20 عائلة تنتصر في معركتها من أجل البقاء في منازلها رغم كل الصعاب

بقلم جوزفينا سالومون، محررة الأخبار في منظمة العفو الدولية

 قصة تفوق نهايتها الخيال. إنها معركة حقيقية بين داود وجالوت.

 كان الطرف الأول،  20 أسرة تعيش في أنقاض ما كان ذات يوم تجمعاً نابضاً بالحياة من 600 عائلة أقامت منذ خمسة عقود أمام ما يعرف الآن بالحديقة الأولمبية في ريو دي جانيرو – واحدة من مناطق التملك العقاري المرغوبة في المدينة.

أما الطرف الآخر، فكان إرادة سلطات ريو دي جانيرو التي لا تتزعزع، والمصممة على إخلاء الأرض، على الرغم من منحها هذا التجمع الحق في الوجود في ذلك المكان لمدة 100 عام.

 وأعقب ذلك شهور من الصراع العنيف، في المحاكم والشوارع – تم التحرش فيها بأكثر من نصف سكان التجمع كي يتركوا منازلهم، كما أجلي بعضهم بطريقة عنيفة.

فيلا أوتودرومو وسط الطريق من ناحية الحديقة الأولمبية في ريو دي جانيرو.   ©Amnesty International/Sergio Ortiz Borbolla
فيلا أوتودرومو وسط الطريق من ناحية الحديقة الأولمبية في ريو دي جانيرو. ©Amnesty International/Sergio Ortiz Borbolla

ماريا دا بنها، وهي أم تبلغ من العمر 51 عاما إحدى سكان التجمع وأكثرهم صخباً، تبتسم أخيرا – ولكن بحذر.

ورغم كل الصعاب، فقد شنت لعدة أشهر حملة لا هوادة فيها تمكنت من التوصل إلى اتفاق مع البلدية المحلية للسماح للعائلات العشرين التي ما تزال تقاوم بالبقاء على أرضهم. ووافقت البلدية المحلية على بناء منازل جديدة لهم – ومن المقرر بدء أعمال البناء في مايو/ أيار.

لا يزال هناك الكثير من عدم الثقة بسبب كل ما تفعله السلطات بنا، وكل ما مررنا به. ولكن عندما تبدأ في بناء المنازل التي وعدت بها، فسوف يكون ذلك انتصاراً لنا، ولكل من دعمونا بل وللمدينة بأجمعها. نحن في انتظار نهاية سعيدة

ماريا دا بنها

وتحدثت ماريا من الكنيسة التي أصبحت منزلها بعد أن أزيل في مارس/ آذار الماضي البيت الذي كانت قد بنته، فقالت:  

 “لا يزال هناك الكثير من عدم الثقة بسبب كل ما تفعله السلطات بنا، وكل ما مررنا به. ولكن عندما تبدأ في بناء المنازل التي وعدت بها، فسوف يكون ذلك انتصاراً لنا، ولكل من دعمونا بل وللمدينة بأجمعها. نحن في انتظار نهاية سعيدة “

الطريق إلى النصر وعر

بعيداً في أحد أحياء ريو دي جانيرو الصاعدة، والذي يبعد 45 دقيقة عن شاطئ ايبانيما الأنيق، ثمة 30 منزلاً تقف بين أنقاض الحي الذي كانت تقطنه نحو 600 أسرة.

إن السكان القليلين الذين بقوا في المكان تحيط بها ذكريات طويلة ومؤلمة من معركة التمسك بمنازلهم – أكوام من الركام، وكتابات على الجدران، وأكياس قمامة محروقة، وألعاب أطفال ملقاة، وأجهزة تلفزيون مكسورة.  وقبل عام، كانت منطقة ” فيلا أوتودرومو” تجمعاً سكانياً نابضاً بالحياة. وكانت تعرف بأنها واحدة من عدد قليل من “الأحياء الفقيرة السلمية” في ريو دي جانيرو، وهي إحدى المناطق الناجية من حرب لا هوادة فيها على المخدرات التي أفسدت حياة الملايين. وكان بها مطاعم، وحديقة للأطفال ومركز ثقافي وكنيسة.

 ولكن بعد أن أصبح الموقع منطقة ملكية عقارية جذابة في واحدة من أغلى المدن في أمريكا الجنوبية، ومع اقتراب موعد حفل افتتاح دورة الالعاب الاولمبية في ريو 2016، قررت السلطات أن التجمع القديم يجب أن يزال.

ودافعت ماريا وجيرانها عن تجمعهم في المحاكم، وأمضوا سنوات يكافحون من أجل البقاء على الأرض التي لديهم الحق في سكناها.

معركة طويلة

ومن خلال معركة حماية تجمعهم التي لم تبد لها نهاية، تحولت ماريا دا بنها سيلفا والعديد من جيرانها، ربما دون أن يدركوا ذلك، إلى ناشطين. لقد انتقلت للسكن في ” فيلا أوتودرومو” منذ حوالي 30 عاماً، وهي تأمل في حياة سلمية. ولكن بعد سنوات قليلة، بدأت السلطات في التحرش بالعائلات كي يغادروا منازلهم.

كل شيء كان صعبا للغاية. أنا محظوظة أن امتلك القوة لمقاومة هذا. إنهم يهدمون بيوتنا، لكنهم لا يستطيعون إسقاط حقنا في أن نعيش هنا

ماريا دا بنها

وجاء التهديد الأخير فور منح ريو دي جانيرو حق تنظيم دورة الالعاب الأولمبية فبدأت السلطات استكشاف مواقع إقامة المنشآت الجديدة. هذه الرقعة الجميلة من الأرض، تطل على البحيرة، كانت الخيار الأفضل.

بدأت أعمال البناء على الفور تقريباً. إذ أرادت السلطات أن تضمن بحلول الموعد الذي ترحب فيه ريو برياضي العالم، أن تكون بها حديقة نظيفة تماماً؛ حديقة أولمبية – في وسطها قاعات الألعاب الرياضية، وحمامات، وساحات ومركز إعلامي – ويمر بجوارها الطريق المزدحم الذي يربطها بمركز المدينة.

وقدمت السلطات لبعض السكان المال أو شققاً جديدة إذا غادروا المكان. غير أن كثيراً ممن انتقلوا يشكون الآن من أن مساكنهم  الجديدة خطرة وبنيت بشكل سيء. أما الذين رفضوا هذا العرض فقد ضغط عليهم شيئاً فشيئاً كي يرحلوا. فتم قطع المياه عنهم والتيار الكهربائي، وألغي جمع القمامة، وفي نهاية المطاف ظهر الحرس البلدي بجرافاته، وطرد الناس من منازلهم دون سابق إنذار. وأصيبت ماريا وجيرانها بجروح بالغة خلال عمليات الإخلاء.

أصيبت ماريا دا بنها بجروح خلال عمليات الإخلاء. ©Amnesty International/Sergio Ortiz Borbolla
أصيبت ماريا دا بنها بجروح خلال عمليات الإخلاء. ©Amnesty International/Sergio Ortiz Borbolla

وهكذا فقدت ماريا منزلها المكون من ثلاث غرف نوم، الذي بنته في ست سنوات. وهي الآن مع إحدى جيرانهما، ومتاعهما القليل معبأ في أكياس القمامة وصناديق من الورق المقوى، تعيشان في ما كان كنيسة التجمع.

وتقول ماريا: ” كل شيء كان صعبا للغاية. أنا محظوظة أن امتلك القوة لمقاومة هذا. إنهم يهدمون بيوتنا، لكنهم لا يستطيعون إسقاط حقنا في أن نعيش هنا “.

وتقضي ماريا أيامها ولياليها تتجول في أرض التجمع، والاطمئنان على الجيران الذين أصبحوا عائلتها، وتطلع الزوار على ما كان المكان عليه. والأمر يحتاج إلى بعض الخيال لكي تستطيع تصور المشهد الذي تصفه ماريا بمثل هذه العاطفة. تصور المنزل الذي بنته، وتصور الشوارع وقد خلت من الأنقاض والقمامة، وتخيل  الخمسمائة شجرة التي كانت تحيط يوماً بالتجمع السكاني وتحميه من لهيب طقس ريو دي جانيرو الحار. والواقع أنك تكاد لاتسمع صوت ماريا وهي تتكلم من الضجيج الذي يصم الآذان والذي تصنعه الشاحنات التي تعمل في بناء القرية الاولمبية المجاورة. 

فيلا أوتودرومو. ©Amnesty International/Sergio Ortiz Borbolla
فيلا أوتودرومو. ©Amnesty International/Sergio Ortiz Borbolla

واليوم، ” فيلا أوتودرومو” والحديقة الأولمبية تعبران كثيراً عن أخطاء البرازيل. فهذا الرمز لمكانة ” ريو” الدولية ينتصب  بجوار موقع مأساة ماريا، عبر الهاوية التي تفصل بين القلة الغنية وبين الجماهير المهمشة في أكبر اقتصاد في أميركا الجنوبية. لامعة، فالمباني الجديدة تشع وتلمع في أحد الجانبين؛ بينما يوجد الركام واليأس على الجانب الآخر.

إن  معركتهم مثال لكثير من التجمعات الأخرى، في جميع أنحاء البرازيل، التي تواصل الكفاح من أجل حقها في عدم التعرض للطرد من منازلها.

وعلى الرغم من الاتفاق الذي نجحوا في الوصول إليه مع السلطات، فلا يزال العديد من الأسئلة عن كيفية تنفيذه في الواقع، ومتى  سيحصل سكان ” فيلا أوتودرومو” على منازلهم الجديدة.

 لكن، ماريا في هذه اللحظة سعيدة. وعبرت عن ذلك قائلة: ” تركوني من دون مال، من دون منزل، من دون أي شيء، لكني لم أكن لأستسلم أبداً. هناك أشياء لا يمكنك تقديرها بثمن. لا يمكنك أن تضع سعراً لسعادتك أو لحقوقك الإنسانية”.