تصاعد العنف الطائفي المميت- بعد مرور عام على الهجوم الشرس لتنظيم “الدولة الإسلامية” على العراق

لقد كُشف النقاب عن النطاق الكامل لحالة الرعب التي اجتاحت العراق في خريطة أحداث تفاعلية تنشرها منظمة العفو الدولية اليوم. وقد تضمنت خريطة الأحداث تفاصيل المحنة التي تعرَّض لها المدنيون العراقيون الذين علقوا في براثن الجرائم الرهيبة المتصاعدة على نحو مميت التي ارتُكبت على أيدي الجماعة المسلحة التي تطلق على نفسها اسم “الدولة الإسلامية” والهجمات الانتقامية الوحشية من جانب الحكومة العراقية والمليشيات الشيعية المهيمنة المدعومة حالياً من قِبلها.

وضمن خريطة الأحداث هذه تنشر المنظمة تقريريْن موجزيْن يحتويان على النتائج التي توصلت إليها بشأن مجزرتيْن نُفذتا في يناير/كانون الثاني 2015 انتقاماً من تنظيم الدولة الإسلامية على الجرائم التي ارتكبها على ما يبدو، وهما: المجزرة التي ذهب ضحيتها على الأقل من 57(ويحتمل أكثر من 70)من العرب السنة في بروانة، وهي قرية في محافظة ديالى، على أيدي المليشيات الشيعية والقوات الحكومية، ومقتل 21 قروياً من العرب السنة في منطقة سنجار على أيدي المليشيات الأيزيدية.

وقالت دوناتيلا روفيرا، كبيرة مستشاري منظمة العفو الدولية لشؤون الأزمات، التي أمضت ردحاً كبيراً من العام المنصرم في العراق ، حيث قامت بتوثيق جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان: “لقد ظل العراق غارقاً في حالة من العنف المتصاعد منذ أن اجتاحت قوات تنظيم الدولة الإسلامية أجزاء واسعة من البلاد قبل عام. وقوبلت الجرائم البشعة التي اقترفها التنظيم بهجمات طائفية متنامية من قبل المليشيات الشيعية، التي تنتقم من التنظيم على جرائمه باستهداف العرب السنة.”

لقد ظل العراق غارقاً في حالة من العنف المتصاعد منذ أن اجتاحت قوات تنظيم الدولة الإسلامية أجزاء واسعة من البلاد قبل عام. وقوبلت الجرائم البشعة التي اقترفها التنظيم بهجمات طائفية متنامية من قبل المليشيات الشيعية، التي تنتقم من التنظيم على جرائمه باستهداف العرب السنة.

دوناتيلا روفيرا، كبيرة مستشاري منظمة العفو الدولية لشؤون الأزمات، التي أمضت ردحاً كبيراً من العام المنصرم في العراق ، حيث قامت بتوثيق جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان:

وأضافت تقول: “ونظراً لأن الجناة ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية والمليشيات الشيعية القوية، ممن لا تطال يد القانون معظمهم، فإن المدنيين لايجدون من يلجأون إليه لحمايتهم، ولا يستطيع الضحايا الوصول إلى العدالة.”

ومنذ استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل، ثاني كبريات المدن العراقية، في 10 يونيو/حزيران 2014، أطلق التنظيم العنان لموجة من الرعب، حيث نفذ عمليات قتل جماعي ميداني وعنف جنسي واختطاف وتعذيب- مستهدفاً الشيعة والأقليات الدينية والعرقية.

وقالت دوناتيلا روفيرا: “إن خريطة الأحداث تسلط الضوء على ارتكاب حجم هائل من العنف المروع على أيدي جميع الأطراف، مما أدى إلى تصعيد وتيرة التوترات الطائفية، وحصد عدد ضخم لا يمكن تصوُّره من أرواح المدنيين من المجتمعات كافة، وكتابة فصل أسود في تاريخ العراق.”

ففي إحدى تلك الهجمات في قرية بروانة، وصفت عشرات النساء والفتيات لمنظمة العفو الدولية كيف قُبض على أقربائهن وجيرانهن الذكور من منازلهم وقُتلوا بالرصاص بدم بارد في 26 يناير/كانون الثاني 2015 على أيدي أفراد من المليشيات الشيعية والقوات الحكومية. وقد عُثر على جثثهم ملقاة على قارعة الطرق حول القرية، وهم مقيدو الأيدي ومعصوبو الأعين، الأمر الذي يشي بأنهم ذهبوا ضحايا لعمليات إعدام ميداني تصل إلى حد جرائم الحرب.

قالت ناديا، التي كان زوجها ونجلها وصهرها من بين القتلى في ذلك الهجوم: “انتشرت الجثث في كل مكان. كانت هناك عشرات وعشرات منها، بعضها قرب مقلب النفايات، وبعضها الآخر في أحد الحقول. لا يمكن أن أنسى ذلك المشهد: رؤوس فُجرت وأجساد كُوِّرت وبرك من الدماء سالت. وقد شاهدها الأطفال كذلك. ولا تزال الصرخات تتردد في رأسي. كان مشهداً لا يمكن تـخيُّله.”

وذكر آخرون من السكان كيف تنقَّل رجال مسلحون يُعتقد أنهم من مليشيا بدر- وهي واحدة من أقوى المليشيات في العراق- من بيت إلى بيت، واقتادوا الرجال، لكن من دون تفتيش المنازل أو استجواب الأقارب. وكان معظم القتلى شباب تتراوح أعمارهم بين 20 و 40 عاماً، بينهم أطفال وشيوخ.

وكان من بين القتلى صبي في السابعة عشرة من العمر وشقيقه البالغ من العمر 21 عاماً، وهو متزوج وله طفل وُلد حديثاً.

وقد وصفت والدتهما الهجوم لمنظمة العفو الدولية بالقول:

“سمعتُ أصوات إطلاق نار وصراخ. وعندما توقفتْ الأصوات خرجتُ من المنزل لأرى جثة ابني ملقاة بجانب مقلب النفايات…رأيتُ ثقباً كبيراً في رأسه ، وكان دماغه يسيل…لقد كان مجرد طفل، لم يتجاوز السابعة عشرة من العمر بعد.”

وقد حدثت المذبحة عقب مقتل أفراد من المليشيات الشيعية والقوات الحكومية الذين كانوا يقاتلون مجموعات من تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق المحيطة على مدى أسابيع، وهي تحمل بصمات هجوم انتقامي.

ومضت دوناتيلا روفيرا تقول: “يبدو أن الأشخاص الذين ارتكبوا المجزرة ذهبوا إلى القرية بقصد قتل رجال من العرب السنة؛ إذ أنهم لم يعمدوا إلى تفتيش منازل الضحايا أو استجواب أقربائهم.”

كما نفذت مليشيات شيعية، بدعم وتسليح من قبل الحكومة العراقية، هجمات مشابهة في شتى أنحاء العراق، حيث اختطفت وقتلت عشرات المدنيين السنة، مع الإفلات التام من العقاب، وفي بعض الحالات قامت بالتهجير القسري لمجتمعات سنية كاملة.

وعلى الرغم من الوعود التي قطعها الرئيس حيدر العبادي بفتح تحقيق في مذبحة بروانة، وبعد مرور ستة أشهر على وقوعها، ليس ثمة ما يشير إلى اتخاذ أية خطوات نحو إخضاع المسؤولين عن عمليات القتل للمساءلة.

ويوضح هجوم ثأري آخر وقع في منطقة سنجار العواقب المدمرة لحملة التطهير العرقي التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية ضد الأقلية الأيزيدية- التي اختُطف أفرادها بصورة جماعية في العام الماضي، حيث قُتل الرجال ميدانياً بالآلاف واغتُصبت النساء والفتيات وأُرغمن على الخضوع للاسترقاق الجنسي.

وفي هجوم انتقامي وقع في 25 يناير/كانون الثاني 2015، هاجم أفراد في مليشيا أيزيدية قريتين عربيتين، هما الجري والسيباية، وقتلوا 21 شخصاً من سكانهما ونهبوا المنازل وأحرقوها. ولم يسْلم منزل واحد في القرية. وكان أكثر من نصف عدد القتلى من المسنين أو الرجال العجزة أو النساء أو الأطفال. واختُطف 40 آخرون- لا يزال 17 شخصاً منهم في عداد المفقودين. وذكر السكان أن بعض أفراد البشمركة وقوات الأمن “أسايش” التابعة لحكومة كردستان العراق كانوا حاضرين في المكان في وقت الهجوم ، ولكنهم لم يحاولوا منعهم.

وقال والد ضحيتين، وهما صبي عمره 15 عاماً، وشقيقه البالغ من العمر 20 عاماً من قرية الجري، لمنظمة العفو الدولية إن ولديه أُرديا بالرصاص وأُلقي بجثتيهما بالقرب من قرية أيزيدية. كما أُطلقت أربع رصاصات على شقيقهما الأصغر، البالغ من العمر 12 عاماً، أصابته في ظهره وصدره ويده ورجله، ولكنه نجا بأعجوبة.

ووصفت نهلة، البالغة من العمر 34 عاماً، وهي أم لخمسة أطفال من قرية الجري، كيف أُردي زوجها ونجلها بالرصاص بدم بارد، وكيف نجا طفلها بأعجوبة- عندما اخترقت رصاصة البطانية التي كانت تلفه بها وهي تحمله بين ذراعيها.

وفي قرية السيباية المجاورة، كان معظم الذين قُتلوا من المسنين أو الرجال والنساء ذوي الإعاقات وغير القادرين على الهرب.كما قُتل طفلان في ذلك الهجوم.

وقال أحد الرجال واصفاً كيف قُتل والده البالغ من العمر 66 عاماً وهو في كرسيه المتحرك: “لم نكن نتخيل أن يعمد المهاجمون إلى استهداف المسنين والمرضى، ولكنهم فعلوا .”

وقالت دوناتيلا  روفيرا: “إن من المثير للقلق العميق أن نرى أفراداً من الطائفة الأيزيدية الذين عانوا الأمرَّين على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية باتوا، هم أنفسهم، يرتكبون مثل تلك الجرائم الوحشية.”

وأضافت تقول: “إن هذه المحاولات الموجهة خطأً لتطبيق العدالة بأيديهم والانتقام من مجتمعات بأكملها، لم تؤدِّ إلا إلى وقوع المزيد من المآسي والمعاناة في صفوف المدنيين.”

وفي الوقت لذي حاولت فيه سلطات إقليم كردستان العراق وقوات البشمركة إبقاء المجتمعيْن الأيزيدي والعربي منفصليْن عن بعضهما بعضاً بهدف منع وقوع المزيد من الهجمات، يبدو أنه لم يجر أي تحقيق في الهجمات التي استهدفت قريتي الجري والسيباية.

ومضت دوناتيلا تقول: “إذا ألقينا نظرة إلى الوراء على المجازر والفوضى التي وقعت خلال السنة التي بسط فيها تنظيم الدولة الإسلامية سيطرته على المنطقة، فإن الصورة التي نراها هي صورة عراق محطم بشكل أكبر ومقسَّم على نحو أشد مرارة من أي وقت مضى، وفصائل متصارعة مصمِّمة على تدمير بعضها بعضاً بلا هوادة، وبدون أدنى اهتمام بالتمييز بين المقاتل والمدني.”

ويتعين على السلطات العراقية أن تبذل كل ما في وسعها من أجل نزع فتيل التوترات الطائفية، وذلك عن طريق تقديم الجناة إلى ساحة العدالة بلا تمييز. وينبغي أن يعرف الضحايا أن الأشخاص الذين يرتكبون جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ستتم مساءلتهم كأفراد- بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو منصبهم. وما لم يتم وضع حد للإفلات من العقاب، سيظل المدنيون العراقيون عالقين في حلقة مميتة من العنف الطائفي، حيث يدفع الثمنَ مجتمعات بأكملها وليس الجناة الأفراد على وجه التحديد.”