بقلم: كريم شهيب
باحث في الشؤون الخليجية
في المنتدى الاقتصاي العالمي، الذي عقد في دافوس هذا الأسبوع، أعلن وزير خارجية المملكة العربية السعودية، عادل الجبير، عن خطط طموحة جديدة للقيام “بتحولات أساسية” في بلاده.
وأبلغ قادة العالم المجتمعين ما يلي: “إن العالم ليس معتاداً أن يرى السعودية تسير بسرعة وجرأة”.
كانت هذه آخر التحركات في هجوم العلاقات العامة الذي تشنه السعودية، بعد ما أطلقه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، من وعود بالتحديث، وعقب رفع الحظر السيء الذكر المفروض على قيادة المرأة للسيارة. ولكن التغييرات ما برحت على السطح، وما انفكت انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة، سواء داخل البلاد أم خارجها، تشكل عقبات رئيسية أمام أي إصلاح ذي مغزى في المملكة العربية السعودية.
فبينما يمكن لمن يقدن السيارات من النساء، ولدور السينما التي جرى ترخيصها حديثاً، أن تحتل عناوين الصحف، إلا أن هذه لا تكاد تخدش سطح حزمة الإصلاحات اللازمة للبلاد. فانتهاكات حقوق الإنسان في السعودية ليست حوادث متفرقة؛ وإنما ممنهجة، ولا بد للملكة العربية السعودية أن تقوم بتغييرات أساسية هيكلية إذا ما كانت جادة بشأن تحقيق التقدم.
وفيما يلي بعض الخطوات المهمة التي ينبغي اتخاذها من جانب المملكة العربية السعودية إذا ما أرادت تحقيق طموحاتها:
التوقف عن حملاتها القمعية ضد الناشطين والصحفيين والأكاديميين وأصحاب الرأي المعارض
شهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً لحملة القمع في السعودية ضد الناشطين والصحفيين والأكاديميين وغيرهم من أصحاب الرأي المعارض، منذ أن تولى الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد.
فقبل أيام قليلة، أصبح محمد العتيبي وعبد الله العطاوي أول مدافعيْن عن حقوق الإنسان تصدر بحقهما أحكام بالسجن منذ تسلم ولي العهد، محمد بن سلمان، مهام منصبه، إذ حكمت عليهما “المحكمة الجزائية المتخصصة” (المختصة بجرائم مكافحة الإرهاب) في المملكة العربية السعودية بالسجن 14 سنة وسبع سنوات، على التوالي، وفي الأساس بسبب تشكيلهما منظمة لحقوق الإنسان. ووجه إليهما طيف واسع من التهم الأخرى شملت: “نشر الفوضى وتحريض الرأي العام”، و” إعداد وصياغة وإصدار عدة بيانات والتوقيع عليها ونشرها على الشبكة العنكبوتية تتضمن إساءة لسمعة المملكة ولسياستها ولمؤسساتها العدلية الأمنية “، و”اشتراكهما في تأسيس جمعية والإعلان عنها قبل الحصول على التراخيص اللازمة”.
وواصلت السلطات محاكمة المدافعين عن حقوق الإنسان أمام محكمة مكافحة الإرهاب بتهم تتعلق بأنشطتهم السلمية.
وغني عن القول إنه لا ينبغي اعتبار أي من هذه تهماً جنائية، كما لا ينبغي أن يعتبر المدافعون عن حقوق الإنسان “إرهابيين”. ولا تشير الأحكام المغلظة التي صدرت بحقهما إلا إلى أن الوعود “بالإصلاح” التي جرى الحديث عنها ليست بوارد احترام حرية التعبير.
ضعوا حداً للتمييز الممنهج ضد المرأة
ما زالت النساء والفتيات تواجه التمييز العميق الجذور في المملكة العربية السعودية، فهن تابعات للرجال، بحكم القانون، فيما يتعلق بالزواج والطلاق وحضانة الأطفال والميراث. وبموجب نظام قوامة الرجل على المرأة، فإن المرأة لا تستطيع اتخاذ قراراتها بنفسها؛ وعوضاً عن ذلك، يتولى قريب ذكر اتخاذ القرارات بالنيابة عنها.
إن من غير الممكن أبداً لأحد في السعودية أن يدعي بأنه يسعى إلى الإصلاح دون أن يتم التصدي لعدم المساواة البغيض هذا.
ضعوا حداً لاضطهاد الأقلية الشيعية
لا تزال الحرية الدينية في المملكة العربية السعودية حلماً معلقاً في الهواء، ويتجلى هذا على نحو خاص فيما واجهته الأقلية الشيعية من اضطهاد، ومن تمييز اجتماعي واقتصادي، على مر السنين.
فما برح الناشطون ممن ينتمون إلى مجتمع الأقلية الشيعية يُستهدفون بالاعتقال، وفي العديد من الحالات يحكم عليهم بالإعدام بناء على محاكمات بالغة الجور لا لسبب إلا لمشاركتهم في احتجاجات مناهضة للحكومة، وتعبيرهم عن آرائهم بما لا يرضي السلطات. وفي السنة الماضية، نفذ حكم الإعدام في أربعة من الشيعة لا لشيء إلا لمشاركتهم في الاحتجاجات المناهضة للحكم. بينما حكم، في 2016، على 14 سجيناً شيعياً بالإعدام عقب محاكمة جماعية فظيعة في جورها، وبناء على إدانات بجرائم تتعلق بالاحتجاجات.
أوقفوا استخدام عقوبة الإعدام. أوقفوا التعذيب.
المملكة العربية السعودية هي إحدى أكثر الدول استخداماً لعقوبة الإعدام، فهي تحكم على الناس بالإعدام بصورة اعتيادية، وتعدمهم بناء على محاكمات بالغة الجور.
ففي يوليو/تموز 2016، حكم على عبد الكريم الحواج، البالغ من العمر 21 سنة، بالإعدام بتهم مزعومة شملت ارتكاب طيف من الجرائم المتعلقة بمشاركته في احتجاجات مناهضة للحكم، وهو في سن 16 سنة. وعلى الرغم من ادعاءات الحواج بأنه قد تعرض للتعذيب كي “يعترف” أثناء جلسات استجوابه، لم يجر القاضي تحقيقاً في ادعاءاته، وعلى ما يبدو، بنى إدانته للحواج على “اعتراف” انتزع منه تحت التعذيب. وقد تم تأكيد حكم الإعدام الصادر بحق الحواج في يوليو/تموز 2017، ويواجه خطراً داهماً بأن يتم إعدامه في أي وقت.
إن القانون الدولي يحظر استخدام الأدلة التي تشوبها شبهة التعذيب في الإدانة، كما يحظر استخدام عقوبة الإعدام ضد من يدانون بارتكاب جرائمهم وهم أطفال. بيد أن نوع الظلم الذي واجهه عبد الكريم الحواج شائع في السعودية إلى حد يثير الفزع.
لقد ثبت المرة تلو المرة أن عقوبة الإعدام لا تردع الجريمة، بيد أن المملكة العربية السعودية ما انفكت تصدر أحكام الإعدام على الناس بعد أن تدينهم بجرائم لا عنف فيها، وعقب محاكمات فظيعة الجور. وعلاوة على ذلك، تُبين هذه الحالات بجلاء أن سلطات المملكة العربية السعودية ماضية في استخدام عقوبة الإعدام كسلاح سياسي ضد الأقلية الشيعية لقمع معارضتها.
تجعلون أنفسكم قدوة للإقليم؟ فلا تنسوا اليمن
شنت المملكة العربية السعودية للتو حملة لا تبقي ولا تذر للترويج لما تقدمه من أعطيات لليمن. ولكن بينما تناول اليمنيين المساعدات بيد، تمطر المستشفيات والمدارس ومنازل المدنيين بالقنابل باليد الأخرى. وما انفك التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في حرب اليمن يرتكب الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك جرائم حرب.
وقد قامت منظمة العفو الدولية، مراراً وتكراراً، بتوثيق هجمات عشوائية وانتهاكات جسيمة أخرى اقترفتها القوات التابعة للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن، وأدت، فيما أدت، إلى قتل وجرح مدنيين، بمن فيهم أطفال. ورغم ذلك، تواصل دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا عقد الصفقات المربحة لتسليح السعوديين، وأطراف التحالف الأخرى.
وفضلاً عن ذلك، فقد حالت القيود التي فُرضت على المساعدات وعلى استيراد السلع الأساسية، أو دون دخول الأغذية والأدوية وغيرها من المواد الحيوية إلى محتاجيها أو عرقلت دخولها، وعرّضت حياة ملايين اليمنيين للخطر. ولا يمكن التخفيف من الآثار المدمرة لهذه القيود المتعلقة بالمساعدات الإنسانية، التي تقدمها المملكة العربية السعودية، بسبب الأعمال الدعائية.
هل تتطلعون إلى التقدم؟ عليكم النظر إلى المجتمع المدني السعودي
أعلن قادة المملكة العربية السعودية أن التقدم هو الهدف رقم واحد عندهم. ولكننا لا نرى في هذه اللحظة سوى العديد من أحسن صانعي التقدم في السعودية إلا في المنفى أو في السجن أو صامتين بلا حراك وسط الجمهور.
إن ناشطي حقوق الإنسان والأكاديميين والصحفيين والمواطنين والمقيمين المعنيين بالشأن العام ليسوا هم العدو؛ فهم الفاعلون الحيويون الحقيقيون عندما يتعلق الأمر بالإصلاح. وكل ما يقومون به من احتجاجات وكتابات، ويطلقونه من دعوات للإصلاح الاجتماعي والسياسي، هو في مصلحة التقدم في المملكة العربية السعودية.
لقد أخبر وزير الخارجية الجبير مؤتمر دافوس أن “الناس ينتقدون المملكة العربية السعودية بسبب بطئها الشديد، وها هي الآن تسرع الخطى”. إن ما يهم هو أن يشمل هذا التقدم الجميع: النساء والأقليات ومن لا يوافقونك الرأي. والمملكة العربية السعودية بأمس الحاجة الآن إلى أن تأخذ ما يوجه إلى سجلها في مضمار حقوق الإنسان في الحسبان، وأن تثبت بأنها عاقدة العزم فعلاً على اتخاذ الخطوات اللازمة للتغيير، وبلا تردد.