المملكة المتحدة: غداً في ستراسبورغ تُعقد جلسة الاستماع الفارقة في قضية الرقابة

يوم غدٍ (7 نوفمبر/تشرين الثاني) ستعقد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان جلسة استماع للنظر في قضية الرقابة التي تشكل علامة فارقة، وذلك كجزء من التحدي لشرعية قوانين الرقابة وممارسات الرقابة الجماعية التي تقوم بها أجهزة المخابرات في المملكة المتحدة.

وقد رفع عدد من المنظمات هذه الدعوى التي وصفها نشطاء بأنها تمثل “لحظة فارقة تتعلق بخصوصية الأفراد وحرية التعبير في شتى أنحاء العالم”، وتشمل هذه المنظمات: منظمة العفو الدولية، ومنظمة الحرية، ومنظمة الخصوصية الدولية، ومكتب الصحافة الاستقصائية، وعشر منظمات أخرى تعنى بحقوق الإنسان-بالإضافة إلى شخصين- وتتمركز هذه المنظمات في قارات أوروبا وأفريقيا وآسيا والأمريكيتين.

وتُعتبر هذه القضية الأحدث في الجهود الطويلة الأمد التي بذلتها هذه المنظمات لتحدي سلطات الرقابة المفرطة والواسعة النطاق إثر التسريبات السرية المخيفة التي كشفها الأمريكي إدوارد سنودن.

ففي عام 2013، كشف سنودن النقاب عن أن جهاز الاستخبارات البريطاني المعروف باسم “مقر قيادة الاتصالات الحكومية”، يقوم بالتنصت سراً على ملايين الاتصالات الخاصة للناس العاديين بشكل يومي (برنامج تيمبورا) والتدقيق فيها، وتبادل البيانات مع وكالة الأمن الوطني في الولايات المتحدة، وغيرها من أجهزة الاستخبارات التابعة لبلدان أخرى- بدون أساس قانوني واضح أو ضمانات سليمة.

إن قضية “ستراسبورغ” تعتبر اختباراً رئيسياً لمدى شرعية استمرار جمع واستخدام البيانات عبر الانترنت في المملكة المتحدة على نحو شامل. ففي ديسبمر/كانون الأول 2014، قضت “محكمة سلطات التحقيق”، وهي المحكمة التي تتمتع بالولاية القضائية على أجهزة “مقر قيادة الاتصالات الحكومية” وجهاز MI5 وجهاز MI6، بأن هذه الممارسات ربما تتماشى من حيث المبدأ مع التزامات المملكة المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان. وهذه النتيجة هي موضوع هذا التحدي. بيد أن المحكمة قضت في عام 2015 بأن وصول حكومة الممكلة المتحدة إلى عمليات الرقابة الأمريكية قبل الإجراءات القانونية يشكل انتهاكاً لقانون حقوق الإنسان.

إن هذه القضية تهمُّ الممكلة المتحدة، ولكن أهميتها ذات طابع عالمي. فهي تمثِّل لحظة فارقة بالنسبة لخصوصية الأشخاص وحرية التعبير في سائر أنحاء العالم.

نيك وليامز، كبير المستشارين القانونيين في منظمة العفو الدولية

وتُبين منظمة العفو الدولية وغيرها من أطراف القضية أن قوانين وممارسات الرقابة البريطانية تلحق الضرر بالحق في الخصوصية، وغيره من حقوق ملايين الأشخاص حول العالم، وذلك جزئياً بسبب كابلات الانترنت الرئيسية الممدَّدة من وإلى أراضي الممكلة المتحدة. كما أن ثمة بواعث قلق أبرزتها شبكات تبادل المعلومات الاستخبارية بين الحكومات بشأن المخاطر المحدقة بالمصادر السرية، التي كثيراً ما تعرِّض حياتهم وحريتهم في الكلام للخطر، وأثرها على العمل الحيوي لجماعات حقوق الإنسان والصحفيين. ولتوضيح بواعث القلق هذه نقول إن هذه القضية تلفت انتباه المحكمة الأوروبية إلى نتيجة توصلت إليها محكمة سلطات التحقيق مفادها أن اتصالات منظمة العفو الدولية ومركز الموارد القانونية، ومقره في جنوب أفريقيا، قد تعرَّض للتجسس عليه من قبل وكالات الاستخبارات في الممكلة المتحدة. ومن المتوقع أن يكون للقضية تداعيات واسعة النطاق على “قانون سلطات التحقيق” المثير للجدل والذي أُقر في العام الماضي، الأمر الذي غيَّر الإطار القانوني الناظم لمسائل الرقابة بما يسمح بفرض المزيد من الرقابة الشاملة. كما يسمح القانون، من بين أمور أخرى وفضلاً عن التنصت العشوائي على الاتصالات، لأجهزة الأمن بقرصنة الحواسيب، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية على نطاق واسع، بحيث يمكن أن تجمع كميات ضخمة من البيانات الشخصية عن الأفراد غير المشتبه بهم في ارتكاب أي سلوك جنائي.

وقال كبير المستشارين القانونيين لمنظمة العفو الدولية نيك وليامز:”إن هذه القضية تهمُّ الممكلة المتحدة، ولكن أهميتها ذات طابع عالمي. فهي تمثِّل لحظة فارقة بالنسبة لخصوصية الأشخاص وحرية التعبير في سائر أنحاء العالم. كما أنها بجمع مدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين من القارات الأربع، إنما تسلط الضوء على المخاطر التي تشكلها الرقابة الجماعية على العمل الحيوي لعدد لا يحصى من المنظمات وعلى الأفراد الذين يفضحون انتهاكات حقوق الإنسان ويدافعون عن الأشخاص المعرضين للخطر”.

وقالت مديرة منظمة “ليبرتي” مارثا سبورير:

“إن منظماتنا موجودة من أجل الدفاع عن الأشخاص، والتصدي لإساءة استخدام السلطة. ونحن نعمل مع كاشفي الانتهاكات والتجاوزات والضحايا والمحامين والصحفيين والمناضلين حول العالم. ولذا فإن سرية وحماية مصادرنا تعتبر غاية في الأهمية. وإن نظام الرقابة الجماعي الضخم العابر للحدود لحكومة المملكة المتحدة، الذي يسمح بالوصول إلى اتصالات ملايين الأشخاص في كل يوم، جعل هذه الحماية بلا معنى. إذ أن فقدان خصوصيتنا يعني فقدان كل ما يُبقينا أحراراً – الحق في الاحتجاج، وفي المحاكمة العادلة، وفي مزاولة شعائر ديننا، وفي التفكير والكلام بحرية. ليس هناك من بلد فرض رقابة الدولة على نطاق واسع، وظل بلداً ديمقراطياً يحترم الحقوق. إننا نتطلع الآن إلى المحكمة كي تحترم حقوقنا حيث فشلت حكومتنا في احترامها”.

وقالت المسؤولة القانونية في منظمة “برفيسي إنترناشونال” سكارليت كيم:

“ما انفكت حكومة الممكلة المتحدة تعمد إلى التنصت على الاتصالات والبيانات الخاصة بملايين الأشخاص حول العالم. وفي الوقت نفسه يمكنها الوصول إلى كنوز هائلة من المعلومات التي تتنصت عليها الولايات المتحدة. إن هذه الممارسات تعتبر غير قانونية وتشكل انتهاكاً للحقوق الأساسية للأفراد حول العالم، واعتداءً على الخصوصية، وقمعاً للتفكير والكلام. كما أنها لا تتماشى مع المجتمعات المنفتحة الديمقراطية. إننا ندعو المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى رفض تلك الممارسات باعتبار أن الرقابة الشاملة لا تتسق مع الحق في الخصوصية وحرية التعبير المنصوص عليهما في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

ما انفكت حكومة الممكلة المتحدة تعمد إلى التنصت على الاتصالات والبيانات الخاصة بملايين الأشخاص حول العالم.

سكارليت كيم، المسؤولة القانونية في منظمة "برافسي إنترناشونال

وقالت ريتشل أولدرويد، مديرة التحرير في منظمة الصحافة الاستقصائية:

” إن الصحافة الحرة ذات أهمية بالغة للديمقراطية، وعملها يعتمد على السرية الصحفية وحماية المصادر. وإن التنصت وجمع بيانات الاتصالات على نطاق جماعي من قبل حكومة الولايات المتحدة يشكل تهديداً لهذه المبادئ الصحفية، ولهما تأثير مخيف على كاشفي التجاوزات الذين يسعون إلى فضح الأفعال الخاطئة. إن هذه القضية المنظورة أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تعتبر خطوة مهمة للغاية نحو توفير بيانات أفضل  من شأنها أن تكفل قدرة الصحفيين على الاستمرار في أداء عملهم وحماية مصادرهم”.

أطراف القضية

إن هذه القضية تجمع ثلاث تحديات منفصلة من هذه الجماعات وهؤلاء الأفراد: الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، منظمة  “بايتس فور أول”، الجمعية الكندية للحريات المدنية، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الاتحاد المجري للحريات المدنية، المجلس الإيرلندي للحريات المدنية ، مركز الموارد القانونية، منظمة الحرية، ومنظمة الخصوصية الدولية، ومنظمة “بيغ براذر ووتش”، وجماعة الحقوق المفتوحة، ورابطة القلم الإنجليزية والدتور كونستانز كورز، ومكتب الصحافة الاستقصائية، وأليس روس.