تعاظم مخاطر تشييد مشاريع بطولة كاس العالم على أنقاض الإساءة مع تقاعس قطر عن إنجاز الإصلاحات الموعودة

في تقرير جديد تنشره اليوم، قالت منظمة العفو الدولية أن الأمل بتحقيق تقدم بدأ يتلاشى بسرعة بعد عام على تعهد الحكومة القطرية بإجراء إصلاحات محدودة في مجال حقوق العمالة المهاجرة.

ويورد التقرير المعنون “وعود كثيرة وإنجازات متواضعة: قطر والانتهاكات المرتكبة بحق العمالة المهاجرة قبيل تنظيم بطولة كأس العالم 2022“، سجل أداء يصنف طبيعة استجابة السلطات لتسع مسائل اساسية في مجال حقوق العمال المهاجرين سبق لمنظمة العفو الدولية وأن حددتها آنفاً. وبعد عام، تم إحراز تقدم متواضع على صعيد خمسةٍ من تلك المجالات فيما تقاعست السلطات عن إدخال أية تحسينات على أربع مجالات أخرى.

“وبهذه المناسبة، قال الباحث في شؤون العمال المهاجرين في الخليج بمنظمة العفو الدولية، مصطفى قادري: “لقد خذلت قطر العمال المهاجرين. إذ قطعت الحكومة العام الماضي وعوداً على صعيد تحسين حقوق العمالة المهاجرة في قطر، ولكن لم يتم إحراز أي تقدم ملموس على أرض الواقع فيما يتعلق بحماية حقوقهم”.

وعلى مدار 12 شهرا خلت، لم نشهد إدخال تغييرات كثيرة على القوانين والسياسات والممارسات الخاصة بما يربو على 1.5 مليون عامل مهاجر في قطر، ليظل هؤلاء تحت رحمة كفلاؤهم وأرباب عملهم. فلم يتم إحراز أي تقدم بتاتاً على صعيد مسائل هامة من قبيل تصريح السفر (كفالة الخروج) والقيود المفروضة على تغيير رب العمل بموجب نظام الكفالة، وأشكال الحماية المتاحة لعاملات المنازل وحرية تشكيل النقابات العمالية أو الانضمام إليها.

يتعين على الفيفا أن يعمل عن كثب مع الحكومة القطرية واللجنة العليا لقطر 2022 المسؤولة عن تنظيم البطولة وكبريات الشركات المنفذة لمشاريع البطولة وغيرها من الجهات الشريكة من أجل الحيلولة دون ارتباط الانتهاكات ببطولة كاس العالم لكرة القدم

مصطفى قادري، الباحث في شؤون العمال المهاجرين في الخليج بمنظمة العفو الدولية

وأضاف مصطفى قادري قائلاً: “يلقي غياب خارطة طريق واضحة للأهداف والقواعد المعيارية الخاصة بالإصلاح بظلال خطيرة من الشك على مدى التزام قطر بالتصدي للإساءة التي تتعرض العمالة المهاجرة لها. وفي ظل غياب التحرك العاجل على هذا الصعيد، ثمة خطر بأن يتم اعتبار ما تعهدت به قطر العام الماضي مجرد حركة بهلوانية في مجال العلاقات العامة تهدف إلى ضمان عدم خسارة هذه الدولة الخليجية لفرصة تنظيم بطولة كاس العام 2022”.

 وفي 29 مايو/ ايار الجاري، يتأهب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لانتخاب رئيس جديد له. وثمة مسؤولية واضحة ملقاة على عاتق الاتحاد بصفته الجهة المسيرة لشؤون اللعبة في العالم، ولا بد له أن يدرج مسألة استغلال العمال المهاجرين في قطر على قائمة أولوياته، ويتعين عليه أن يدعو السلطات القطرية علناً ووراء الكواليس إلى تنفيذ إصلاحات فعالة تهدف إلى حماية حقوق العمالة المهاجرة.

وقال مصطفى قادري: “خصص الاتحاد الدولي لكرة القدم الكثير من الوقت وأنفق أموالاً طائلة واستثمر سياسياً في التحقيق بمزاعم وجود شبهة فساد في عملية منح روسيا وقطر حق تنظيم البطولتين القادمتين، ولا زال الاتحاد يعاني الأمرّين للبت في مواعيد إقامة المباريات في قطر، ولكنه لما يبرهن بالشكل الكافي بعد على وجود التزام جدي لديه بما يكفل عدم إقامة بطولة قطر 2022 على أسس من الاستغلال والإساءة”.   

وأردف قادري القول أنه “يتعين على الفيفا أن يعمل عن كثب مع الحكومة القطرية واللجنة العليا لقطر 2022 المسؤولة عن تنظيم البطولة وكبريات الشركات المنفذة لمشاريع البطولة وغيرها من الجهات الشريكة من أجل الحيلولة دون ارتباط الانتهاكات ببطولة كاس العالم لكرة القدم”.

ولا زال أهم الإصلاحات التي تعهدت الحكومة بإنجازها العام الماضي قيد التنفيذ، حيث لا زال العمل جارياً ففي مجال استحداث نظام إلكتروني للأجور يكفل تغيير طريقة استلام العمال المهاجرين لرواتبهم. إذ لا زال الكثير من العمال الذين أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات معهم في الأشهر الماضية يشكون من تأخر أرباب العمل في دفع الأجور أو امتناعهم عن دفعها كلياً.

الحقيقة أنه لم يتم فعل الكثير للتصدي لجذور هذه الشكل من أشكال الإساءة حتى بعد مضي أكثر من سنة ونصف السنة على كشف منظمة العفو الدولية النقاب عن انتشار الاستغلال بحق العمال المهاجرين.

مصطفى قادري

كما أخفقت قطر في تحقيق الهدف الذي حددته لنفسها والمتمثل بتوفير 300 مفتش عمالي مع نهاية العام 2014. وأُحرز تقدم محدود على صعيد التدابير التي تكفل تحسين معايير السلامة في مواقع الإنشاءات وتنظيم عمل وكالات الاستقدام الاستغلالية وتحسين إمكانية ضحايا الاستغلال العمالي من النفاذ إلى نظام العدالة والاحتكام إلى القضاء.

 وحتى لو افترضنا أنه قد تم إنجاز جميع الإصلاحات التي أعلنت قطر عنها في مايو/ أيار 2014، فلن تكون هذه التدابير مجتمعة كافية لأن تتصدى للأسباب الجذرية وراء الاستغلال الذي تتعرض العمالة المهاجرة له على نطاق واسع.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، كشف تقرير لمنظمة العفو الدولية عن انتشار الإساءة والاستغلال بحق عمال قطاع الإنشاءات بما يرقى إلى مصاف العمل القسري في بعض الحالات. وعلى الرغم من تكرار تعبير قطر منذ ذلك الحين عن رغبتها القوية في القضاء على هذه الإساءة، فلم تتغير الأحوال كثيراً بالنسبة لمعظم العمال المهاجرين.

وأجرت منظمة العفو الدولية خلال العام الحالي مقابلة مع أحد العمال القادمين من سري لنكا. وقال رانجيت أنه لم يتلقَ أجره منذ أن وطأت قدماه أرض قطر قبل خمسة أشهر. كما لم يحصل بعد على بطاقة الحالة المدنية (الهوية) أو نسخة من عقد العمل. ويقيم في مساكن مكتظة مخصصة للعمال بالمنطقة الصناعية تتسم بافتقارها للنظافة.

وقال رانجيت لمنظمة العفو الدولية: “كل ما اريده هو العمل وجني بعض المال كي أرسله إلى زوجتي وأطفالي، ولكنني لا أستطيع تغيير عملي بسبب كفيلي. ولو توجهت إلى الشرطة لألقت القبض علي وقامت بترحيلي كوني لا أحمل بطاقة مدنية”.

ويعلق مصطفى قادري قائلاً: “الحقيقة أنه لم يتم فعل الكثير للتصدي لجذور هذه الشكل من أشكال الإساءة حتى بعد مضي أكثر من سنة ونصف السنة على كشف منظمة العفو الدولية النقاب عن انتشار الاستغلال بحق العمال المهاجرين. وها نحن اقتربنا سنة أخرى من موعد إقامة بطولة كاس العام 2022 في قطر، وبدأ الوقت ينفد من أجل تنفيذ التغيرات المنشودة”.

واضاف قائلاً: “مع استمرار الطفرة العمرانية في قطر وتوقع زيادة عدد العمال المهاجرين فيها ليصل إلى2.5 مليون عامل وعاملة، تصبح الحاجة لتنفيذ الإصلاحات أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى”.

 وعوضاً عن القيام بالتحرك الضروري للتصدي لمسألة استغلال العمالة، تثير تصرفات السلطات القطرية مؤخراً أسئلة تتعلق بما يظهر أنه رغبة قطرية بالتغطية على أشكال الإساءة بدلاً من القضاء عليها.

وتعرض الصحفيون والعاملون في مجال حقوق الإنسان ممن قاموا بتغطية أخبار أوضاع العمالة المهاجرة في قطر للتوقيف والاستجواب من لدن السلطات. ففي الشهر الماضي وحده، تم توقيف صحفيين يقومون بتحقيقات منفصلة لصالح قناة WDR الألمانية وBBC حول مسألة استغلال العمال المهاجرين.

واختتم مصطفى قادري تعليقه قائلاً: “إن محاولة إسكات أصوات الذين يقومون بتوثيق ظروف العمال المهاجرين وأحوالهم من خلال توقيفهم أو ترهيبهم يرسل برسالة مفادها أن الحكومة مهتمة بالحفاظ على صورتها أكثر من مسألة التعامل مع الواقع المروع لعشرات الآلاف من النساء والرجال الذين يتعرضون للإساءة في قطر”