السودان: اتفاق السلام يجب أن يلبي مطلب الناس بتحقيق الكرامة والعدالة

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن توقيع اتفاق السلام اليوم بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية السودانية – وهي تحالف يضم تسع جماعات سياسية ومسلحة من مختلف أنحاء البلاد، ومن ضمنها الولايات التي تمزقها النزاعات في النيل الأزرق، ودارفور، وجنوب كردفان – ينبغي أن يلبي مطلب الناس بالكرامة والعدالة. وقد جاء الاتفاق عقب عشرة أشهر من المفاوضات في جوبا بجنوب السودان.

اتفاق السلام يعطي بصيص أمل لملايين السودانيين في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق الذين انتهكت حكومة الرئيس السابق عمر البشير.

ديبروز موتشينا المدير الإقليمي لبرنامج شرق وجنوب أفريقيا في منظمة العفو الدولية

وقال ديبروز موتشينا المدير الإقليمي لبرنامج شرق وجنوب أفريقيا في منظمة العفو الدولية إن: “اتفاق السلام يعطي بصيص أمل لملايين السودانيين في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق الذين انتهكت حكومة الرئيس السابق عمر البشير حقوقهم الإنسانية بصورة ممنهجة وعانوا من أعمال عنف مروعة على أيدي جميع أطراف النزاع”.

“وينبغي على جميع الأطراف ضمان أن يضع اتفاق السلام حداً لقرابة عقدين من المعاناة التي تعرّض لها المدنيون. ويجب أن يتمكن الناس من العودة إلى ديارهم، وأن يباشروا إعادة بناء حياتهم بكرامة”.

ولم توقع بعض الجماعات المسلحة على الاتفاق ما قد يعرقل نجاحه؛ فقد رفضت حركة/جيش تحرير السودان – جناح عبد الواحد نور – إحدى الجماعات المسلحة الرئيسية في دارفور – المشاركة في محادثات السلام منذ البداية. ولم يتم التوصل أيضاً إلى اتفاق مع الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، التي تسيطر على أجزاء من جنوب كردفان والنيل الأزرق.

وقال ديبروز موتشينا إنه: “يجب على أطراف اتفاق السلام بذل كافة الجهود لإرساء سلام مستدام يحقق العدالة والاستقرار في البلاد”.

“وينبغي على الحكومة السودانية أيضاً أن تبذل جهودها لضم وإشراك جماعات أخرى ذات مصلحة – ومن ضمنها الأشخاص النازحون داخلياً والمجتمع المدني – حتى يتسنى لهم هم أيضاً أن يقدموا حلولاً للتحديات المتعددة التي تواجهها البلاد”.

وتأتي على رأس قائمة الأولويات معالجة الغياب التاريخي للمساءلة والعدالة على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت خلال النزاعات المميتة الدائرة منذ الاستقلال، وآخرها في عهد عمر البشير الذي أجج حالة الإفلات من العقاب المتفشية في البلاد.

اختتم ديبروز موتشينا قائلاً: “الآن وقد انضمت معظم الأطراف المتنازعة إلى الاتفاق ينبغي على الحكومة السودانية أن تضمن إجراء تحقيقات شاملة، وفعالة، ونزيهة في مزاعم الانتهاكات الخطيرة لكل من القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي ارتكبها أفراد القوات المسلحة للبلاد والميليشيات المتحالفة معها، فضلاً عن تلك التي ارتكبتها جماعات المعارضة المسلحة”.

وينبغي على جميع الأطراف ضمان أن يضع اتفاق السلام حداً لقرابة عقدين من المعاناة التي تعرّض لها المدنيون. ويجب أن يتمكن الناس من العودة إلى ديارهم، وأن يباشروا إعادة بناء حياتهم بكرامة.

ديبروز موتشينا

“ويتعين على الحكومة السودانية هذه أن تحقق الاستقرار، والعدالة، والمساءلة من أجل وضع السودان على مسار التعافي المتين”.

خلفية

السودان بلد يضم تنوعاً اجتماعياً – ثقافياً ما برحت تشوبه النزاعات الداخلية المتشابكة المزمنة والمعقدة منذ عام 1956. وقد تولت حكومة الرئيس السابق عمر البشير السلطة في 1989، وفاقمت الوضع بالقمع الوحشي لحقوق الإنسان مستخدمةً الميليشيات المسلحة التي تحوّل بعضها منذ ذلك الحين إلى أحزاب سياسية معسكرة تقاتل من أجل الجماعات المهمشة عرقياً في ولايات دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق.

وقد بدأ النزاع في دارفور في فبراير/شباط 2003، عندما شنت حركة/جيش تحرير السودان التي كانت موحدة في ذلك الحين، وحركة العدل والمساواة – حرباً ضد الحكومة. فردت القوات المسلحة الحكومية بالاشتراك مع ميليشيا الجنجويد المتحالفة معها بوحشية لا ترحم، فقتلت حوالي 300,000 شخص وهجّرت ما يزيد على مليوني شخص آخرين على مدى فترة 17 عاماً.

وفي 2005، أحال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أزمة دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية في أعقاب تحقيق أجرته لجنة التحقيق الدولية لدارفور التابعة للأمم المتحدة التي تبين لها ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق أربعة مسؤولين في الحكومة السودانية بينهم الرئيس السابق عمر البشير.

ووُجهت إلى البشير خمس تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية: القتل، والإبادة، والنقل القسري، والتعذيب، والاغتصاب، وتهمتان بارتكاب جرائم حرب: تعمُّد توجيه الهجمات ضد السكان المدنيين أو ضد أشخاص مدنيين لا يشاركون في القتال، والسلب والنهب، وثلاث تهم بارتكاب الإبادة الجماعية عن طريق القتل والتسبب بأذى جسدي أو أذى عقلي جسيم، وتعمُّد فرض أوضاع حياة على كل مجموعة مستهدفة تستهدف تدميرها جسدياً. وزُعم أن هذه الجرائم ارتُكبت بين عامي 2003 و2008.

وقد بدأ النزاع الأخير في جنوب كردفان، في يونيو/حزيران 2011، وامتد إلى النيل الأزرق، في سبتمبر/أيلول 2012، باشتباك القوات الحكومية مع الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان/شمال؛ ما أرغم 200,000 مدني على الأقل على التوجه إلى جنوب السودان كلاجئين، في حين هُجر داخلياً نحو 1,5 مليون نسمة ضمن الولايتين في السنوات التسع الماضية.

وقد هدأت حدة القتال بفعل اتفاق خريطة طريق وقعت عليه الأطراف المتحاربة في مارس/آذار 2016 ما سمح للجنة رفيعة المستوى من الاتحاد الأفريقي برئاسة رئيس جنوب إفريقيا السابق تابو إيمبيكي بتوجيه مفاوضات السلام دون طائل عقب عدة محاولات. وقد طغت الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في ديسمبر/كانون الأول 2018 على جهود هذه اللجنة وأدت إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير من السلطة في أبريل/نيسان 2019.