ليبيا: أستاذ جامعي آخر ضحايا مسلسل عمليات الاختطاف على أيدي الميليشيات

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن استمرار تصاعد عمليات الاختطاف على أيدي الميليشيات يلقي الضوء على مدى فداحة غياب حكم القانون في ليبيا، وتأجيجه لحالة الفوضى وانعدام الأمان، ما يجعل المدنيين يعيشون في حالة من الخوف الدائم. فمنذ عام 2014، زادت بصورة حادة أعداد حالات اختطاف المدنيين من قبل الميليشيات، طلباً للفدية في كثير من الأحيان، ولا سيما في غرب البلاد، حيث لا يزال مئات الأشخاص في عداد المفقودين، وغدت عمليات الاختطاف جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للأهالي.

وبين آخر الضحايا المفقودين الأستاذ الدكتور في جامعة طرابلس سالم محمد بيت المال، الذي اختطف قبل أكثر من أسبوعين بالقرب من بيته في منطقة صياد، على أطراف مدينة طرابلس. ولا يزال مكان وجوده مجهولاً، كما لم تتمكن عائلته من الاتصال به منذ اختطافه.

وتعليقاً على عملية الاختطاف الأخيرة هذه، قالت هبة مرايف، مديرة البحوث لشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، إن “قضية سالم بيت المال توضح المخاطر الداهمة التي تشكلها الميليشيات على المدنيين، فهي تواصل ترهيب الأهالي وتزرع الخوف والرعب في نفوسهم من خلال حملة اختطاف تشنها ضدهم بلا رحمة. كما تسلط الضوء على تواطؤ المسؤولين السياسيين والحكوميين الذين طالما تقاعسوا عن وضع حد لهذه الممارسات التي تتربح منها الميليشيات.

“ويتعين على السلطات أن تتخذ جميع التدابير اللازمة لإنهاء حلقة العنف المفرغة، وحالة الترويع التي يعيش المدنيون تحت وطأتها في ليبيا اليوم، وذلك بإجراء تحقيقات فعالة في مثل هذه الجرائم، وتقديم  المشتبه بهم إلى ساحة العدالة”.

قضية سالم بيت المال توضح المخاطر الداهمة التي تشكلها الميليشيات على المدنيين، فهي تواصل ترهيب الأهالي وتزرع الخوف والرعب في نفوسهم من خلال حملة اختطاف تشنها ضدهم بلا رحمة

هبة مرايف، مديرة البحوث لشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية

واختُطف الدكتور سالم، الأستاذ في قسم الهندسة البحرية بجامعة طرابلس، وهو في طريقه إلى العمل، في 20 أبريل/نيسان 2017. حيث عثر الجيران على سيارته في شارع قريب من بيته حوالي الساعة 10 صباحاً. ولم تُجدِ نفعاً جميع الجهود التي بذلتها عائلته لمعرفة مكان وجوده.

وتسيطر عدة ميليشيات على منطقة صياد التي تم اختطافه منها. حيث تعمل بعضها، بصورة إسمية، تحت سلطة وزارة الداخلية ووزارة الدفاع. كما لم تعلن أية جماعة مسؤوليتها عن الاختطاف، ولا يزال من غير الواضح أي الميليشيات تحتجزه. 

وثمة مخاوف متزايدة على صحة الدكتور سالم، نظراً لما يعانيه من اعتلال في صحته، نظراً لحاجته إلى تناول الدواء بصورة مستمرة.

ويتفق الناشطون والصحفيون الليبيون على اعتبار عمليات الاختطاف إحدى أشد المعضلات المروعة التي تترك بصمتها على الحياة اليومية في ليبيا اليوم. وطبقاً لما نقلته تقارير إعلامية عن “قسم التحريات الجنائية بطرابلس”-وزارة الداخلية الليبية، فقد وقع ما لا يقل عن 293 عملية اختطاف ما بين 15 ديسمبر/كانون الأول 2016 و31 يناير/كانون الثاني 2017.   وتفضِّل العديد من العائلات عدم الإبلاغ عن عمليات الاختطاف خشية التعرض لأعمال انتقامية، ونتيجة لذلك لا يجري توثيق العديد من حالات الاختطاف. وتتم معظم عمليات الاختطاف بهدف انتزاع أكبر فدية ممكنة من العائلات، أو للتفاوض من أجل مبادلة المخطوفين بمعتقلين لدى أحد الأطراف، في بعض الحالات. وتستخدم عمليات الاختطاف كذلك كأسلوب تتبعه الميليشيات لإسكات المعارضين، والصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، الذين ينتقدونها. كما جرى استهداف أفراد بسبب انتماءاتهم السياسية المتصورة، أو أصولهم القبلية، أو بسبب مهنهم أو ثرائهم البادي للعيان، أو من أجل انتزاع معلومات حساسة أو مبالغ طائلة كفدية.

وقد دأبت الجماعات المسلحة والميليشيات المتصارعة في ليبيا على ارتكاب انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان دونما خشية من أي عقاب. وحتى تلك التي تعمل تحت مظلة الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، والتابعة لوزارة الدفاع أو الخاضعة سمياً لوزارة الداخلية، لا تخضع عملياً لأي إشراف فعال أو لسيطرة السلطات المركزية.

ومضت هبة مرايف إلى القول: “يسلِّط وباء اختطاف المدنيين، المتفشي على نطاق واسع، الضوء على غياب السيطرة الفعلية لأي فصيل يدعي الشرعية على الأرض.

فقد حان الوقت لاجتثاث ظاهرة الإفلات من العقاب السائدة، التي طالما شجعت مرتكبي هذه الجرائم على ارتكابها حتى الآن

هبة مرايف، مديرة البحوث لشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية

“ويتعين أن تعطى الأولوية المطلقة في ليبيا لاستعادة حكم القانون. وهذا يشمل ضمان السلطات مقاضاة من يشتبه في مسؤوليتهم عن عمليات الاختطاف والاختفاء القسري، وسواها من الجرائم التي يشملها القانون الدولي، وفق إجراءات نزيه وتقديمهم في نهاية المطاف إلى ساحة العدالة. فقد حان الوقت لاجتثاث ظاهرة الإفلات من العقاب السائدة، التي طالما شجعت مرتكبي هذه الجرائم على ارتكابها حتى الآن”.

إن منظمة العفو الدولية تدعو “حكومة الوفاق الوطني الليبية” إلى إجراء تحقيق واف في جميع عمليات اختطاف المدنيين في ليبيا وضمان العودة السريعة والآمنة لجميع المختطفين، بمن فيهم الدكتور سالم بيت المال، إلى أهاليهم.

واختتمت هبة مرايف بالقول: “على المجتمع الدولي ألا يتجاهل مسألة المختطفين في محادثاته مع الميليشيات والأطراف السياسية المختلفة بعد اليوم. فغض الطرف عن هذه الجرائم المقيتة لن يفضي إلا إلى إدامة الحلقة المفرغة للإفلات من العقاب”.

 كما تدعو منظمة العفو الدولية الأطراف السياسية في ليبيا إلى المساعدة على وضع حد للانتهاكات بوقف دعمها المالي للميليشيات المسؤولة عن هذه الأعمال الإجرامية. 

وتواصل منظمة العفو الدولية مطالبتها “المحكمة الجنائية الدولية”، التي التزمت بإعطاء الأولية للانتهاكات الجارية على يد الجماعات المسلحة في تحقيقاتها، بأن تتفحص الجرائم التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع منذ 2011. فحتى الآن، لم تُجر أي تحقيقات ذات مغزى في الجرائم التي زُعم أن الجماعات المسلحة التابعة للحكومات المتعاقبة في ليبيا قد اقترفتها.  ومن المؤكد أن للمجتمع الدولي دوراً رئيسياً يقوم به بتقديم الدعم لتحقيقات “المحكمة الجنائية الدولية”، وضمان عودة حكم القانون إلى ليبيا.