يجب على الحكومة اللبنانية وضع حد للاستغلال والمعاملة السيئة الصادمة لعاملات المنازل المهاجرات

في تقرير جديد وحملة أطلقتْهما منظمة العفو الدولية اليوم، قالت المنظمة إن الحكومة اللبنانية الجديدة يجب أن تغتنم الفرصة لوضع حد لنظام الكفالة، الذي علِقتْ عاملات المنازل المهاجرات في شباكه الرهيبة المنسوجة من خيوط الانتهاكات المختلفة، من ظروف العمل التي تنطوي على الاستغلال إلى العمل الجبري والاتجار بالبشر.

من المثير للغضب أن تتجاهل الحكومات اللبنانية المتعاقبة مجموعة الانتهاكات التي تتعرض لها عاملات المنازل المهاجرات في أماكن عملهن

هبة مرايف

ويسلِّط التقرير المعنون بــ ‘بيتهم سجني’: استغلال عاملات المنازل المهاجرات في لبنان الضوء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يتعرض لها العديد من عمال المنازل المهاجرين، ومعظمهم من النساء، على أيدي أصحاب العمل. وعلى الرغم من مطالبة مجتمع حقوق الإنسان على مدى سنوات بوضع حد لنظام الكفالة، فإن الحكومات اللبنانية السابقة فشلت في التصدي الحقيقي لتلك الانتهاكات أو في الإنصاف الفعال للضحايا.

التزم وزير العمل اللبناني الجديد على الملأ، وأمام منظمة العفو الدولية بشكل مباشر، بأنه سيتخذ تدابير ملموسة لحماية حقوق عاملات المنازل المهاجرات.

هبة مرايف

وقالت هبة مرايف، مديرة البحوث للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية:” إن من المثير للغضب أن تتجاهل الحكومات اللبنانية المتعاقبة مجموعة الانتهاكات التي تتعرض لها عاملات المنازل المهاجرات في أماكن عملهن. وفي ظل نظام الكفالة تحوَّلت تلك المنازل الخاصة في العديد من الحالات إلى أكثر من سجون للعاملات اللائي تجرى معاملتهن بازدراء صادم أو بقسوة بالغة”.

“وقد التزم وزير العمل اللبناني الجديد على الملأ، وأمام منظمة العفو الدولية بشكل مباشر، بأنه سيتخذ تدابير ملموسة لحماية حقوق عاملات المنازل المهاجرات. ولدى الحكومة الجديدة فرصة لتنأى بنفسها عن الماضي وتعطي الأولوية لوضع حد لنظام الكفالة الذي ينطوي على المعاملة السيئة بطبيعته”.

وأجرتْ منظمة العفو الدولية مقابلات مع 32 عاملة من عاملات المنازل المهاجرات، إلى جانب مسؤولين دبلوماسيين وأصحاب عمل ومكاتب استقدام وناشطات مهاجرات ومنظمات غير حكومية، حيث ركَّزت على حقوق العاملات المهاجرات في لبنان. والتقت المنظمة بوزير العمل، وقامت في وقت لاحق بإطلاع وزارة العمل ووزارة الداخلية والبلديات على النتائج والتوصيات التي توصلت إليها وطلبت منهما ردَّاً.

إن الشهادات المروِّعة الواردة في هذا التقرير تُظهر كيف يمنح نظام الكفالة أصحاب العمل سيطرة شبه كاملة على حياة عاملات المنازل المهاجرات

هبة مرايف

وقد ردّ وزير العمل كميل أبو سليمان رداً إيجابياً، وأكد أن الوزارة قد أعدت مشروع قانون بشأن حماية عاملات المنازل، ووعد بتنفيذ العديد من التوصيات الواردة في التقرير. ودعا منظمة العفو الدولية إلى الانضمام إلى فريق العمل المزمع إنشاؤه من أجل إصلاح نظام الكفالة. كما طلب الوزير من منظمة العفو الدولية “تزويد الوزارة بقائمة من الانتهاكات حتى تتمكن من اتخاذ إجراءات فورية”. كما وافق على ضرورة مساءلة مكاتب الاستقدام التي تنتهك حقوق العاملات المهاجرات.

نظام الكفالة

تأتي عاملات المنازل المهاجرات من بلدان أفريقية وآسيوية، من بينها إثيوبيا وبنغلاديش وسري لنكا والفلبين وكينيا، للعيش والعمل في منازل خاصة في لبنان.

ولكن جميع هؤلاء العاملات لا يشملهن قانون العمل اللبناني، وبدلاً من ذلك ينظِّم شؤونَهن نظامُ الكفالة الذي يربط الإقامة القانونية للعاملة بعلاقة تعاقدية مع صاحب العمل. ولا تستطيع العاملة تغيير عملها بدون موافقة صاحب العمل، مما يسمح لأصحاب العمل المتعسفين بإرغام العاملات على قبول شروط عمل تتسم بالاستغلال.

لم يُسمح لي بالتحدث إلى أي شخص. وعندما كنت أفتح النافذة وأُلوِّح إلى فلبينيات أخريات، كانت [صاحبة العمل] تشدُّ شَعري وتضربني. لقد احتجزتني في المنزل لمدة ثلاث سنوات، ولم أخرج منه أبداً

إيفا، عاملة منزل فلبينية

وإذا رفضت عاملة منزل مثل تلك الشروط وقررت مغادرة منزل صاحب العمل بدون موافقته، فإن العاملة تخاطر بفقدان صفة الإقامة. ونتيجةً لذلك ربما تواجه خطر الاعتقال والترحيل في أي وقت.

وقالت هبة مرايف:”إن الشهادات المروِّعة الواردة في هذا التقرير تُظهر كيف يمنح نظام الكفالة أصحاب العمل سيطرة شبه كاملة  على حياة عاملات المنازل المهاجرات. ويؤدي هذا النظام إلى عزل العاملات ويضمن اعتمادهن على أصحاب العمل، مما يُسهِّل وقوع الاستغلال وغيره من الانتهاكات، في الوقت الذي يحدُّ من إمكانية حصولهن على الإنصاف.”

بيد أن النساء اللائي قابلتهن منظمة العفو الدولية لم يُبلغْن السلطات بما فعله أصحاب العمل، ولم يقدِّمن دعاوى قانونية ضدهم إلى المحاكم، وذلك خوفاً من الاعتقال أو غيره من أشكال الانتقام، الأمر الذي يسلِّط الضوء على العوائق الحالية التي تعترض سبيل عاملات المنازل المهاجرات للحصول على العدالة في لبنان والحاجة الماسَّة إلى أن تكفل السلطات توفير الحماية لهن بموجب القانون.

ظروف عمل تنطوي على الاستغلال

لقد أُخضعت عاملات المنازل المهاجرات اللاتي قابلتْهن منظمة العفو الدولية إلى ظروف عمل تنطوي على الاستغلال من قبل أصحاب العمل. وشملت هذه الظروف إرغامهن على العمل لساعات طويلة، وحرمانهن من أيام الراحة، وعدم دفع أجورهن، وحرمانهن من الطعام وأماكن السكن اللائقة، وتعريضهن لإساءة المعاملة اللفظية والجسدية، وحرمانهن من الرعاية الصحية.

فقد قالت “إيفا”، وهي عاملة منزل فلبينية، لمنظمة العفو الدولية إنها كانت معزولة في منزل صاحب العمل لمدة ثلاث سنوات متواصلة قبل أن تتمكن من الفرار:

“لم يُسمح لي بالتحدث إلى أي شخص. وعندما كنت أفتح النافذة وأُلوِّح إلى فلبينيات أخريات، كانت [صاحبة العمل] تشدُّ شَعري وتضربني. لقد احتجزتني في المنزل لمدة ثلاث سنوات، ولم أخرج منه أبداً”.

وقالت “ماري”، وهي عاملة منزل إثيوبية، لمنظمة العفو الدولية، إنها عملت لمدة 19 ساعة يومياً على مدى سبعة أيام في الأسبوع من الساعة الخامسة صباحاً وحتى منتصف الليل بدون استراحة أو يوم عطلة.

وقالت ست نساء على الأقل  لمنظمة العفو الدولية إن ظروف عملهن أدت إلى أن أفكاراً انتحارية راودتْهن أو حاولن الانتحار فعلاً.

وذكرت العديد من النساء اللائي أجرت معهن منظمة العفو الدولية مقابلات أنهن تعرَّضن للمعاملة المهينة والحاطَّة بالكرامة مرة واحدة على الأقل من قبل أصحاب العمل باستخدام ألفاظ من قبيل “حمارة” و”كلبة” و”حيوانة” وغيرها من عبارات الشتيمة النابية الشائعة.

العمل الجبري والاتجار بالبشر

يوثِّق التقرير ثماني حالات من حالات العمل الجبري والاتجار بالبشر. وفي جميع هذه الحالات لم تستطع النساء اللائي قابلتْهن منظمة العفو الدولية ترك وظائفهن وكنَّ مضطرات للقيام بالعمل لأنهن كنّ يخشين عواقب تركه. إن بعض النساء اللائي كنّ عرضة لسوء المعاملة طلبنَ من أصحاب العمل إعادتهن إلى مكاتب الاستقدام أو إلى بلدانهن الأصلية، ولكن أصحاب العمل رفضوا الموافقة على طلباتهن. وقالت نساء أخريات لمنظمة العفو الدولية إنهن عندما طلبنَ ترك عملهن، طلب منهن أصحاب العمل تسديد الأموال التي كانوا قد دفعوها مقابل استقدامهن.

عندما طلبتُ منها [صاحبة العمل] إعادتي إلى بلادي، قالت لي: “يجب أن تعملي عندي مقابل مبلغ 3,000 دولار أمريكي الذي دفعن

سبستيان، عاملة منزل من ساحل العاج

فقد قالت سبستيان، وهي عاملة منزل من ساحل العاج، لمنظمة العفو الدولية إنها كانت ترزح تحت وطأة أعباء عمل ثقيلة، وإنها تعرَّضت لمعاملة سيئة، واحتُجزت في المنزل، ولم تُدفع لها أجورها لمد ثلاثة أشهر: “عندما طلبتُ منها [صاحبة العمل] إعادتي إلى بلادي، قالت لي: “يجب أن تعملي عندي مقابل مبلغ 3,000 دولار أمريكي الذي دفعناه”.

وفي أشد حالات استغلال العاملات الموثَّقة في هذا التقرير خطورةً، وجدتْ منظمة العفو الدولية أدلة على وقوع أربع عاملات ضحايا لعمليات الاتجار بالبشر.

ففي 2011، جاءت بانشي، وهي عاملة منزل من إثيوبيا، إلى لبنان بواسطة مكتب استقدام. وقالت لمنظمة العفو الدولية إن صاحب مكتب الاستقدام نقَلها من منزل إلى آخر، وحجزَ جواز سفرها وراتبها لعدة أشهر:

“عملتُ مجاناً لمدة ستة أشهر، كان خلالها صاحب مكتب الاستقدام يَهَبُني إلى آخرين كهدية: مرةً إلى عائلة خطيبة ابنه، ومرةً إلى ابنته وعائلة زوجها…إنها حياة أشبه بحياة السجن”.

العوائق على طريق تحقيق العدالة

لم تَقُمْ أيٌّ من النساء اللائي قابلتْهن منظمة العفو الدولية بإبلاغ السلطات عن أصحاب العمل، ولم تحاول الذهاب بهم إلى المحاكم. وقد قابلت منظمة العفو الدولية ثماني نساء كنَّ قد فررنَ ممّا أسميْنه بيئة العمل التي تنطوي على إساءة المعاملة أو العمل الجبري أو الاتجار بالأشخاص. ومع ذلك فقد شعرنَ بأن أوضاعهن القانونية الخطيرة منعتْهن من تقديم دعاوى أمام المحاكم.

تدعو المنظمة وزارة العمل إلى اتخاذ تدابير فورية، من قبيل مراجعة عقد العمل الموحد الحالي بُغية التصدي لأشكال عدم المساواة بين العاملة وصاحب العمل

وكانت هؤلاء النساء يخشين الاعتقال أو عدم التمكُّن من الحصول على عمل جديد أو الاتهام زوراً بالسرقة- وهو ما أوردتْه منظمات حقوق الإنسان على نحو متسق.

ثمة حاجة ماسَّة إلى إجراء إصلاحات في قوانين العمل

إن نظام الكفالة لا يتوافق مع القوانين الوطنية التي تكفل الحريات والكرامة الإنسانية، وتوفر الحماية لحقوق العمال، وتجرِّم العمل الجبري والاتجار بالبشر. كما أنه يتناقض، بشكل مباشر، مع التزامات لبنان الدولية.

في الأشهر الأخيرة قطعَ وزير العمل اللبناني الجديد كميل أبو سليمان وعوداً علنية باتخاذ تدابير ملموسة لحماية حقوق عاملات المنازل المهاجرات. وخلال اجتماعه بمنظمة العفو الدولية في الشهر الفائت كرر تلك الوعود.

إن منظمة العفو الدولية تدعو السلطات اللبنانية إلى وضع حد لنظام الكفالة وتوسيع نطاق الحماية القانونية للعمال بحيث يشمل عاملات المنازل المهاجرات.

كما تدعو المنظمة وزارة العمل إلى اتخاذ تدابير فورية، من قبيل مراجعة عقد العمل الموحد الحالي بُغية التصدي لأشكال عدم المساواة بين العاملة وصاحب العمل، وإنشاء آلية شكاوى مصمَّمة خصيصاً لعاملات المنازل المهاجرات، وضمان التفعيل التام للخط الساخن الذي أطلقته الوزارة للإبلاغ عن الانتهاكات والتوعية بوجوده في أوساط عاملات المنازل المهاجرات، بالإضافة إلى تحسين مستوى مراقبة وتفتيش مكاتب الاستقدام.