اليوم الوطني لحقوق الإنسان في الصومال فرصة لتعزيز المساءلة

بقلم باتريك ك. مبوجيو باحث في الشأن الصومالي بمنظمة العفو الدولية

مع احتفال الصومال باليوم الوطني لحقوق الإنسان اليوم، يتوجب على كل من الحكومة الصومالية الاتحادية والمجتمع الدولي اغتنام الفرصة لوضع مسألة حقوق الإنسان والمساءلة بصورة فعالة في قلب جهود الصومال لإعادة البناء، والبدء في تمهيد الطريق نحو الكشف عن الحقيقة وإقامة العدل ورد الاعتبار للضحايا؛ فهذه الجهود لا غني عنها لبناء السلام.

وكان قد تم الإعلان عن اليوم الوطني لحقوق الإنسان في الصومال في أغسطس/آب 2013 في إطار الجهود المحلية والدولية للتصدي للتحديات العديدة التي تواجهها الصومال في مجال حقوق الإنسان. وترافق الإعلان عن هذا اليوم مع تطورات إيجابية أخرى منذ انقضاء ولاية الحكومة الاتحادية الانتقالية وتأسيس الحكومة الاتحادية في عام 2012، مثل وضع الضمانات الدستورية لحماية حقوق الإنسان وإنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان ووزارة المرأة وحقوق الإنسان.

لا تزال الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان متفشية، بينما تعجز الحكومة الاتحادية عن الوفاء التام بالتزاماتها التي يوجبها القانون الدولي.

باتريك ك. مبوجيو باحث في الشأن الصومالي بمنظمة العفو الدولية

وعلى الرغم من هذه التطورات الإيجابية لا تزال الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان متفشية، بينما تعجز الحكومة الاتحادية عن الوفاء التام بالتزاماتها التي يوجبها القانون الدولي. فمن ناحية، نجد أن استمرار الحرب الأهلية الطويلة التي امتدت ثلاثة عقود حتى الآن، مع تواصل انتهاك القانون الإنساني الدولي لا زال يطال السكان المدنيين دونما تمييز. ومن ناحية أخرى، لا تزال المؤسسات في الصومال ضعيفة ولا تزال انتهاكات حقوق الإنسان، مثل عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والقيود غير المشروعة على حرية التعبير والقمع السياسي، منتشرة وتمر في أغلب الأحيان دون عقاب.

وقد تغيرت اللاعبون الأساسيون وتغيرت أهدافهم وأساليب الحرب إلى جانب طرق تمويلها على مر السنين. وفي المرحلة الحالية نجد على الساحة تنظيم “الشباب”، وهي جماعة إسلامية مسلحة، والجيش الوطني الصومالي التابع للحكومة الاتحادية والذي تدعمه بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال وقوامها 22 ألف فرد.

يشار إلى أنه في العامين الأخيرين شاعت رواية عودة السلام والأمن إلى مناطق عديدة بوسط وجنوب الصومال، وهي الرواية التي يقف وراءها التصور بأن قوات الجيش الوطني الصومالي وبعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال أنزلت خسائر فادحة بالشباب وطردت تلك الجماعة المسلحة خارج العديد من المناطق.

وقد دفعت هذه الرواية بعض البلدان مثل المملكة العربية السعودية وكينيا والسويد وهولندا والنرويج والمملكة المتحدة والدانمارك إلى محاولة إرغام اللاجئين الصوماليين على العودة إلى جنوب ووسط الصومال. إلا أن العودة الإجبارية تمثل انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان واللاجئين.

فمع احتفال الصومال باليوم الوطني لحقوق الإنسان يجب إيلاء الاهتمام لقدرة الحكومة الاتحادية وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال على ضمان الاحترام الكامل والحماية الكاملة لحقوق الإنسان، بما في ذلك إقامة العدل ورد الاعتبار بصورة كافية للضحايا.

باتريك ك. مبوجيو

مما لا شك فيه أن قوات الجيش الوطني الصومالي وبعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال قد أحكمت قبضتها على البلاد وأخرجت “الشباب” من مناطق كثيرة؛ إلا أن الواقع أكثر تعقيدا من ذلك. فقد اطلعت منظمة العفو الدولية على تقارير عن ارتفاع معدل انتهاكات القانون الإنساني الدولي وانتهاكات حقوق الإنسان من جانب كافة أطراف الصراع، بما في ذلك الجيش الوطني الصومالي التابع للحكومة الاتحادية، وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال ومختلف الجماعات المسلحة مثل “الشباب” و”أهل السنة والجماعة” في مناطق جلموجود وهيران، إلى جانب رأس كامبوني في جوبالاند.

وتتضمن تلك الانتهاكات أعمال القتل العشوائي والاستهداف المباشر للمدنيين وتجنيد الأطفال والاغتصاب والاستغلال الجنسي، وكلها أمور تمثل خرقا للقانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدولي.

وقد أفادت منظمات المجتمع الدولي بنزوح الآلاف من ديارهم داخل الصومال بسبب الحملة العسكرية الحالية التي يشنها الجيش الوطني الصومالي وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، ووثقت إصابة ومقتل المدنيين في خضم الصدامات المسلحة والهجمات الانتحارية بالقنابل اليدوية والعبوات الناسفة بدائية الصنع والاستهداف المباشر. وتبين التقارير الإعلامية أن التفجيرات التي استهدفت المباني الرئيسية مثل قصر الرئاسة ومبنى البرلمان في منتصف عام 2014 أدت إلى جرح وقتل العشرات من المدنيين.

إضافة إلى ذلك، لا تزال الجماعات المختلفة تجند الأطفال في الصراع، حسبما تم توثيقه في تقرير صدر عن الأمم المتحدة في الخامس من يونيو/حزيران 2014. كما وثقت منظمات أخرى من منظمات المجتمع المدني الاستغلال الجنسي والاغتصاب الذي يتعرض له النازحون الداخليون والنساء الصوماليات من جانب كل من الجماعات المسلحة وبعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال.

بالتوازي مع ذلك، تبقى الحكومة الاتحادية غير قادرة على دعم مؤسسات الدولة في مناطق عديدة بالبلاد من أجل ضمان الاحترام الكامل والحماية الكاملة لحقوق الإنسان. ومن ثم فإن قمع معارضي الحكومة ومنتقديها، والقيود غير المشروعة على حرية التعبير، والاعتداء على الصحفيين واستمرار عقوبة الإعدام عقب محاكمات لا تفي بالمعايير الدولية ليست إلا أمثلة للانتهاكات المتفشية لحقوق الإنسان في البلاد.

إلا أن كل هذه الانتهاكات للقانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدولي تقع دونما عقاب.

ولذلك فمع احتفال الصومال باليوم الوطني لحقوق الإنسان يجب إيلاء الاهتمام لقدرة الحكومة الاتحادية وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال على ضمان الاحترام الكامل والحماية الكاملة لحقوق الإنسان، بما في ذلك إقامة العدل ورد الاعتبار بصورة كافية للضحايا.

وجدير بالذكر أن بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في الصومال تتمتع بصلاحية رصد انتهاكات حقوق الإنسان أو انتهاكات القانون الإنساني الدولي في الصومال ومنع وقوعها والتحقيق فيها والإبلاغ عنها. وعلى الرغم من أن هذه البعثة وضعت برنامجا تدريبيا للجيش الوطني الصومالي وبعثة الاتحاد الافريقي لحفظ السلام في الصومال طبقا لقرار مجلس الأمن رقم 2124، فإنها لا زالت بحاجة لتحسين هذا البرنامج ودعم عمليات المراقبة التي تقوم بها للإسهام في منع وقوع انتهاكات حقوق الإنسان.

ويجب على كافة أطراف الصراع الكف عن انتهاك حقوق الإنسان، بما في ذلك استهداف المدنيين والعنف الجنسي وتجنيد الأطفال. ومن الضروري أن تعمل الحكومة الاتحادية وبعثة الاتحاد الأفريقي على ضمان إقامة العدل وضمان إجراء تحقيقات مستقلة ومحايدة وفعالة في انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة كل المسئولين عنها وتقديم التعويضات الكافية لجميع الضحايا. وفضلا عن ذلك، يجب على الصومال اتخاذ الخطوات الملائمة نحو إلغاء عقوبة الإعدام.

إن اليوم الوطني لحقوق الإنسان لهو فرصة سانحة لتسليط الضوء على التزامات الصومال في مجال حقوق الإنسان، والبدء في إجراءات تضمن الحق في الكشف عن الحقيقة وإقامة العدل وتعويض الضحايا كافة.