قانون جديد يهدد استقلال القضاء في مصر

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن القانون الجديد الذي أقره مجلس النواب (البرلمان) الليلة الماضية، ويمنح رئيس الجمهورية صلاحيات لتعيين معظم المناصب القيادية في جهاز القضاء، من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من تقويض استقلال القضاء في مصر. وبعد تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على القانون، سوف تكون له بموجبه صلاحيات اختيار رؤساء الهيئات القضائية، بما في ذلك رؤساء محكمة النقض، ومجلس الدولة، وهيئة النيابة الإدارية، وهيئة قضايا الدولة.

وقالت نجية بو نعيم، مديرة الحملات لشمال إفريقيا في مكتب تونس الإقليمي لمنظمة العفو الدولية، “إن من شأن هذا القانون أن يقوِّض استقلال القضاء، الذي يتعرض بالفعل لحصار، في مصر. وإذا ما صدق عليه رئيس الجمهورية، فسوف يكون عقبة كبيرة للعدالة في مصر، حيث سيمنح هذا القانون الرئيس المصري صلاحية اختيار رؤساء الهيئات القضائية الرئيسية في البلاد، وقد يضعف إجراءات الرقابة والتوازنات في نظام يتسم بالجور أصلاً”.

ومضت نجية بو نعيم قائلةً: “تسعى الدولة، من خلال هذا القانون، إلى تشديد قبضتها على السلطة، وتحييد اثنتين من أعلى المحاكم كان لهما دور أحياناً في الرقابة على السلطة التنفيذية”.

ويُذكر أن مجالس الهيئات القضائية في مصر كانت لها في السابق صلاحية تعيين رؤساء الهيئات المختلفة في جهاز القضاء، حيث كان المجلس يحدد أسماء المرشحين لهذه المناصب ثم يحيلها إلى رئيس الجمهورية، الذي كان يصدر قراراً بتعيين أولئك المرشحين، باعتبار ذلك مجرد إجراء رسمي شكلي، بينما كان القرار النهائي، من الناحية الفعلية، في يد مجلس الهيئة القضائية المعنية. أما التعديلات المقترحة على “قانون السلطة القضائية”، فتمنح الرئيس صلاحية اختيار رؤساء الهيئات القضائية من بين ثلاثة نواب لرئيس الهيئة المعنية، ترشحهم هذه الهيئة من بين أقدم سبعة نواب لرئيسها.

وقد أُقر مشروع القانون يوم 26 إبريل/نيسان 2017، بعدما صوَّت ثلثا أعضاء مجلس النواب بالموافقة على التعديلات. وكانت عدة هيئات قضائية، من بينها مجلس الدولة والمجلس الأعلى للقضاء وهيئة قضايا الدولة، قد أبدت رسمياً معارضتها لمشروع القانون قبل تصويت مجلس النواب عليه.

وبعد إقرار التعديلات، أصدر “نادي قضاة مصر” بياناً حث فيه رئيس الجمهورية على عدم التصديق على التعديلات، ودعا القضاة إلى جمعية عمومية طارئة يوم 5 مايو/أيار 2017 للاحتجاج على التعديلات. كما أصدر “نادي قضاة مجلس الدولة” بياناً يستنكر القانون الجديد، وبعث النادي برسالة إلى رئيس الجمهورية حثَّه فيها على عدم التصديق على القانون، نظراً لأنه يقوض استقلال القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات.

وسوف يؤثر القانون الجديد، بشكل خاص، على اثنتين من أعلى المحاكم في مصر، وهما محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا، اللتين ينظر إليهما كثيرون من القانونيين في مصر باعتبارهما الأمل الأخير في الحد من الظلم الذي اتسم به القضاء على مدى سنوات.

فقد ألغت محكمة النقض عدداً من أحكام الإعدام الجماعية على أساس أن محاكم أول درجة لم تثبت المسؤولية الجنائية لكل فرد على حدة، كما خلصت إلى أن اعتماد هذه المحاكم على سند وحيد، هو التحريات التي أجراها “جهاز الأمن الوطني”، لا تُعد دليلاً كافياً.

أما المحكمة الإدارية العليا، التي تقع ضمن مسؤولياتها مراجعة إجراءات وسياسات السلطة التنفيذية في قضايا تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، فأصدرت عدة قرارات مستقلة مثلت تحدياً للحكومة. ففي يناير/كانون الثاني 2017، قضت المحكمة ببطلان اتفاقية للحكومة تتنازل بمقتضاها للمملكة العربية السعودية عن السيادة على جزيرتين في البحر الأحمر.

ومنذ يوليو/تموز 2013، اتخذت السلطات المصرية عدة تدابير أدت إلى تقويض استقلال القضاء، وذلك سعياً إلى تحويل المحاكم إلى أدوات لقمع منتقدي الحكومة. وكان من بين هذه التدابير إجراء محاكمات وتحقيقات في أماكن تخضع لإشراف وزارة الداخلية، مثل السجون، وأقسام الشرطة، وأكاديمية الشرطة، ومعسكرات قوات الأمن. وفي عام 2014، قررت الجمعية العمومية لمحكمة استئناف القاهرة إنشاء دوائر قضائية خاصة لمحاكمة أشخاص اتُهموا بالاشتراك في مظاهرات بدون ترخيص أو في أعمال عنف. وأصدرت هذه الدوائر أحكاماً بالإعدام، والسجن المؤبد، على مئات الأشخاص خلال محاكمات جماعية لم تف حتى بالحد الأدنى لمعايير المحاكمة العادلة.

وقد سعت الحكومات المصرية المتعاقبة على مدى سنوات إلى التدخل في القضاء، من خلال ترقية بعض أعضاء السلطة القضائية، أو اتخاذ إجراءات تأديبية ضد البعض الآخر. ويتمتع وزير العدل، الذي يُعد جزءاً من السلطة التنفيذية، بصلاحيات واسعة في إحالة قضاة للتأديب.

وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، واجه عدد من القضاة إجراءات تأديبية بسبب انتقادهم للحكومة بشكل سلمي. كما أُجبر كثير من القضاة على التقاعد، بعد أن اتُهموا بالاشتراك في أنشطة سياسية، وهو أمر محظور بموجب المادة 73 من “قانون السلطة القضائية”.

ففي مارس/آذار 2017، أحال وزير العدل قاضيين، هما المستشار هشام رؤوف والمستشار عاصم عبد الجابر، إلى مجلس التأديب والصلاحية، بسبب مشاركتهما في حلقة نقاش نظمتها منظمة مصرية لحقوق الإنسان لصياغة قانون عن مكافحة التعذيب. وفي 28 مارس/آذار 2016، قرر مجلس التأديب الأعلى إحالة 32 قاضياً للتقاعد، لقيامهم بالتوقيع على بيان، في 24 يوليو/تموز 2013، يعارض الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي.

وقد طُبقت الإجراءات التأديبية ضد القضاة، على ما يبدو، بشكل ينطوي على التمييز، حيث لم تطبق ضدمن عبروا عن آراء مؤيديه للحكومة.