بعد فرارهم من أتون الحرب، ما الذي ينتظر الأطفال السوريين في أوروبا؟

إن الأوضاع المروِّعة التي يعيش في ظلها أطفال سوريا، والتي تجسِّدها الصورة المخيفة للطفل عمران دقنيش، البالغ من العمر خمس سنوات، منقولاً في سيارة إسعاف وهو في حالة صدمة وينزف دماً عقب انتشاله من تحت ركام منزله، تجعل من السهل علينا أن نفهم لماذا يريد الأهل أخذ أطفالهم في رحلة يائسة وشاقة إلى أوروبا.

ولكن لو كُتب لأطفال مثل عمران البقاء على قيد الحياة والوصول إلى شواطئ أوروبا، لما كانت محنتهم قد انتهت.

ففي زيارتي إلى جزيرة ليسفوس اليونانية رأيت بنفسي ما ينتظرهم.

إن الأوضاع المروِّعة التي يعيش في ظلها أطفال سوريا، والتي تجسِّدها الصورة المخيفة للطفل عمران دقنيش، البالغ من العمر خمس سنوات، منقولاً في سيارة إسعاف وهو في حالة صدمة وينزف دماً

غوري فان غوليك

في مركز الاحتجاز بجزيرة ليسفوس قابلتُ الطفل أحمد، البالغ من العمر سنة واحدة، الذي ظل مريضاً طوال معظم هذه الفترة القصيرة من حياته نتيجةً لما وصفتْه والدته بأنه هجوم كيميائي. وأخبرتني بأن قنبلة دمرت منزلهم بعد ولادة أحمد بوقت قصير وأُصيب بشظية في عنقه. وعلى إثرها عانى من أزمة حادة، وظهرت عليه أعراض أخرى تتسق مع أعراض استنشاق غاز الكلور. وعندما قابلتُه بعد سنة تقريباً من سقوط القنبلة، شاهدتُ الندوب التي خلَّفتها الإصابة والجسد الصغير الذي كان يقاسي من صعوبة التنفس.

وأحمد ابن لعائلة فلسطينية كانت تعيش في سوريا، وفرَّت من أهوال الحصار والجوع في مخيم اليرموك بضواح

نحن نعيش هنا منذ 423 يوماً بلا أمل وبلا تعليم وبلا مدارس. أريد أن تُتاح لي فرصة إكمال دراستي

فتى سوري لاجئ في السادسة عشرة من العمر

ي دمشق. غير أن الحرب لاحقتْهم عند فرارهم إلى إدلب بشمال البلاد. وبعد سقوط قنبلة على منزلهم نقلتْهم والدتهم عبر الحدود إلى تركيا، حيث دفعوا نقوداً للمهربين مقابل نقلهم عبر المياه المهلكة في قارب مكتظ إلى الجزر اليونانية.

وعندما وصلت العائلة إلى اليابسة لم تلقَ ترحيباً حاراً. فقد وصلت بعد موعد دخول الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا حيز النفاذ في 20 مارس/آذار، الأمر الذي حوَّل الجزر إلى مرافق احتجاز من الناحية الفعلية.

وقد احتُجزت عائلة أحمد مع أكثر من 3000 شخص آخرين في مركز الاحتجاز في موريا، المقطوع عن العالم الخارجي بسياجات شائكة. وعندما رأيتهم لم يكونوا يتمتعون بأية خصوصية، ولا يعرفون ما سيحدث لهم في اللحظة التالية. وبدلاً من توفير الرعاية الطبية الطارئة التي يحتاجها أحمد، أعطى الطبيب للعائلة علبة دواء باراسيتمول.

لقد تم إخراجهم من مركز الاحتجاز منذ ذلك الحين، ولكنهم ظلوا هائمين على وجوههم وقد تقطَّعت بهم السبل في اليونان، شأنهم شأن نحو 60,000 شخص من اللاجئين والمهاجرين الآخرين، وذلك لأن الطرق المؤدية إلى أوروبا مغلقة تقريباً. ولو أن الأمر بيد بعض الزعماء الأوروبيين لتم ترحيل معظمهم إلى تركيا.

إن مثل هذا الوضع المتردي يحدث في شتى أنحاء أوروبا، في المجر وصربيا واليونان وكاليز وغيرها.

ويذكِّرني عمران بالعديد من الأطفال الذين شاهدناهم في أرجاء القارة وبالمحن التي يكابدونها.

ويُذكر أن نحو ثلث عدد اللاجئين والمهاجرين الذي يعبرون عباب البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا هم من الأطفال. ويسافر العديد من هؤلاء الأطفال لوحدهم، حيث يتعرضون للاستضعاف والاستغلال، أو يُفصلون عن عائلاتهم في الطريق، ويتم ذلك أحيانا بشكل متعمد من جانب السلطات نفسها.

أما بالنسبة للأطفال الذين يصابون بالصدمة الناجمة عن الحرب، فإنهم نادراً ما يتلقون أية مساعدة نفسية-اجتماعية.

وثمة أماكن آمنة قليلة جداً للعب، ناهيك عن التعلُّم أو الذهاب إلى المدرسة.

وأمضى بعض الأطفال وقتاً طويلاً جداً خارج المدرسة إلى حد أنهم نسوا القراءة والكتابة.

إن انفطار القلوب ومشاعر الغضب ليست كافية، هؤلاء الأطفال بحاجة إلى أمان ورعاية خاصة وتعليم وسقف يستظلون به

غوري فان غوليك

فقد قال لنا فتى سوري في السادسة عشرة من العمر، كان يعيش في أحد المخيمات المقامة على البر اليوناني: “نحن نعيش هنا منذ 423 يوماً بلا أمل وبلا تعليم وبلا مدارس. أريد أن تُتاح لي فرصة إكمال دراستي.”

إن الأطفال بحاجة إلى أمان ورعاية خاصة وتعليم وسقف يستظلون به. وهم بحاجة إلى موافقة الحكومات على السماح بجمع شمل العائلات وتيسيره. كما أنهم بحاجة إلى إيفاء البلدان بوعودها بنقل أماكن إقامة العائلات، من قبيل عائلة أحمد، وإعادة توطينها. وفي أوروبا تقف الحكومات في مؤخرة الركب، يا للعار! فعلى سبيل المثال، قام زعماء الاتحاد الأوروبي بإعادة توطين 5% فقط من اللاجئين الذين وعدوا باستقبالهم في يونيو/حزيران الفائت.

وفي حين أن عمران، وإيلان الكردي من قبله، اجتذبا اهتمام العالم، فإن انفطار القلوب ومشاعر الغضب ليست كافية. صحيح أن الصور هزَّت مشاعر العالم، ولكنها لم تحرك مشاعر الزعماء. وما لم يفعل هؤلاء شيئاً فإن آلاف الأطفال سيواجهون المصير نفسه الذي واجهه عمران وإيلان وأحمد.