لماذا لم تسمح لي إسرائیل بالمشاركه في عزاء والدي؟

لماذا لم تسمح لي  إسرائیل بالمشاركه في عزاء والدي؟

 بقلم رائد جرار

صحيفة نيورك تايمز – 23 نوفمبر/تشرین الثاني 2017

 والدي، عزام جرار، توفي في الشھر الماضي. كان فلسطینیاً عزیز النفس، ولاجئاً، ومھندساً مدنیاً، ومزارعاً، وصاحب مشاریع ریادیة. وكان أیضاً صدیقي وناصحي. علمني جدول الضرب ونحن في الطریق إلى المدرسة حين عشنا في المملكة العربیة السعودیة. وعلمني كیف انتفد السلطة عندما كنا نعیش في العراق. وساعدني على إكمال درجة الماجستیر عندما عشت في الأردن. وفوق كل شي، كان بوابتي إلى جذوري وھویتي الفلسطینیة.

ترك أبي بیت عائلته في 1967 ،عندما غزا الجنود الإسرائیلیون الضفة الغربیة واحتلوھا. وذھب في البدایة إلى الأردن، ثم إلى العراق، حیث ولدت انا, خلافا عن والدي وكل اجدادي ممن ولدوا فوق أرض فلسطین منذ قرون.

لم تتح لي الفرصة لزیارة أقاربي في الضفة الغربیة حتى 2015 ،عندما سافرت في رحلة عمل قصیرة أثناء عملي مع منظمة أمريكية غیر حكومیة. فوجودي في الشتات كان یعني أن لا تتاح لي فرصة التواصل مع الأرض والناس. وكانت صلتي الوحیدة مع تاریخ عائلتي من خلال القصص القدیمة وبعض الصور الغائمة التي حملھا والدي معه عندما غادر في سن المراھقة.

ولھذا السبب كان من المهم لي زیارة عائلتي في مدینة جنین، عقب وفاة والدي في الأردن، في أكتوبر، لأشاركھم الحداد على أبي. ولكن. وللأسف، منعتني الحكومة الإسرائیلیة من ذلك.

كنت قد زرت اسرائيل والضفة الغربیة المحتلة وقطاع غزة مرتین منذ رحلتي الأولى في 2015 .ومثل معظم الأمریكیین من أصل فلسطیني، استجوبت على الحدود حول عائلتي وحیاتي الشخصیة لساعات قبل أي یسمح لي بالدخول.

أما رحلتي الأخیرة فكانت مختلفة. فھذه المرة، أبدى الموظفون الإسرائیلیون اھتماماً على نحو خاص بعملي، مع أنني أوضحت أن خطيبتي، أليسون مكراكن، وأنا، كنا نسافر بصفتنا الشخصیة للمشاركة في عزاء والدي وزیارة أقارب أبي في مدينة جنين وما حولها.

أعمل مدیراً لقسم كسب التأیید للشرق الأوسط وشمال أفریقیا في فرع الولایات المتحدة الأمریكیة لمنظمة العفو الدولیة. وقد قمت، بصفتي ھذه، بدور قیادي في حملة جدیدة لفتت، على ما یبدو، أنظار حرس الحدود الإسرائیلي، وھي حملة تدعو الحكومات إلى حظر استیراد المنتجات من المستوطنات الإسرائیلیة.

سألني الموظفون الرسمیون الذین استجوبوني عن سبب وجود مشكلة لدى منظمة العفو مع إسرائیل. حاولت أن أعید الحدیث باستمرار نحو تشییع والدي وعزائه، ولكنھم أصروا على مناقشة عمل المنظمة. واستجوبت ألي، التي تعمل أیضاً لدى منظمة العفو الدولیة، طویلاً كذلك. أخذوا ھاتفھا النقال، واستعرضوا ما علیه من رسائل نصیه.

بعد ساعات من الأخذ والعطاء، أُبلغت بأنه لن یسمح لي بالدخول لأسباب تتعلق “بالنظام العام”- وصدق أو لا تصدق، لسبب “منع الھجرة غیر الشرعیة”. اتصلت بالقنصلیة العامة الأمریكیة في القدس، وأُبلغت بأنه لیس ثمة ما یمكن أن یساعدني به موظفوا القنصليه .

وبالاستناد إلى الأسئلة التي وجھت لي، لم یكن لدي شك بأن منعي من الدخول كان انتقاماً من عملي. فمنظمة العفو الدولیة تعتقد أن مشروع إقامة المستوطنات الإسرائیلیة یرقى إلى مستوى جریمة حرب. وبموجب القانون الدولي، فإن على الحكومات التزاماً بأن لا تعترف “بالحالات غیر القانونیة”، أو بتقدیم المساعدة إلیھا. ولھذا السبب، فإن منظمة العفو تدعو الحكومات في شتى أنحاء العالم، بما فیھا حكومة الولایات المتحدة، إلى احترام القانون وعدم السماح للمشاریع التجاریة الإسرائیلیة بأن تحقق أرباحاً من خلال  الاحتلال غیر المشروع .

وعلى ما یبدو، فقد منعتني إسرائیل من الدخول بموجب تشریع أقر في مارس/آذار، ویحظر الدخول إلى إسرائیل على غیر المواطنین الذین یؤيدون  “دعوة عامة إلى مقاطعة إسرائیل”. ولا یتعلق ھذا القانون فحسب بمقاطعة السلع المنتجة في دولة إسرائیل، وإنما أیضاً بتلك التي تنتجھا المستوطنات. ومع أن منظمة العفو الدولیة تدعو إلى فرض حظر حكومي على استیراد ھذه السلع- ولیس إلى مقاطعة المستھلكین لھا- فإن الحكومة الإسرائیلیة تتعامل مع الأمرین بالطریقة نفسھا، على ما یبدو.

ھل كان من الممكن لوالدي الذي فر في سن المراھقة من بلدته قبل نصف قرن تصور أن ھذا سوف یحدث لابنه ؟ أردت أن أزور مدرسته القدیمة وبیت جديّ العتیق. أردت أن ألمس أشجار الزیتون التي كان یتسلقھا وھو صبي صغیر، وأن آكل الھریسة، حلواي الفلسطینیة المفضلة المصنوعة من السمید وجوز الھند، من الدكان في وسط جنین. وأرى ما إذا كانت لا تزال موجودة فعلاً؟

 لم أشعر بالانزعاج الشدید بسبب عدم تمكني من المشاركة في تشییع جنازة والدي فحسب. فقبل مغادرتي الولایات المتحدة، أخبرت ابني البالغ من العمر أربع سنوات أنني ذاھب في رحلة  لأن جده قد توفي. بكى كثیراً. ثم سألني فیما إذا كان من الممكن أن نزرع جده في الأرض كنبتة، وننتظر أن ینمو من جدید. أخبرته أننا لا نستطیع ذلك. قال إنه إذاً سیستخدم خیاله. حاولت أنا أيضا  أن أستخدم خیالي في طریق عودتي بعد أن منعت من اجتیاز المعبر الحدودي- وأن أتصور أرض والدي التي لم أستطع أن أزرعه فیھا لینبت من جدید.

عندما عدت إلى البیت، سألني ابني عن الرحلة وكان علي أن أخبره بأنني لم أتمكن من الذھاب. بدا مشوشاً. لم أستطع شرح التفاصیل له عن عملي، والمستوطنات الإسرائیلیة، والاحتلال، وقوانینه الجائرة التي تخنق أنفاس المجتمع المدني. لكنني أعلم أن عليّ أن أخبره بكل تلك التفاصيل, ذات یوم.

لن تكون قصة تسھل روایتھا، لیس فحسب بسبب أفعال الحكومة الإسرائیلیة، وإنما أیضاً بسبب تقاعس حكومة الولایات المتحدة عن القیام بأي شيء. فمع أنني حاولت متابعة الأمر، إلا أن حكومتي لم تتدخل لحمایة حقي في أن أعامل على قدم المساواة، وأكثر من ھذا فھي ما برحت تقدم العون للإبقاء على المستوطنات غیر القانونیة وسماحھا بتدفق بضائعھا إلى الأسواق الأمریكیة.

یجب على اسرائیل احترام حقي، وحقوق الآخرین، في الانخراط بالعمل السلمي لحقوق الإنسان دونما خشیة من الانتقام. وسواء أكانت الحكومة الإسرائیلیة توافق على عملي أم لا- وبالطبع أعرف أنھا لا توافق- فقد كان ینبغي أن أتمكن من المشاركة في تلك اللحظات الأكثر إنسانیة: تشییع والدي والمشاركة في جنازته، والاحتفاء بذكراه كما ینبغي.