السودان: أسقطوا جميع التهم وأفرجوا عن جميع المعتقلين

قال “المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام”، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة “الدفاع عن المدافعين”، و”الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان”، و”المبادرة الدولية لحقوق اللاجئين”، اليوم، إنه ينبغي على السلطات السودانية إسقاط جميع التهم الموجهة إلى 10 ناشطين ينتمون إلى “مركز تراكس للتدريب والتنمية”، وهو منظمة تتولى أعمال التدريب، ومقرها الخرطوم، كما ينبغي عليها الإفراج فوراً ودون قيد أو شرط عن ثلاثة رجال معتقلين منذ مايو/أيار 2016 لسبب وحيد هو ممارستهم السلمية لحقوقهم.

ويواجه الناشطون المنتمون إلى مركز “تراكس”- الذي يقدم التدريب بشأن طيف من المجالات تشمل تقانة المعلومات وحقوق الإنسان- دعويين جنائيتين متداخلتين، بوشر بالأولى عقب مداهمة لمقر المركز في مارس/آذار 2015، وبالثانية عقب مداهمة ثانية في فبراير/شباط 2016. ووجهت إليهم تهم تتعلق بعدد من الجرائم، بما فيها جرائم ضد الدولة يمكن أن يعاقبوا عليها بالإعدام. وكان قد تقرر نظر القضيتين في 24 أغسطس/آب 2016، إلا أن الجلسة أجلت حتى 30 أغسطس/آب.

 وتعليقاً على ملاحقة الناشطين، قال مساعد محمد علي، المدير التنفيذي “للمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام”، إن “التهم وعمليات الاعتقال والاقتحام التي سبقتها تهدف جميعاً، على ما يبدو، إلى تخويف موظفي ‘تراكس’ وشل عمل المنظمة. ويتعين على السودان الإفراج فوراً ودون قيد أو شرط عن جميع المعتقلين وإسقاط جميع التهم ذات الصلة بأنشطتهم السلمية وترك موظفي ‘تراكس’ والمنتمين إلى المنظمة يقومون بعملهم دونما تخويف أو تدابير انتقامية”.

 ويحتجز ثلاثة من المتهمين في “سجن الهدى” بشمال أم درمان، في مدينة الخرطوم. وقد اعتقل مدير “تراكس”، خلف اللهالعفيف مختار، والمدرب في المركز مدحت عفيف الدين حمدان، ومدير “منظمة الزرقاء للتنمية الريفية”، مصطفى آدم، الذي تصادف وكان في زيارة “تراكس” في وقت اقتحامها في فبراير/شباط في 22 مايو/أيار، سوية مع ستة آخرين أخلي سبيلهم عقب أسبوعين. ووجه الاتهام إلى الثمانية في 15 أغسطس/آب، بينما نقل الرجال الثلاثة إلى “سجن الهدى” في اليوم نفسه. وكانوا قد قضوا 86 يوماً دون اتهام في نيابة أمن الدولة في الخرطوم، وسط ظروف لاإنسانية، حيث حشروا في زنزانة مكتظة للغاية وسيئة التهوية، بينما جرى التضييق عليهم في استعمال دورة المياه. وحرم خلف الله العفيف مختار، الذي يعاني من اعتلالات في القلب، من العناية الطبية عدة مرات أثناء احتجازه في النيابة العامة، وفقد وعيه مرتين بسبب الحر.

هذه التهم الجنائية البالغة الخطورة، التي تتضمن مزاعم بشن الحرب ضد الدولة والتجسس، لا أساس لها، وإنما تعكس إساءة استخدام فظيعة ومتصاعدة لنظام العدالة الجنائية بغرض مضايقة جماعات المجتمع المدني في السودان وترويعها

ساره جاكسون، نائبة المدير الإقليمي لشرق أفريقيا والقرن الأفريقي والبحيرات العظمى

وفي 22 مايو/أيار 2016، أيضاً، قام “جهاز الأمن الوطني والمخابرات” (الأمن الوطني) السوداني بتفعيل قضية جنائية سابقة، تحمل الرقم 56/2015، وكانت قد أقيمت ضد مدير “تراكس”، خلف الله عفيف مختار، وعادل بخيت، وهو مدرب مستقل معروف في مضمار حقوق الإنسان كان قد عقد دورات تدريبية في “تراكس”، وذلك إثر مداهمة للمنظمة في مارس/آذار 2015. ووجهت إلى الرجلين، في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2015، سبع تهم، بما فيها ثلاث ضمن فئة الجرائم المرتكبة ضد الدولة، ويمكن أن يحكم عليهما بسببها بالإعدام. ولكنهما لم يسمعا أي شيء بعد ذلك عن القضية حتى جرى استدعاؤهما للمثول أمام المحكمة في 22 مايو/أيار، وإبلاغهما بأن موظفتين أخريين في “تراكس”، هما المديرة الإدارية أروى الربيع، والمحاسبة ندينا كمال، متهمتان أيضاً في القضية. وقد تم تأجيل نظر القضية خمس مرات بسبب عدم ظهور المحقق.

 وتعليقاً على ما شاب الملاحقات القانونية من عيوب، قالت ساره جاكسون، نائبة المدير الإقليمي لشرق أفريقيا والقرن الأفريقي والبحيرات العظمى في منظمة العفو الدولية، إن “هذه التهم الجنائية البالغة الخطورة، التي تتضمن مزاعم بشن الحرب ضد الدولة والتجسس، لا أساس لها، وإنما تعكس إساءة استخدام فظيعة ومتصاعدة لنظام العدالة الجنائية بغرض مضايقة جماعات المجتمع المدني في السودان وترويعها. ففي كلتا القضيتين، لم يقدِّم الادعاء أي تأكيد مكتوب لأسماء المتهمين أو التهم الموجهة إليهم، أو يقدم تفاصيل حول حيثيات التهم أو أساسها القانوني، كما عمد بصورة متكررة إلى تأخير الإجراءات، مقوضاً بذلك حق المتهمين في محاكمة عادلة”.

 وعلى ما يبدو، فإن التهم تأتي في سياق نمط مستمر من المضايقات والترهيب ضد “تراكس” وسواه من هيئات المجتمع المدني يمارسه “جهاز الأمن الوطني والمخابرات”.

 فأثناء عمليتي الاقتحام اللتين قام بهما ضباط الأمن الوطني لمكاتب “تراكس”، في مارس/آذار 2015 وفبراير/شباط 2016، صادر هؤلاء حواسيب محمولة وهواتف نقالة ووثائق، وقاموا على نحو متكرر باستدعاء الموظفين للاستجواب عقب ذلك. وفي 11 يونيو/ حزيران 2016، قام موظفون تابعون للأمن الوطني بتفتيش منزل مدير “تراكس”، خلف الله العفيف مختار، ومنازل ثلاثة من أقاربه. وصادر الموظفون مواد مطبوعة والمبالغ النقدية المتوفرة لدى العائلة، وقاموا باحتجاز أخيه، جمال مختار، لبعض الوقت.

 لقد قامت السلطات بفرض قيود لا مبرر لها على الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، بما في ذلك إغلاق صحف، واستعمال القوة المفرطة لتفريق الاحتجاجات، وفرض قيود تعسفية على منظمات المجتمع المدني. وفي هذا السياق، ذكرت “كونفدرالية منظمات المجتمع المدني السودانية” أن ثلاث منظمات قد واجهت عقبات لا مبرر لها لدى محاولتها تجديد تراخيصها في الربع الأخير من 2015، بينما ووجه طلب تسجيل منظمة محلية أخرى بالرفض، وأجبرت خامسة على إغلاق أبوابها بالقوة دون إبداء الأسباب. وفي مارس/آذار من السنة الحالية، منع “جهاز الأمن الوطني والمخابرات” أربعة من ممثلي المجتمع المدني من السفر إلى سويسرا لحضور اجتماع عالي المستوى مع دبلوماسيين، ضمن التحضيرات لمراجعة بشأن حقوق الإنسان في السودان تحت إشراف الأمم المتحدة، وقام موظفو الجهاز بمصادرة جوازات سفرهم.

 بدوره، قال حسن شاير، المدير التنفيذي لمنظمة “الدفاع عن المدافعين”، إن “السودان يواصل على نحو غير قانوني تقييد عمل المجتمع المدني من خلال: الإغلاقات القسرية، وعمليات الاقتحام، ووضع العراقيل أمام تسجيل المنظمات، وكذلك عبر مضايقة الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان واعتقالهم التعسفي. وينبغي على الحكومة التوقف عن هذه الأساليب القمعية، والسماح للمجتمع المدني السوداني بالعمل بحرية”.  

 وقد دعت منظمات حقوق الإنسان السودان منذ فترة طويلة إلى إصلاح قوانينه القمعية، بما في ذلك “قانون الأمن الوطني لسنة 2010″، الذي يمنح الجهاز الأمني سلطات واسعة لاعتقال الأشخاص واحتجازهم لمدة تصل إلى أربعة أشهر ونصف الشهر دون مراجعة قضائية لعملية الاعتقال، إضافة إلى سلطات التفتيش والمصادرة. كما يواصل السودان تطبيق عقوبة الإعدام، شنقاً، على طيف من الجرائم. وقد دأبت السلطات على استخدام هذه القوانين لتكميم أفواه منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان.

 وقالت أندي لامبي، المديرة التنفيذية لمنظمة “المبادرة الدولية لحقوق اللاجئين” إنه “يتعين على السودان إصلاح قوانينه لتتماشى مع أحكام دستوره ومع التزاماته الدولية، وبخاصة ‘قانون الأمن الوطني’؛ و’قانون تنظيم العمل الطوعي والإنساني لسنة 2006’؛ و”القانون الجنائي لسنة 1991″.

معلومات إضافية

رفعت الدعوى رقم 110/2016 ضد ثمانية من موظفي “تراكس” والمنتمين إليها في 15 أغسطس/آب: إذ يحتجز مدير “تراكس”، خلف الله العفيف مختار، والمدرب مدحت عفيف الدين حمدان، ومدير “منظمة الزرقاء للتنمية الريفية”، مصطفى آدم، خلف القضبان حالياً في “سجن الهدى”. وهناك متهمان آخران في القضية أيضاً، وهما المدربان في “تراكس” الحسن خيري وأبو هريرة عبد الرحمن، إضافة إلى المديرة الإدارية للمركز أروى أحمد الربيع والمتطوعة إيماني ليلى راي، وكذلك الباقر العفيف مختار، وهو مدير منظمة أخرى هي “مركز الخاتم عدلان للاستشارة والتنمية البشرية”، وشقيق خلف الله العفيف مختار. وكان أبو هريرة والباقر العفيف مختار خارج السودان عندما صدرت التهم.

 ورُفعت الدعوى رقم 56/ 2015 ضد خلف الله العفيف مختار وعادل بخيت في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2015. وعقب أكثر من سنة، جرى استدعاؤهما إلى المحكمة في 22 مايو/أيار 2016 وأُبلغا بأن موظفين آخرين في “تراكس”، وهما المديرة الإدارية أروى الربيع والمحاسبة ندينا كمال، متهمتان في القضية أيضاً.