فنزويلا: الجرائم ضد الإنسانية تقتضي رداً قوياً من نظام العدالة الدولية

في تقرير جديد حول الأحداث التي وقعت في فنزويلا في أواخر يناير/كانون الثاني 2019 بعنوان: التعطُّش للعدالة: جرائم ضد الإنسانية في فنزويلا (باللغة الانكليزية) قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، والاعتقالات التعسفية، والوفيات، والإصابات بجروح الناجمة عن الاستخدام المفرط للقوة من قبل حكومة نيكولاس مادورو كجزء من سياسة قمعية ممنهجة وواسعة النطاق منذ 2017 على الأقل، ربما تشكِّل جرائم ضد الإنسانية.

وقالت المديرة الإقليمية للأمريكيتين في منظمة العفو الدولية إريكا جيفارا روساس: “مثلما كنا نقول منذ سنوات، ثمة سياسة ممنهجة لقمع المعارضين، أو الذين يُفترض أنهم معارضون، لا لشيء إلا بسبب احتجاجاتهم، وهو ما يجب مساءلة حكومة نيكولاس مادورو عليه أمام نظام العدالة الدولية”.

“إننا ندعو الدول إلى إظهار دعمها الصريح لضحايا تلك الأحداث، وضمان عدم إفلات مرتكبي تلك الجرائم من العقاب. فلا يجوز للمجتمع الدولي أن يدير ظهره لضحايا هذه الأزمة غير المسبوقة، سواء مكثوا داخل البلاد أو غادروها.

في يناير/كانون الثاني، ارتُكبت جرائم تنتهك القانون الدولي، وانتهاكات لحقوق الإنسان بشكل متَّسق في كافة أنحاء البلاد تقريباً، وبمستوى عالٍ من التنسيق بين قوات الأمن على الصعيد الوطني وعلى صعيد الولايات. إن تلك الانتهاكات لم تحدث عشوائياً ولم تكن معزولة، بل شكَّلت جزءاً من هجوم مخطط من قبل قوات الأمن، وبقيادتها ضد الأشخاص المعارضين أو الذين يُفترض أنهم معارضون، وخصوصاً في المناطق الفقيرة، وذلك بهدف تحييدهم أو القضاء عليهم.

مثلما كنا نقول منذ سنوات، ثمة سياسة ممنهجة لقمع المعارضين، أو الذين يُفترض أنهم معارضون، لا لشيء إلا بسبب احتجاجاتهم، وهو ما يجب مساءلة حكومة نيكولاس مادورو عليه أمام نظام العدالة الدولية

إريكا جيفارا روساس

وقد كان المسؤولون على أعلى مستوى، بمن فيهم نيكولاس مادورو، على علم بتلك الأفعال الفظيعة والعلنية، ولكنهم لم يتخذوا أية تدابير لمنعها أو التحقيق فيها. ولذا فإن منظمة العفو الدولية تعتقد أن التغطية على تلك الحوادث وما تلاها يشكل جزءاً من سياسة القمع.

إن طبيعة الهجمات التي وقعت في يناير/كانون الثاني 2019، من حيث خطورة ذلك السلوك وعدد الضحايا والتوقيت والظروف الجغرافية ومستوى التنسيق بين قوات الأمن، بالإضافة إلى وجود علامات على أنماط مشابهة لها في عامي 2014 و2017، إنما تقود منظمة العفو الدولية إلى الاعتقاد بأن السلطات الفنزويلية ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، ويجب أن تُسأل أمام هيئة قضائية محايدة.

وتوصي منظمة العفو الدولية بأن يقوم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإنشاء لجنة تحقيق خلال دورته التالية التي ستُعقد في يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2019. كما توصي بتفعيل الولاية القضائية العالمية من قبل البلدان المعنية بالأوضاع في البلاد بشكل حقيقي. كما أن مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، الذي بدأ فحصاً أولياً للأوضاع في فنزويلا في مطلع عام 2018، يجب أن يأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار.

في مواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ونقص الأدوية والأغذية وأعمال العنف التي تقع في عموم البلاد، ثمة تعطُّش مُلحٌّ للعدالة. إن الجرائم ضد الإنسانية التي يُحتمل أن تكون السلطات قد ارتكبتها يجب ألا تمرَّ بدون عقاب

إريكا جيفارا روساس

وظل التدهور الخطير للأحوال المعيشية، والانتهاك الممنهج للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يؤثر على أغلبية السكان في فنزويلا، وأُرغم ما يزيد عن 3.7 مليون شخص على الفرار من البلاد. وثمة ما لا يقل عن ثلاثة ملايين شخص في بلدان أخرى في منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي، وربما يكونون بحاجة إلى حماية دولية.

وقالت إريكا جيفارا روساس: “في مواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ونقص الأدوية والأغذية وأعمال العنف التي تقع في عموم البلاد، ثمة تعطُّش مُلحٌّ للعدالة. إن الجرائم ضد الإنسانية التي يُحتمل أن تكون السلطات قد ارتكبتها يجب ألا تمرَّ بدون عقاب”.

“وإلى أن يكون هناك طريق واضح إلى الأمام باتجاه الحقيقة والعدالة وجبر الضرر، فإن فنزويلا ستظل غارقة في وحل هذه الأزمة الخطيرة في أوضاع حقوق الإنسان والقمع، التي ما زالت مستمرة منذ فترة غير قصيرة. ولعل ما حدث في مطلع عام 2019 ومؤخراً في نهاية أبريل/نيسان يُثبت ذلك”.

معلومات إضافية

في فبراير/شباط من هذا العام أجرت منظمة العفو الدولية تحقيقاً حول الأحداث ومقابلات مع عشرات من ضحايا الجرائم التي تشكل انتهاكاً للقانون الدولي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتُكبت في الفترة من 21 إلى 25 يناير/كانون الثاني، وهي الفترة التي نُظمت فيها احتجاجات جماهيرية ضد حكومة نيكولاس مادورو في شتى أنحاء البلاد.

وقد أظهر التحقيق تحوُّلاً مقلقاً في سياسة قمع المتظاهرين ضد حكومة نيكولاس مادورو، الذين ينتمي معظمهم إلى المجتمعات الفقيرة.

ففي الفترة من 21 إلى 25 يناير/كانون الثاني، قُتل خلال الاحتجاجات ما لا يقل عن 47 شخصاً في 12 ولاية من أصل 23 ولاية، جميعهم نتيجةً لإصابتهم بطلقات نارية. وقد قُتل ما لا يقل عن 33 شخصاً منهم على أيدي قوات الأمن، وستة أشخاص على أيدي أطراف ثالثة، عملتْ بموافقة السلطات، أثناء المظاهرات. وكانت 11 حالة وفاة منها تعتبر إعدامات خارج نطاق القضاء، وثَّقت منظمة العفو الدولية ست حالات منها بالتفصيل في هذا التقرير.

وخلال الأيام الخمسة هذه، اعتُقل تعسفيا أكثر من 900 شخص في جميع ولايات البلاد تقريباً. وكان من بين المعتقلين أطفال وقُصرّ. ويُقدَّر عدد الذين اعتُقلوا في يوم واحد، وهو يوم 23 يناير/كانون الثاني، وهو اليوم الذي عمَّت فيه الاحتجاجات سائر أنحاء البلاد، بنحو 770 شخصاً.

ومنذ 2014، ما فتئت منظمة العفو الدولية توثِّق نمط سياسة القمع الذي استخدمته حكومة مادورو، والذي يشمل الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين والمعاملة القاسية واللاإنسانية والتعذيب، بهدف تحييد الاحتجاجات الاجتماعية. ومن خلال تحليل 22 حالة، حددت المنظمة وشجبت أنماط الاعتقالات التعسفية لدوافع سياسية التي وقعت في كل عام إبان حكم مادورو، كما حددت ما لا يقل عن ستة سجناء رأي.

كما أدانت منظمة العفو الدولية إعدام ما يزيد على 8,000 شخص خارج نطاق القضاء على أيدي قوات الأمن في الفترة بين عاميْ 2015 و2017، وقامت بجمع وثائق تفصيلية حول ثماني حالات أظهرت نمط هجوم مماثل ضد الشباب الذين يعيشون تحت نير الفقر. إن هذا الدليل يساعد المنظمة على إدراك الطبيعة الممنهجة والمتفشية للقمع الذي وقع في يناير/كانون الثاني 2019.