السودان: ينبغي وقف أعمال المضايقة والترهيب والرقابة ضد الصحفيين

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن السلطات السودانية سعت هذا العام بشكل متواصل إلى إسكات الإعلام المستقل، عن طريق القبض على صحفيين ومضايقتهم، وفرض رقابة على الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي.

ووثَّقت المنظمة حالات اعتقال ما لا يقل عن 15 صحفياً خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/تشرين الأول 2018، على أيدي “جهاز الأمن والمخابرات الوطني”، وهو جهاز حكومي. وبالإضافة إلى ذلك، صُودرت جميع النسخ المطبوعة من 10 صحف ما لا يقل عن 27 مرة. فقد صُودرت صحيفة “الجريدة”، وهي واحدة من آخر الصحف المستقلة الباقية، ما لا يقل عن 13 مرة خلال العام.

وقالت سارة جاكسون، نائبة المدير الإقليمي لقسم شرق إفريقيا والقرن الإفريقي والبحيرات العظمى في منظمة العفو الدولية، إنه “منذ مطلع عام 2018، كثَّفت الحكومة السودانية، من خلال أجهزتها الأمنية، حملتها القمعية المتواصلة على حرية الصحافة، عن طريق الاعتداء على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية”.

ومضت سارة جاكسون قائلةً: “بدلاً من تعزيز حرية التعبير، فإن العداء الموجَّه للإعلام المستقل يبيِّن إلى أي مدى يمكن أن تصل السلطات السودانية في حملتها لإسكات المعارضة”.

اعتقال وترهيب صحفيين

لم يكد يمر شهر واحد خلال العام الجاري دون أن يتعرض صحفيون للاستدعاء والخضوع للتحقيق لعدة ساعات؛ بينما قُبض على بعضهم ووُجهت إليهم اتهامات، وسُجن آخرون دونما سبب سوى ممارستهم لعملهم.

ففي 29 أكتوبر/تشرين الأول 2018، قضت محكمة الصحافة في الخرطوم بمعاقبة الصحفي زين العابدين العجب، رئيس التحرير السابق لصحيفة “المستقلة”، بالسجن لمدة شهر ونصف وبغرامة قدرها خمسة آلاف جنيه سوداني (حوالي 104 دولارات أمريكية).

وكان من بين التهم الموجَّهة إليه تهمة “نشر معلومات كاذبة”، بموجب المادة 66 من القانون الجنائي السوداني الصادر عام 1991، وذلك لنشره تقريرين ذكرا أن السلطات السودانية تدعم تنظيم “الدولة الإسلامية”، وأن السودان تلقى أموالاً من قطر في عام 2015. كما وُجهت له تهمة “لمسؤولية كرئيس للتحرير”، بموجب المادة 26 من “قانون الصحافة والمطبوعات”.

وفي يومي 16 و23 أكتوبر/تشرين الأول 2018، استدعت نيابة أمن الدولة خمسة صحفيين، وهم عثمان الميرغني؛ ومها التلب؛ ولينا يعقوب؛ وأشرف عبد العزيز؛ وشمائل النور، وذلك للتحقيق معهم بشأن اجتماع مع وفد من الاتحاد الأوروبي ودبلوماسيين من أوروبا والولايات المتحدة يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

ووُجهت إلى هؤلاء الصحفيين عدة اتهامات، من بينها الإساءة إلى سمعة البلاد، ومناقشة مشروع “قانون الصحافة والمطبوعات” قبل إقراره وصدوره كقانون.

وقالت سارة جاكسون: “إن السلطات لا تكتفي بالتعدي على حرية الصحافة وحرية التعبير في البلاد، ولكنها تنتهك أيضاً جميع الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الصحفيون بلا قيود”.

ووثَّقت منظمة العفو الدولية ثلاث حالات استُدعي فيها أشرف عبد العزيز، رئيس تحرير صحيفة “الجريدة”، التي استُهدفت بشكل كبير، حيث خضع للتحقيق لعدة ساعات خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2018. وكان قد قُبض عليه في مارس/آذار 2018، ووُجهت له تهم وحُكم عليه بالحبس لمدة شهر وبغرامة قدرها 35 ألف جنيه سوداني (حوالي 740 دولار أمريكي)، وذلك بسبب نشر تحقيق عن الفساد في الحكومة.

إن السلطات لا تكتفي بالتعدي على حرية الصحافة وحرية التعبير في البلاد، ولكنها تنتهك أيضاً جميع الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الصحفيون بلا قيود

سارة جاكسون

كما استُدعيت مها التلب، وهي صحفية في صحيفة “التيار”، وخضعت للتحقيق ثلاث مرات خلال العام الحالي. وقد قالت لمنظمة العفو الدولية إنها سُئلت عن عدد من المقالات التي كتبتها، بما في ذلك مقالات عن تنظيم “الدولة الإسلامية” في ليبيا، والعلاقات السودانية الأمريكية، وعملية السلام في جنوب السودان.

وتعليقاً على ذلك، قالت سارة جاكسون: “من الواضح أن أسباب استدعائها [مها التلب] كانت تعسفية. فقد طُلب منها خلال التحقيق الإفصاح عن مصادرها الإخبارية، وهو أمر يتنافى تماماً مع أخلاقيات المهنة. وهذه المضايقات المستمرة للصحفيين بسبب تغطيتهم للأحداث ذات الصلة تجبر كثيراً من الصحفيين على فرض رقابة ذاتية على ما يكتبونه خوفاً من استهدافهم من جانب السلطات. ولكن لا يجوز أن يعمل أي صحفي في ظل هذه الظروف”.

كما مُنع صحفيان من مزاولة مهنة الصحافة.

ففي حديث مع منظمة العفو الدولية، قالت سلمى التيجاني، وهي صحفية سودانية تقيم في بريطانيا: “لقد مُنعت [بأمر من “جهاز الأمن والمخابرات الوطني”] من الكتابة في صحيفة “أخبار الوطن”، وصحيفة “البعث السوداني” [في السودان، يوم 25 يوليو/تموز]. وقبل شهرين، كنتُ قد كتبت مقالاً عن الإبادة الجماعية في جبل مرة بدارفور، وذلك لصحيفة في دولة خليجية، ولكن السفير السوداني في هذه الدولة طلب من الصحيفة التوقف عن نشر مقالاتي، وأخبرتني الصحيفة أنه لا يمكنني الكتابة فيها بعد اليوم”.

كما استُدعي صحفي آخر، وهو أحمد يونس، الذي يكتب في صحيفة “الشرق الأوسط” اليومية التي تصدر بالعربية من لندن، وخضع للتحقيق يوم 8 مايو/أيار 2018 ثم مرة أخرى يوم 10 يونيو/حزيران 2018، وذلك بخصوص مقالات عن الفساد في هيئة السكك الحديدية السودانية، ومصادرة الصحف، والتوترات السياسية داخل “حزب المؤتمر الوطني” الحاكم. وقد أدى ذلك إلى إلغاء ترخيص عمله في السودان، يوم 14 يونيو/حزيران. وقد أُعيد منحه الترخيص في سبتمبر/أيلول.

مصادرة صحف

في غضون عام 2018، لاحظت منظمة العفو الدولية تزايد الرقابة على الصحف قبل النشر، حيث يتلقى رؤساء تحرير الصحف مكاملات يومية من عناصر “جهاز الأمن والمخابرات الوطني”، لمناقشة المحتوى التحريري المزمع، كما يُطلب منهم تقديم تبرير للمواد التي ينشرونها.

وكثيراً ما يحضر أفراد من “جهاز الأمن والمخابرات الوطني” إلى مطابع الصحف، ويراجعون كل طبعة، ويطلبون من رؤساء التحرير استبعاد موضوعات بعينها قبل نشرها، أو يقومون بمصادرة جميع النسخ المطبوعة من الصحيفة.

وقالت سارة جاكسون: “لا يزال الصحفيون ووسائل الإعلام يشكلون عنصراً جوهرياً في إعمال الحق في حرية المعلومات، وينبغي السماح لهم بأداء عملهم دون ذلك التدخل والترهيب”.

وخلال الفترة من مايو/أيار إلى أكتوبر/تشرين الأول 2018، صُودرت صحيفة “الجريدة” ما لا يقل عن 13 مرة، وصُودرت صحيفة “التيار” خمس مرات، وصُودرت صحيفة “الصيحة” أربع مرات، كما صُودرت عدة صحف، من بينها: “مصادر”، و”الرأي العام”، و”آخر لحظة”، و”أخبار الوطن”، و”الميدان”، و”القرار”، و”المستقلة” مرةً أو مرتين.

صحافيون سودانيون يتظاهرون ضد القمع أمام مبنى مجلس الصحافة والمطبوعات
صحافيون سودانيون يتظاهرون ضد القمع أمام مبنى مجلس الصحافة والمطبوعات

منع برامج تليفزيونية

لم يفلت الإعلام المسموع والمرئي هو الآخر من تلك القيود.

ففي 10 أكتوبر/تشرين الأول، أوقف “جهاز الأمن والمخابرات الوطني” بث برنامج “حالة البلد”، وهو برنامج حواري سياسي يُذاع على قناة “سودانية 24″؛ وذلك بعدما أجرى مقابلة مع قائد في قوات الدعم السريع، دافع فيه عن قواته في مواجهة اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.

وفي 31 أغسطس/آب، مُنع برنامج حواري آخر يُذاع على قناة “أم درمان”، بعدما استضاف سياسيين انتقدوا قرار “حزب المؤتمر الوطني” الحاكم بترشيح الرئيس عمر البشير لفترة رئاسية ثالثة في عام 2020.

وقالت سارة جاكسون: “يجب على السلطات السودانية أن توقف هذا الاعتداء المُشين على حرية التعبير، وأن تدع الصحفيين يمارسون عملهم في سلام، فالصحافة ليست جريمة”.

واختتمت سارة جاكسون تصريحها قائلة: “يجب على السلطات السودانية أن تُعدِّل القوانين التي تُستخدم من أجل الاعتداء على حرية الصحافة بدعوى تنظيمها. كما يجب عليها في المقابل إتاحة وتيسير حرية التعبير في البلاد”.

وتطالب منظمة العفو الدولية بالحكومة السودانية أن تبادر فوراً بمراجعة “قانون الصحافة والمطبوعات” الصادر عام 2009، بما يجعله متماشياً مع المعايير الدولية التي تكفل ازدهار حرية الصحافة وحرية التعبير.