وكذلك في أغسطس/آب 2015، والتي أصابت بمعظمها المشاركين السلميين والمارة في المناطق السكنية. وكانت منظمة العفو الدولية حاضرة على أرض الحدث وعثرت على عبوات غاز مسيل للدموع تحمل تاريخ 2020 ما يشير إلى شرائها حديثاً.

وفي حالات عديدة كانت غاية الغاز المسيل للدموع بوضوح هي تفريق احتجاج سلمي بمعظمه، وبالتالي انتهاك الحق في حرية التجمع السلمي.

كذلك وثّقت منظمة العفو الدولية إقدام قوات الأمن على إطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع على المحتجين مباشرة – وهذه ممارسة غير قانونية وخطرة للغاية، كذلك أطلقتها من عربة متحركة ما يجعل السيطرة على إطلاقها مستحيلاً. وقد أدى ذلك إلى إصابات خطرة في الرأس، والجزء العلوي من الجسد في صفوف المحتجين.

إطلاق الرصاص المطاطي على مستوى الصدر

وفق المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة المتعلقة باستخدام الأسلحة الأقل فتكاً، لا يجوز الإطلاق العشوائي للمقذوفات ذات التأثير الحركي مثل الرصاص المطاطي والبلاستيكي على الحشود، لكن يجب توجيهها حصراً نحو الذين يشاركون في أعمال عنف ضد أشخاص، وفقط عندما تُخفق الوسائل الأقل أذى في احتواء العنف. وينبغي تصويبها نحو الجزء الأسفل من الجسد للتقليل إلى أدنى حد من خطر وقوع إصابة جسيمة.

بيد أنه في أعقاب الاحتجاجات التي جرت في يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب 2020، أظهرت الصور، ومقاطع الفيديو، والشهادات، والسجلات الطبية التي استعرضتها منظمة العفو الدولية أن شرطة مكافحة الشغب غالباً ما أطلقت الرصاص المطاطي مباشرة على الحشود السلمية إلى حد كبير على مستوى الصدر، وأن العديد من المحتجين أُصيبوا بجروح في أعينهم، ووجوههم، وأعناقهم، وصدورهم، وأذرعهم، وبطونهم. وفي بعض الحالات أطلقت الشرطة النار من مسافة قريبة.

تعهُّد الرئيس ماكرون بمساندة الشعب اللبناني يجب أن يشمل تعزيز حقوق الإنسان، والمساءلة، وسيادة القانون في لبنان بدلاً من وضع المعدات الفرنسية في أيدي الذين دأبوا على ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.

آيمريك إلوين

وتُظهر أدلة الفيديو المستمدة من أحداث 18 يناير/كانون الثاني 2020 إطلاق النار من البنادق على المحتجين من مسافة قريبة. وقد عُثر على الأرض على طلقات مطاطية فارغة من صنع شركة إس إيه بي إل الفرنسية. وأُصيب ما يزيد على 400 محتج بجروح، كانت إصابات ثلاثة منهم على الأقل في العين مباشرة.

وقال آيمريك إلوين إنه ” يجب على السلطات الفرنسية أن تُبلّغ قوات الأمن اللبنانية أنها لن تستطيع استئناف الصادرات إلا إذا برهنت تلك القوات على أن هذه المعدات تُستخدم على نحو يتماشى مع القانون والمعايير الدولية بشأن استخدام القوة والحق في حرية التجمع السلمي. وإحدى الطرق التي تبرهن على ذلك هي إثبات إجراء مساءلة كاملة على الانتهاكات الماضية، وتقديم تعويض كاف لضحايا الانتهاكات.”

وفي 8 أغسطس/آب 2020 بعد يومين من زيارة الرئيس ماكرون نزل المحتجون إلى الشوارع في بيروت للمطالبة بالمساءلة والعدالة. فأطلقت قوات الأمن والجيش الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، وكريات معدنية تطلق من بنادق آلية التلقيم على نحو متهور على حشود سلمية إلى حد كبير. وتبين أدلة الفيديو أن قوات الأمن اللبنانية أساءت استخدام تشكيلة واسعة من المعدات الفرنسية في هذا اليوم. وإلى جانب قاذفات لاند كوغر 12، وقاذفات كوغر عيار 56 ملم من صنع شركة إس إيه إي ألستكس، وقنابل الغاز المسيل للدموع من صنع شركتيْ ألستكس ونوبل سبور سكيوريته، وحددت منظمة العفو الدولية استخدام الغاز المسيل للدموع من ناقلات جند مدرعة من صنع آركوس شيربا.

وقال آيمريك إلوين إن “تعهُّد الرئيس ماكرون بمساندة الشعب اللبناني يجب أن يشمل تعزيز حقوق الإنسان، والمساءلة، وسيادة القانون في لبنان بدلاً من وضع المعدات الفرنسية في أيدي الذين دأبوا على ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.”

انتهى