سورية: الممر الآمن للمدنيين لن يمنع حدوث كارثة إنسانية في مدينة حلب

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن هناك حاجة إنسانية ماسة متجردة ودون قيود لتخفيف المعاناة عن آلاف المدنيين في مدينة حلب ممن باتوا على وشك أن ينفد ما لديهم من طعام وغيره من الإمدادات الضرورية.

فهذا الصباح أعلن وزير الدفاع الروسي أن وزارته تنسق من أجل “عملية إنسانية” لتأمين ممرات آمنة للسماح للمدنيين والمقاتلين الذين يسلمون أسلحتهم بمغادرة مدينة حلب، مع تأمين مراكز للغذاء والإسعافات الأولية خارج المدينة. لكن كثيرين من المدنيين قد يشعرون بالشك حيال وعود الحكومة السورية بتوفير الأمان، وقد يختارون ألا يغادروا خشية أعمال انتقامية. يأتي ذلك مع إغلاق طريق الإمدادات الوحيد للمدينة، وهو طريق الكاستيلّو، الذي بات مقطوعا بنيران قناصة الحكومة السورية والقصف الثقيل منذ 7 يوليو/تموز (2016).

وقال فيليب لوثر، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية:” طيلة سنوات منعت الحكومة السورية وصول مساعدات حيوية إلى المدنيين المحاصرين بينما تُعَرِّضُهم لأهوال القصف اليومي والغارات الجوية، مستخدمةً التجويع كسلاح في الحرب متعمدة التسبب في معاناة لا تُحتمل للسكان القاطنين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.”

وأضاف لوثر:” إن تأمين طرق آمنة للمدنيين الراغبين في الهروب من حلب لن يمنع حدوث كارثة إنسانية. فذلك ليس بديلا عن السماح بإيصال المساعدات الإنسانية المتجردة للمدنيين الباقين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في المدينة أو غيرها من المناطق المحاصرة، فكثيرون منهم سيكونون في شك حيال وعود الحكومة.”

إن تأمين طرق آمنة للمدنيين الراغبين في الهروب من حلب لن يمنع حدوث كارثة إنسانية.

فيليب لوثر، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية

كما من المرجح أن ينظر بعض المدنيين في حلب إلى وعود روسيا بعين الشك لاسيما مع الغارات الجوية غير القانونية التي تنفذها الحكومة الروسية ضد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بما في ذلك جرائم الحرب المحتملة، ومع فشلها المستمر في استعمال نفوذها لدى الحكومة السورية لإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق.

وأخبرت خمس منظمات إنسانية محلية منظمة العفو الدولية أن احتياطيات الغذاء في حلب قد تنفد في غضون أسبوعين، وهو ما سيعرض حياة المدنيين للخطر.

كما حذر مسؤول الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين من أن الغذاء في مدينة حلب سينفد كما هو متوقع بحلول منتصف شهر أغسطس/آب، مضيفاً أن ما بين 200000 و300000 شخص ستكون حياتهم في خطر.

كما تكثفت الهجمات التي تشنها قوات الحكومة السورية على البيوت والمستشفيات والمنشآت الطبية في مدينة حلب وحولها في الأيام الأخيرة.

وقد تحدثت منظمة العفو الدولية مع سكان عالقين في مدينة حلب بالإضافة إلى 10 أطباء وعدد من المنظمات الإنسانية في سورية وتركيا. وتشكل الشهادات التي جمعت صورة كالحة تبعث على اليأس للوضع الذي أخذ بالظهور على مدى الأيام العشرين الأخيرة.

طريق الموت

أخبر أحد عمال الإغاثة الإنسانية منظمة العفو الدولية أن طريق الكاستيلو بات الآن تحت رقابة قوات الحكومة السورية وقوات الإدارة الذاتية (وهي ميليشيا كردية سورية) التي يقودها “حزب الاتحاد الكردي الديموقراطي” طيلة 24 ساعة.

وقال عامل الإغاثة:” أي شيء يتحرك على الطريق يتعرض للهجوم”.

وحتى في الأيام التي سبقت قطع طريق الكاستيلو تعرضت للهجوم شاحنتان تحملان مؤونة مساعدات من الغذاء تكفي لإطعام 400 عائلة.

وقال عامل الإغاثة:” كل المواد دمرت. تلك العائلات تعتمد على المساعدات التي نؤمنها لهم. ماذا ستفعل تلك العائلات بعد استنفاد احتياطاتهم من الطعام بالكامل؟”.

أي شيء يتحرك على الطريق يتعرض للهجوم

عامل الإغاثة، حلب

وتحدث أحد سكان مدينة حلب سابقاً لمنظمة العفو الدولية عن هروبه وأسرته على نحو مفزع مجازفين بحياتهم لعبور طريق الكاستيلو للسفر إلى تركيا قبل ثمانية أيام.

وقال الرجل:” ما عدت وأسرتي قادرين على تحمل سماع هدير الطائرات الحربية ودوي الانفجارات، لذا قررنا الرحيل عن المدينة عند الفجر. “طريق الموت” ( طريق الكاستيلو) طوله تقريبا 500 متر…سيارة الأجرة التي كانت تقل عائلة أمامنا أصابتها ضربة جوية. السيارة انفجرت وتحولت إلى ألسنة نيران…لم يكن في وسعنا التوقف للتحقق ما إذا كان أحدهم قد نجا. في الطريق، شاهدت جثث خمسة أشخاص متفسخة على جانب الطريق.”

“هالة” (تم تغيير الاسم لأسباب أمنية) وهي من سكان مدينة حلب، قالت لمنظمة العفو الدولية إن الأسعار في المدينة تضاعفت في الأيام الأخيرة.

وأضافت هالة:” سعر الأغذية الأساسية مثل السكر وطحين البرغل تضاعف. فسعر الكيلو من السكر أصبح اليوم يعادل تقريبا 13 دولاراً. لا أستطيع شراء أصناف الخضروات القليلة جداً الموجودة في السوق.”

 “حسام”، وهو من سكان مدينة حلب، وأب لولدين، قال لمنظمة العفو الدولية:” كل صباح، نبدأ أنا وولدي الأكبر يومنا بالذهاب إلى الأفران للعثور على الخبز. ما هو متوفر بالكاد يلبي 30% من حاجات الناس. وفي غالبية الأيام إما نأتي برغيف واحد من الخبز أو نرجع خاليَيْ الوفاض.”

استمرار القصف بلا هوادة

لقد حولت الغارات الجوية التي لا تتوقف والقصفُ بالأسلحة الثقيلة من قبل قوات الحكومة السورية الحياةَ في المدينة إلى الأسوأ. قال عدد من سكان حلب وأطبائها لمنظمة العفو الدولية إن المدينة، ولاسيما أحياء الصاخور والشعّار والفردوس تعرضت لقصف جوي يومي طيلة الأيام العشرة الماضية.

“معن”، وهو من سكان مدية حلب قال:” نستيقظ على صوت القصف وننام بعد دفن الأشخاص الذين يقتلون.”

وصف “معن” كيف شاهد غارة جوية قرب منزله في حي باب الحديد، وهي منطقة سكنية في حلب القديمة، في 19 يوليو/تموز، حيث دمرت ستة منازل.

” لقد ركضت خلال الدخان للوصول إلى موقع القصف. شاهدت امرأة حبلى وطفلها الصغير وابنتها البالغة من العمر تسعة أعوام وقد سقطوا قتلى. كان المنظر فظيعاً. بعدها بعشرين دقيقة سمعت هدير طائرة حربية مجدداً. حذرنا الناس بضرورة الابتعاد عن المكان بأسرع وقت ممكن. تمكنت من الاختباء قبل استهداف غارة جوية أخرى نفس المكان بالضبط. ( بعدها) ركضت عائدا للموقع فشاهدت امرأة وقد بترت ساقها على الفور، وكانت إلى جانبها ابنتها البالغة من العمر 12 سنة وقد أصيبت بجروح.

لقد ركضت خلال الدخان للوصول إلى موقع القصف. شاهدت امرأة حبلى وطفلها الصغير وابنتها البالغة من العمر تسعة أعوام وقد سقطوا قتلى. كان المنظر فظيعاً.

معن"، من سكان مدية حلب

وقال معن إن الشظايا من جراء الهجوم كانت منتثرة على مساحة نصف قطرها 200 م، مضيفا أنه كان يعتقد أن الهجوم تم باستخدام ذخيرة انشطارية لأنه شاهد قنبلة تنشطر في السماء ثم ينتج عنها سلسلة من الانفجارات الأصغر. الأسلحة العنقودية محظورة وفق القانون الدولي، واستخدام هذه الأسلحة، التي هي في أساسها أسلحة لا تميز بين أهدافها، إنما هو استخدام ينتهك القانون الإنساني الدولي.

لقد تعرضت سبعة مستشفيات ومنشآت طبية في حلب لغارات جوية في غضون 10 أيام، حسب أطباء محليين. وما تزال ثلاثة مستشفيات فقط في المدينة تعمل وقادرة على تأمين الرعاية الطبية المستعجلة للمدنيين الجرحى.

وقال الدكتور عبد الباسط، وهو طبيب يعيش داخل سورية، لمنظمة العفو الدولية إن الغارات الجوية قد دمرت مخزنين ودمرت بشكل جزئي إمدادات طبية وغذائية.

كما حذر طبيب سوري يراقب الوضع من تركيا من أن المخزون الطبي سوف ينفد قريباً أيضاً.

وقال:” المخزونات الطبية لن تدوم أكثر من شهرين إذا استمرت وتيرة القصف ونطاقه على هذه المعدل. بعض الجرحى يموتون بسبب إصاباتهم بينما ينتظرون دورهم في العلاج بسبب نقص الطاقم الطبي ونقص المستشفيات العاملة.”

وقال أطباء وعمال إغاثة وسكانمن حلب لمنظمة العفو الدولية إن أكثر الهجمات فتكاً استهدفت الأحياء السكنية الأهلة بالسكان داخل المدينة بعيداً جداً عن خطوط الجبهة والأهداف العسكرية.

إن القانون الإنساني الدولي يحظر الهجمات على المدنيين والأهداف المدنية، بما فيها المستشفيات وغيرها من المرافق الطبية، كما يحظر استخدام تجويع السكان المدنيين سلاحاً من أسلحة الحرب.

لقد أظهرت الحكومة السورية وحلفاؤها استخفافاً مفزعاً بالقانون الإنساني الدولي، وانتهكوا بشكل مشين كل مادة تعنى بحقوق الإنسان في القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن سورية.

فيليب لوثر

وأضاف فيليب لوثر:” لقد أظهرت الحكومة السورية وحلفاؤها استخفافاً مفزعاً بالقانون الإنساني الدولي، وانتهكوا بشكل مشين كل مادة تعنى بحقوق الإنسان في القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن سورية. وبالنسبة لدور مجلس الأمن الدولي، فقد أخفق في إعطاء الأولوية لحماية المدنيين من الانتهاكات المروعة.”

وأضاف:” يجب على كل الدول المنخرطة في محادثات بشأن سورية في جنيف، لاسيما روسيا، حليفة الحكومة السورية، أن تمارس أقصى ضغط ممكن عليهما، لوقف هجماتهما المستمرة على المدنيين والأهداف المدنية والسماح بوصول المساعدات دونما إعاقة.”

خلفية:

حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد قتل 99 مدنياً بينهم 25 طفًلا، و16 امرأة، و58 رجلاً في مدينة حلب بين 10 يوليو/تموز و23يوليو/تموز بنيران قوات الحكومة السورية. ومن مجمل حصيلة الضحايا، تم توثيق مقتل 14 شخصاً على طريق الكاستيلو.

في فبراير/ شباط من عام 2016، نشرت منظمة العفو الدولية بيانا صحفيا بعنوان: القوات السورية والروسية تستهدف المستشفيات كإحدى استراتيجيات الحرب، وثقت فيه ما بدا أنه استهداف متعمد وممنهج للمستشفيات وغيرها من المنشآت الطبية من قبل القوات السورية والروسية.

وفي شهر مايو/أيار من عام 2015 نشرت منظمة العفو الدولية تقريرا بعنوان :” الموت في كل مكان: جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان في حلب، حيث وثقت فيه استخدام قوات الحكومة السورية الهجمات المستمرة على المدنيين باستخدام البراميل المتفجرة وغيرها من الهجمات.

ملاحظة: الأسماء الواردة ضمن أقواس اقتباس تم تغييرها لحماية شخصيات أصحابها.