استمرار استيلاء إسرائيل على الأراضي الفلسطينية بلا توقف

تمثل ذكرى “يوم الأرض الفلسطيني” اليوم تجسيداً رمزياً لانتهاكات إسرائيل التي لا تحصى لحقوق الإنسان، على مدى نصف قرن من مصادرة أراضي الفلسطينيين وتجريدهم من ممتلكاتهم.

فخلال “يوم الأرض” الأول، في 1976، تظاهر مواطنو إسرائيل من الفلسطينيين احتجاجاً على مصادرة الحكومة الإسرائيلية 2,000 هكتار من أراضي القرى الفلسطينية في الجليل. حيث قتل ستة فلسطينيين، وجرح ما يربو على 100، عندما قمعت القوات الإسرائيلية الاحتجاجات بقوة الحديد والنار.

وكل سنة، منذ ذلك الحين، تحتشد جموع الفلسطينيين في إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، في 30 مارس/آذار، لإحياء ذكرى هذه الفعاليات، ولتسليط الضوء على مواصلة إسرائيل الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، والتأكيد مجدداً على ارتباطهم بالأرض.

إن خمسين عاماً من لامبالاة المجتمع الدولي لم تؤد إلا إلى زيادة شهية الحكومة الإسرائيلية لالتهام المزيد من الأراضي الفلسطينية ومصادرتها، وإلى توسعة مستوطناتها غير القانونية.

راشيل بوريل، مساعدة مدير برنامج الأبحاث والحملات لشؤون إسرائيل/فلسطين في منظمة العفو الدولية

وهذه السنة، سيتم إحياء ذكرى “يوم الأرض” عبر مسيرة من دير حنا إلى سخنين، في شمال إسرائيل، وكذلك من خلال مظاهرات وفعاليات في أرجاء شتى من وسط إسرائيل ومنطقة النقب، وفي الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة. ومن وكثيراً ما تقالب إسرائيل هذه الاحتجاجات بالقوة الوحشية والمفرطة.

وفي أم الحيران، وهي إحدى القرى البدوية غير المعترف بها في منطقة النقب، يعتزم المحتجون زراعة الأشجار، وإعادة تأهيل بعض المباني التي هدمتها السلطات الإسرائيلية في وقت سابق من السنة، عقب خسارة الأهالي معركة قانونية استمرت طويلاً ضد أوامر إخلائهم، لتتمكن الحكومة من بناء تجمع سكاني جديد للمستوطنين اليهود.

وفي الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، ثمة خطط لمسيرات وفعاليات لزراعة أشجار الزيتون، احتجاجاً على استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وعلى سياسات اغتصاب الأراضي العدوانية. بعد أن شهدت الأشهر القليلة الأولى من 2017 وحدها تصاعداً مفزعاً في أنشطة الاستيطان غير القانونية وعمليات هدم البيوت في الضفة الغربية المحتلة.

فمنذ يناير/كانون الثاني، أصدرت الحكومة الإسرائيلية، مستقوية بتنصيب الرئيس دونالد ترامب، قرارات ببناء ما يربو على 6,219 وحدة سكنية استيطانية جديدة في الضفة الغربية المحتلة، بينها 719 في القدس الشرقية. ولا يجسد قرار إعلان هذا النشاط الاستيطاني المحموم نقلة نوعية في منهج الحكومة الإسرائيلية الأكثر تحفظاً في مسألة الاستيطان، الذي ساد في عهد إدارة أوباما، فحسب، وإنما يشكِّل تحدياً فاضحاً كذلك لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، الذي أقر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ودعا إسرائيل إلى أن توقف على الفور جميع أنشطة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في حين، اقترح عدد من أعضاء “الكنيست” الإسرائيلي، في الأسابيع الأخيرة، قانوناً بضم مستوطنة “معاليه أدوميم” إلى القدس، إضافة إلى المستوطنات الأخرى القريبة من المدينة.

إن التصعيد الجديد في عمليات هدم بيوت الفلسطينيين، بالإضافة إلى الهجمة الهادفة إلى توسعة المستوطنات والإجراءات الرامية إلى إضفاء الشرعية على عمليات مصادرة الأراضي السابقة، يشير على نحو قاطع إلى نوايا الحكومة الإسرائيلية بمواصلة سياسات مصادرة الأراضي

راشيل بوريل

ومع أن رئيس الوزراء، نتنياهو، اعترض بصورة مؤقتة سبيل إقرار مشروع القانون، إلا أن المقترح مثير للفزع. فبالإضافة إلى كونه انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي، من الممكن أن يترتب على هذه الخطوة عواقب كارثية. فمعاليه أدوميم ترتبط بالقدس من خلال منطقة (ه1(، وهي قطعة من الأرض تبلغ مساحتها 12 كيلومتراً مربعاً وتشكل ممراً حيوياً يصل شمال الضفة الغربية بجنوبها. وإذا ما قام الإسرائيليون بالبناء على هذه الأرض، فسيصبح هناك وجود متصل للمستوطنين الإسرائيليين يمتد من القدس الشرقية المحتلة إلى غور الأردن، بما يقطع الضفة الغربية فعلياً إلى نصفين ويفصل القدس الشرقية بالكامل عن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة كذلك زيادة ملحوظة في أعمال الهدم لمنازل الفلسطينيين. إذ تم هدم ما لا يقل عن 24 من بيوت البدو وغيرها من المباني المحيطة بمستوطنة “معاليه أدوميم” خلال الشهرين الأولين من 2017، بالمقارنة مع معدل سنوي من 32 منزلاً خلال السنوات 2013-2015.

وفي نقلة أخرى لترسيخ مصادرته للأراضي، أقر “الكنيست” الإسرائيلي، في 6 فبراير/شباط، قانوناً يضفي الصفة القانونية بأثر رجعي على مصادرة الأراضي الفلسطينية المملوكة ملكية خاصة التي أقيمت فوقها المستوطنات. ويمنع القانون مالكي الأراضي الفلسطينيين من التقدم بمطالبات باسترداد أراضيهم إذا ما كانت مأهولة من قبل مستوطنين إسرائيليين، رغم حقيقة أن وجود المستوطنين في الأراضي المحتلة بحد ذاته أمر غير مشروع بموجب القانون الدولي.

وبحسب التقديرات، فإن القانون سوف يضفي الصفة القانونية بأثر رجعي على 53 مستوطنة وموقعاً متقدماً-بما يسمح بمصادرة نحو 8,000 دونم (80 هكتاراً) من الأراضي الفلسطينية المملوكة ملكية خاصة. كما يفضي القانون إلى خطر تعريض المزيد من الأراضي الفلسطينية المملوكة ملكية خاصة للمصادرة بتوفير الأساس القانوني للمزيد من الاستيلاء على الأراضي بأثر رجعي.

إن التصعيد الجديد في عمليات هدم بيوت الفلسطينيين، بالإضافة إلى الهجمة الهادفة إلى توسعة المستوطنات والإجراءات الرامية إلى إضفاء الشرعية على عمليات مصادرة الأراضي السابقة، يشير على نحو قاطع إلى نوايا الحكومة الإسرائيلية بمواصلة سياسات مصادرة الأراضي وتسريع وتيرتها، عقب 50 سنة من استيلائها على الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، واحتلالها لهما.

إن خمسين عاماً من لامبالاة المجتمع الدولي لم تؤد إلا إلى زيادة شهية الحكومة الإسرائيلية لالتهام المزيد من الأراضي الفلسطينية ومصادرتها، وإلى توسعة مستوطناتها غير القانونية. وفي كلمة له ألقاها “مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بعملية السلام في الشرق الأوسط”، نيكولاي ملادينوف، الجمعة الماضية، أكد المقرر الخاص أنه لم يتم اتخاذ أية خطوات نحو وقف الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة استجابة لما دعا إليه قرار الأمم المتحدة رقم 2334. بينما فسر البعض واقعة أن الأمين العام للأمم المتحدة نفسه لم يقدِّم تحديثات ملادينوف في تقرير مكتوب بأنها دليل آخر على عدم التزام الأمم المتحدة نفسها بتنفيذ قرارها.

إن الدوس على حقوق الإنسان الفلسطيني دون عواقب، واستمرار الاستهتار بقرارات تصدر عن الأمم المتحدة، مثل القرار 2334 أو القرار الذي أصدره “مجلس حقوق الإنسان” الأسبوع الماضي ودعا فيه دول العالم إلى إخضاع التجارة مع المستوطنات غير القانونية لإجراءات تنظيمية، لا يعنيان سوى أن ما تقوم به الأمم المتحدة لا يزيد كثيراً عن كونه مجرد لفتة فارغة لا تجدي شيئاً. ويتعين على المجتمع الدولي اتخاذ موقف واضح، وإظهار أنه لن يتهاون بعد اليوم حيال سياسات إسرائيل في الضم والاستيطان غير القانونيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبخلاف ذلك، فسيظل لدى الفلسطينيين الكثير مما يحتجون بشأنه في المظاهرات السنوية ليوم الأرض.