قالت منظمة العفو الدولية، في تقرير جديد صدر اليوم، إن السلطات الكويتية اعتقلت وحاكمت وسجنت العشرات من النشطاء السلميين، بما في ذلك مدافعون عن حقوق الإنسان ومعارضون سياسيون، في جهودها الرامية إلى إسكات منتقديها ومعاقبة المعارضة.
ويقدم تقرير “سياسة القبضة الحديدية”: تجريم المعارضة السلمية في الكويت، تفاصيل بشأن الحملة القمعية لحرية التعبير في الكويت منذ 2011، في سياق التدهور العام لحالة حقوق الإنسان في البلاد، ويسلط الضوء على كيفية استخدام السلطات جملة من القوانين بشكل متزايد لتكميم أفواه المنتقدين.
وقال جيمس لينش، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “في السنوات الخمس منذ موجة الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي، شهدنا تآكل حقوق الإنسان في الكويت بشكل ثابت لا هوادة فيه، حيث صعدت السلطات من حملتها ضد المعارضة. وقبض على عشرات من المنتقدين السلميين وسجنوا لمجرد التحدث علناً ضد شبح القمع على نطاق واسع.
في السنوات الخمس منذ موجة الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي، شهدنا تآكل حقوق الإنسان في الكويت بشكل ثابت لا هوادة فيه.
جيمس لينش، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية
“ولم يفت الأوان بعد لوقف هذا التدهور من انتهاكات حقوق الإنسان. فالكويت تمر بمنعطف حرج، ولدى الحكومة خيار واضح بين السماح بانزلاق البلاد إلى المزيد من القمع أو اتخاذ خطوات عاجلة لإثبات أن التزاماتها المعلنة بحقوق الإنسان هي أكثر من مجرد وعود جوفاء.”
وبدأت حملة القمع في عام 2011 كرد فعل على المظاهرات التي قام بها أفراد مجتمع “البدون” في الكويت.
إلا أن حملة الإجراءات القمعية لم تأت إلا بعد موجة عارمة من الاحتجاجات اجتاحت البلاد خلال سلسلة مظاهرات “كرامة وطن” في 2012، عندما نزل الآلاف إلى الشوارع لمعارضة قانون انتخابي جديد واحتجاجاً على مزاعم الفساد الحكومي، حيث ردت الحكومة بتقييد حرية التعبير في الكويت، في انتهاك لالتزاماتها الدولية.
ومع استمرار الاحتجاجات، التي رافقتها موجة من الانتقادات عبر وسائل الإعلام الاجتماعي، أعلن مجلس الوزراء “سياسة القبضة الحديدية” في 2014، متوعداً “بمواجهة حاسمة وحازمة مع كل ما يمكن أن يقوض الدولة ومؤسساتها ودستورها”.
وصعدت السلطات من إجراءاتها لخنق حرية التعبير باستخدام شبكة من قوانين التشهير الغامضة والفضفاضة المفاهيم. وأغلقت وسائل إعلام وتذرعت بقانون الجنسية في البلاد لتجريد بعض منتقديها من جنسيتهم.
وجرى تصعيد، في السنوات الأخيرة على وجه الخصوص، في المحاكمات على التعليقات التي اعتبرت “مسيئة” أو “مهينة” لأمير الكويت والحكام العرب الآخرين، والتعليقات التي ارتؤي أنها “تقوض الثقة” بالمسؤولين الحكوميين. وفي العامين الماضيين، تحدثت وسائل الإعلام الكويتية عن أن أكثر من 90 قضية لأشخاص يواجهون تهماً من هذا القبيل أمام المحاكم.
وبموجب القوانين الحالية، يعاقب على تقويض سمعة الأمير أو إثارة شكوك حوله بالسجن لمدة خمس سنوات. ويجرم القانون نقل كلمات أمير البلاد دون إذن رسمي. وثمة قوانين مماثلة لمعاقبة التعليقات التي تعد خطراً على الأمن القومي، أو تعتبر مسيئة للدين أو تشهيراً بشخصيات دينية.
ينبغي أن لا يزج بأي شخص في السجن لمجرد التعبير عن رأيه سلمياً مهما بدت آراؤه مناهضة لمن هم في السلطة.
جيمس لينش
وقال جيمس لينش: “ينبغي أن لا يزج بأي شخص في السجن لمجرد التعبير عن رأيه سلمياً مهما بدت آراؤه مناهضة لمن هم في السلطة.
“والقوانين التي تخنق حرية التعبير تتناقض تناقضاً تاماً مع القانون الدولي. وبدلاً من ردة الفعل الدفاعية، ينبغي على السلطات الكويتية الإقرار بحق النقد والنظر إلى هذه التعليقات بوصفها فرصاً للحوار والنقاش”.
ووفقاً “للجنة حقوق الإنسان” التابعة للأمم المتحدة، فإن الشخصيات السياسية، بمن فيهم رؤساء الدول، يظلون “موضوعاً مشروعاً للنقد وللمعارضة السياسية”.
والعديد من أولئك الذين سجنوا في حملة القمع المستمرة هم من سجناء الرأي الذين استهدفوا حصراً لمجرد ممارستهم السلمية حقهم في التعبير عن أنفسهم بحرية.
ويواجه بعض النشطاء العديد من التهم، ويغرقون في عدة دعاوى قضائية مكلفة، حيث يخضعون لإجراءات قضائية وأحكام بالسجن على أساس دوري. ويمكن لإجراءات المحكمة أحياناً أن تمتد لفترات طويلة -وأحياناً سنوات – نتيجة للتأخيرات المعتادة وتأجيل المحاكمات.
ومضى جيمس لينش إلى القول: “لقد لجأت السلطات إلى شبكة معقدة من القوانين في مسعاها لخنق حرية التعبير في البلاد.
“والعديد من النشطاء يجدون أنفسهم أسرى لإجراءات روتينية لا نهاية لها، كما يبدو، وهي جزء من استراتيجية حكومية متعمدة لإرهاق النشطاء السلميين وإجبارهم على الاستسلام دون ضجيج بسبب الإحباط، بينما يشكلون أمثولة للآخرين كي لا يطرحوا آراءهم.”
وخير مثال على هذه الظاهرة قضية مسلم البراك، النائب المعارض السابق والناقد الصريح للحكومة. فهو يقضي حكماً بالسجن لمدة عامين بتهم مختلفة بينها تقويض سمعة أمير البلاد وإهانته، بعد إلقائه خطاباً انتقد فيه السلطات. ففي فترة من العام الماضي، كان يواجه 94 ملاحقة جنائية منفصلة في وقت واحد، في محاولة واضحة من قبل السلطات لمضايقته وتخويفه بهدف إسكاته.
وألقي القبض على مجموعة من 67 شخصاً شاركوا في مظاهرة سلمية للتعبير عن التضامن معه، في أبريل/نيسان 2013، مرددين ما جاء في خطابه، حيث فرقت قوات الأمن المظاهرة، واتهموا في وقت لاحق “بإهانة الأمير”.
ويذهب القانون الكويتي إلى حد تجريم استخدام وسائل محددة لإيصال رسائل “مهينة”. ويتيح قانون جديد خاص بجرائم الإنترنت-أو الجرائم الإلكترونية -سيدخل حيز النفاذ في مطلع 2016، للسلطات خيارات ممكنة أخرى لملاحقة المنتقدين بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم عبر الإنترنت. وتدعو منظمة العفو الدولية الحكومة إلى مراجعة هذا القانون على وجه السرعة وتأجيل تطبيقه.
وفي 9 ديسمبر/كانون الأول، ذكّر حساب وزارة الداخلية على “تويتر” مستخدمي الموقع في الكويت بضرورة الالتزام “الآداب العامة وقوانين البلاد” عند استخدام “تويتر”، محذراً إياهم من أنه لن يكون هناك أي تهاون في تطبيق القانون على “كل ما يلحق الضرر بالبلاد”.
بدل القبض على منتقديها كمجرمين، ينبغي على السلطات الكويتية أن تثبت جديتها في احترام حقوق الإنسان عن طريق الإفراج على وجه السرعة عن جميع سجناء الرأي.
جيمس لينش
ومن بين الذين سجنوا بسبب تجاوز هذه القوانين عبد الله فيروز، أحد المدافعين عن حقوق الإنسان والناشط السياسي، الذي حكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بسبب تغريدة له نشرها على الإنترنت منذ أكثر من عامين، وقال فيها إنه لا ينبغي لأحد أن يكون محصناً من المقاضاة لمجرد أنه يقيم في قصر أميري.
وحكم على رنا السعدون بالسجن لمدة ثلاث سنوات، في يونيو/حزيران 2015، لنشرها خطاب مسلم البراك على موقع “يوتيوب”. وهي حالياً بصدد استئناف الحكم الصادر بحقها.
وأثناء استعراض سجل الكويت في مجال حقوق الإنسان من قبل “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة، في يونيو/حزيران 2015، وعدت الحكومة الكويتية بقبول تسع توصيات محددة تلزمها باحترام المعايير الدولية المتعلقة بحرية التعبير. وحتى الآن، ليس ثمة دليل على أن هذه الالتزامات قد تحققت.
واختتم جيمس لينش بالقول: “بدل القبض على منتقديها كمجرمين، ينبغي على السلطات الكويتية أن تثبت جديتها في احترام حقوق الإنسان عن طريق الإفراج على وجه السرعة عن جميع سجناء الرأي، وإلغاء القوانين المستخدمة في تضييق الخناق على حرية التعبير، أو إعادة النظر فيها، والوفاء بالتزاماتها الدولية في مضمار حقوق الإنسان”.