قال المعتقل السابق، سليمان غونغونغ ، للمحكمة الجنائية الخاصة السنة الماضية إنه “من أعماق زنزانتي، من أعماق هذا الجنون، أقسمت على النضال من أجل تحقيق العدالة إذا أتيح لي الخروج حياً.” اليوم يحتفل سليمان غونغونغ وآلاف آخرون من الضحايا بحكم المؤبد الذي أصدرته محكمة “الغرف الأفريقية الاستثنائية” في دكار ضد الرئيس التشادي السابق حسين حبري بسبب الجرائم ضد الإنسانية والتعذيب.
كان غونغونغ ، الذي اعتقل لمدة عامين ونصف العام في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين، من بين المحظوظين. تشير التقديرات إلى أن 40000 شخص لقوا حتفهم على يد قوات الأمن التشادية ما بين 1982 و1990.
يذكر غونغونغ في شهادته “رأيت أصدقائي وزملائي يموتون من الجوع، ويموتون من اليأس، ويموتون من التعذيب، ويموتون من المرض.”
لكن من أتون هذا الرعب، برز شيء جدير بالذكر؛ إذ لأكثر من عقدين ورغم التهديدات، وحملات التخويف، والنكسات السياسية الكبيرة استطاع الضحايا، بالعمل مع مجموعات المجتمع المدني بدون كلل أو ملل، أن يجعلوا هذا اليوم واقعا ممكناً.
نول
لكن من أتون هذا الرعب، برز شيء جدير بالذكر؛ إذ لأكثر من عقدين ورغم التهديدات، وحملات التخويف، والنكسات السياسية الكبيرة استطاع الضحايا، بالعمل مع مجموعات المجتمع المدني بدون كلل أو ملل، أن يجعلوا هذا اليوم واقعا ممكناً.
قضى ائتلاف من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان ومجموعات الضحايا في تشاد عقودا يجمع الشهادات من الضحايا وعائلاتهم لبناء عناصر القضية ضد حسين حبري. انطلقت حملات وطنية وإقليمية، مدعومة من منظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية، للمساعدة في توثيق الفظائع التي ارتكبت في عهده.
فشلت مراراً الجهود المبذولة لترحيله إلى بلجيكا ومقاضاته فيها، كما فشلت الجهود لإرغام السنغال على مقاضاته هناك. لكن الضحايا ومنظمي الحملات واصلوا مساعيهم. وفي عام 2012، دعم الاتحاد الأفريقي السنغال في أفق تمهيد الطريق لبدء إجراءات العدالة ضد الرئيس التشادي السابق.
تم تمرير قانون جديد في شهر ديسمبر/كانون الأول 2012 يسمح بإنشاء محكمة “الغرف الأفريقية الاستثنائية” في دكار. اعتقل حبري، الذي كان يبلغ من العمر 70 عاماً آنذاك، بعد ستة أشهر من ذلك. وفي 20 يوليو/تموز 2015، مثل لأول مرة أمام المحكمة.
وعلى مدى الشهور اللاحقة وضعت لائحة التهم الطويلة ضد حسين حبري الواردة في 187 صفحة على المحك في المحكمة. شملت تهما ضد الإنسانية، والتعذيب، وجرائم الحرب. أعاد 69 سجيناً سابقاً الإدلاء بتجاربهم المروعة مع نظام حسين حبري. وصفوا انتهاكات صادمة عانوها على يد قوات الأمن في تشاد.
استفادت العدالة الدولية من هذه القضية التاريخية المرفوعة ضد حسين حبري أيما استفادة لأنها أول محاكمة لرئيس دولة في القارة الأفريقية بموجب ولاية قضائية دولية، وأول مرة يُقاضى فيها قائد أفريقي سابق على جرائم بموجب القانون الدولي أمام محكمة تقع في بلد أفريقي آخر غير بلده الأصلي. تُعطِي هذه القضية حافزاً جديداً للاتحاد الأفريقي أو للدول الأفريقية كل على حدة حتى تعالج حالات الإفلات من العقاب المتأصلة في بلدان أخرى من القارة الأفريقية.
لكن بالنسبة إلي، أهمية هذه القضية أبعد من ذلك بكثير ولها بُعْد شخصي عميق. إنها تثبت أن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، مهما بلغ اليأس بأصحابها، يمكن أن يكون لهم صوت مسموع وقدرة لا تلين على تحقيق العدالة في نهاية المطاف. إنها تثبت أن عمل منظمي الحملات والمدافعين عن حقوق الإنسان، مهما كان طويلاً وينطوي على تحديات، يظل بالغ الأهمية. إنها أيضاً تثبت أن رؤساء الدول والقادة العسكريين وآخرين يُشتبه بارتكابهم انتهاكات حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم لا يمكن أن يتوقعوا الإفلات من شبكة العدالة الدولية للأبد. الملاذات الآمنة لم تعد آمنة بالنسبة إلى أولئك الذين يُشتبه في ارتكابهم جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم أخرى بموجب القانون الدولي.
بعد سقوط إدارة حسين حبري، عُثِر في أرشيف الإدارة العامة لمديرية التوثيق والأمنبالعاصمة نجامينا على أكثر من 50000 رسالة وبطاقة تعود لأعضاء في منظمة العفو الدولية تدعو إلى إطلاق سراح المعتقلين. بعد مرور ربع قرن، فإن الكثير من الأسماء الواردة في هذه الرسائل لم يعودوا هنا حتى يروا بأنفسهم العدالة وقد أخذت مجراها. لقد ماتوا شأنهم شأن آلاف آخرين في الثمانينات من القرن العشرين. لكن بالنسبة إلى الناجين، وبالنسبة إلى كل من يؤمن بحقوق الإنسان وحكم القانون، فإن حكم اليوم يظل بالغ الأهمية.
يمكننا أن نُعول على مثل هذه اللحظات عندما يَدْلهم الخطب ويشتد الظلام. إن هذه اللحظات هي التي تمدنا بالأمل وتمنحنا القوة التي تساعدنا على مواجهة المواقف التي نراها صائبة. إن حكم اليوم سيمدنا بطاقة متجددة في نضالنا ضد الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة خلال عهد إدارة حبري والذي سيستمر حتى يُجلب المسؤولون عن الجرائم المرتكبة بموجب القانون الدولي إلى العدالة.
نشر هذا المقال لأول مرة في قناة الجزيرة الإنجليزية