الهجمات المميتة تهدد حقوق الإنسان في تونس

بقلم القسم الإعلامي لمنظمة العفو الدولية، المسؤول الصحفي لإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية- تونس

بعد الهجوم الانتحاري على حافلة تقل أفراداً من “الحرس الرئاسي”، وسط تونس العاصمة الليلة الماضية، بدأت الحياة في العاصمة تعود إلى طبيعتها اليوم. الشوارع تعج بالناس المتوجهين إلى عملهم، والأطفال في طريقهم إلى المدرسة، وحشود من الركاب في حافلات الترام الخضراء المتنقلة عبر الشوارع المزدحمة.

ولكن ليس هناك شك في أن تفجير أمس، الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 12 من أفراد قوات الأمن وجرح 20، في قلب العاصمة، قد هزت تونس في الصميم. فهذا الهجوم هو الأول من نوعه الذي يستهدف قوات الأمن في أحد الشوارع الرئيسية في المدينة، على مقربة من منطقة تضم المباني الوزارية، وفي أوج ساعة الذروة. أما الرئيس، الباجي قائد السبسي،  فقد أعلن في خطاب كئيب للأمة الليلة الماضية، حالة الطوارئ مدة 30 يوماً، للمرة الثانية هذا العام. وفرض حظر التجول ليلاً في العاصمة حتى إشعار آخر.

 أما عروض الأفلام في مهرجان قرطاج السينمائي السنوي، التي استقطبت مخرجين وممثلين من مختلف أنحاء العالم العربي وأفريقيا هذا الاسبوع، فألغيت لتلك الليلة. وكان فريق بحوث منظمة العفو الدولية بشؤون تونس وصل إلى تونس لإقامة فعالية لإشهار تقرير عن العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بمناسبة “اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة”، لكن المنظمة قررت تعليق نشاطها في ضوء الهجوم الأخير.

ليس هناك شك في أن تفجير أمس، الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 12 من أفراد قوات الأمن وجرح 20، في قلب العاصمة، قد هزت تونس في الصميم

سارة حشاش، المسؤول الصحفي لإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية

أهم شاغل للدولة التونسية اليوم هو الحفاظ على الأمن ومكافحة الإرهاب. ففي الوقت الراهن، لا بد لبواعث القلق المتعلقة بحقوق الإنسان، مثل العنف ضد المرأة، التراجع لشغل المقعد الخلفي. وتحت شعار “معاً ضد الإرهاب”، الذي جرى بثه مراراً على شاشات التلفزيون إلى جانب أشرطة الفيديو العسكرية  تظهر قوة وصمود تونس. بينما يطالب المواطنون التونسيون العاديون برد قوي على التهديد الذي تمثله الجماعة المسلحة التي تطلق على نفسها اسم “الدولة الإسلامية” والجماعات المماثلة.

هذا في حين لا تزال البلاد تعاني من آثار اثنتين من الهجمات الكبرى القاتلة التي وقعت في وقت سابق من العام الحالي. ففي مارس/اذار، هاجم مسلحون “متحف باردو”، في تونس العاصمة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 20 شخصاً، معظمهم من السياح الأجانب. وبعد ثلاثة أشهر، في يونيو/حزيران، فتح مسلح النار على المصطافين في “منتجع الشاطئ”، في سوسة، مما أسفر عن مقتل 38 شخصاً. وأعلنت حالة الطوارئ في 4 يوليو/تموز، ولم ترفع إلا في مطلع أكتوبر/تشرين الأول.

بعد وقت قصير من هذين الهجومين، اعتمد قانون جديد لمكافحة الإرهاب جرى تمريره على وجه السرعة من خلال البرلمان. ويتضمن القانون سلسلة من الفقرات الإشكالية: فهو يوسع صلاحيات المراقبة من جانب قوات الأمن، ويمكِّن السلطات من تقييد حرية التعبير، ويسمح باحتجاز الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم تتصل بالإرهاب بمعزل عن العالم الخارجي لمدة 15 يوماً من دون استشارة محام أو الاتصال بذويهم، ويزيد من خطر التعرض للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة.

كثيراً ما يستشهد بتجربة تونس باعتبارها واحدة من “قصص نجاح” انتفاضات 2011 في العالم العربي. وفي 2014، تبنت البلاد دستوراً نص على ضمانات مهمة لحقوق الإنسان. ومنحت رباعية الحوار الوطني التونسية “جائزة نوبل للسلام” لهذا العام على عملها لإبعاد البلاد عن شفا أزمة سياسية من خلال المفاوضات.

بينما ينظر العديد من التونسيين العاديين إلى المدافعين عن حقوق الإنسان المخضرمين في البلاد باعتبارهم عقبة أمام جهود البلادفي مكافحة الإرهاب بحزم. ولكن ليس ثمة ما يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة من هذا – فهؤلاء إنما يدافعون عن الحقوق الأساسية التي لا مناص منها لدعم سيادة القانون في تونس. وينبغي أن لا يكون هناك رد فعل عنيف ضد المدافعين عن حرية التعبير والحريات المدنية في أعقاب الهجوم الأخير.

إن حالة الطوارئ التي أعلنت تعطي الحكومة، مرة أخرى، صلاحيات واسعة لتكبيل حقوق الإنسان. ففي آخر مرة تم فيها إعلان حالة الطوارئ، حظرت السلطات المظاهرات في جميع أنحاء البلاد، واستخدمت القوة المفرطة لتفريق المحتجين.

 وهناك بالفعل بعض الدلائل على أن حرية التعبير، وهي حق دستوري، تتعرض للتهديد. ففي الأسبوع الماضي، أقيل رئيس التلفزيون الحكومي في تونس بعد بث صور لرأس الراعي الشاب، مبروك سلطاني، الذي قطع في جريمة إرهابية بشعة، تبناها أعضاء في جماعة مسلحة موالية لتنظيم “الدولة الإسلامية”، في سيدي بوزيد، يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني. وأصدرت وزارة العدل التونسية بياناً بعد ذلك بوقت قصير يحذر من أن الصحفيين الذين يبثون أو يروجون مثل هذه الصور يمكن أن يحاكموا بتهمة تقويض جهود البلاد لمكافحة الإرهاب.

لتحدي الماثل أمام السلطات الآن هو عدم العودة إلى نمط القمع وانتهاكات حقوق الإنسان الذي انتفض ضده التونسيون قبل نحو خمس سنوات.

سارة حشاش

وأعلن “مراسلون بلا حدود“، اليوم أيضاً، أن 30 من الصحفيين الذين وصلوا الى مكان التفجير الليلة الماضية تعرضوا للضرب والاعتداء اللفظي، أو أتلفت معداتهم من قبل رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية، في إشارة أخرى إلى أن الحق في الإخبار المستقل – وحق الجمهور في الحصول على المعلومة – في خطر.

إن ثمة خطراً حقيقياً، عندما يجري تعليق الحياة الطبيعية وتقليص الحريات المدنية، من أن حقوق الإنسان الأخرى ستعاني أيضاً.ويتعين على الحكومة التونسية أن تقر بأن ليس هناك حق يتقدم على الآخر. صحيح أن من واجب الدولة حماية الحق في الحياة والأمن للمواطنين، ولكن دون أن يجري التخلي عن حقوق الإنسان والحريات المدنية. والتحدي الماثل أمام السلطات الآن هو عدم العودة إلى نمط القمع وانتهاكات حقوق الإنسان الذي انتفض ضده التونسيون قبل نحو خمس سنوات.