قالت منظمة العفو الدولية اليوم أن الضربات الجوية التي شنها الجيش الإسرائيلي ضد المباني البارزة مع اقتراب عملية الجرف الصامد من نهايتها في قطاع غزة خلال شهر أغسطس/ آب 2014 قد شكلت هجوما مباشرا ومتعمدا على المباني المدنية بما يجعلها ترقى إلى مصاف جرائم الحرب.
ويبرز التقرير المعنون “لا حصانة لشيء: تدمير إسرائيل للمباني البارزة في غزة” أدلة تثبت أن الهجمات التي استهدفت أربع بنايات متعددة الطوابق أثناء الأيام الأربعة الأخيرة من النزاع تخالف أحكام القانون الإنساني الدولي، ويدعو التقرير أيضا إلى التحقيق فيها بشكل مستقل ومحايد.
وفي معرض تعليقه على الموضوع، قال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، فيليب لوثر: “تظهر جميع الأدلة التي بحوزتنا أن الدمار واسع النطاق كان مقصودا وغير مبرر عسكريا”.
وأضاف لوثر قائلا: “تشير الحقائق على الأرض والتصريحات الصادرة عن الناطقين باسم الجيش الإسرائيلي في حينه إلى أن الهجمات جاءت كنوع من العقاب الجماعي لشعب قطاع غزة، وصُممت بحيث تلحق دمارا إضافيا بسبل أرزاقهم المزعزعة أصلا”.
وصحيح أن الجيش الإسرائيلي قد أنذر سكان البنايات المستهدفة بضرورة إخلائها قبيل تدميرها، إلا إن العشرات من سكان المباني المجاورة قد أُصيبوا، ودُمرت حياة المئات منهم جراء فقدانهم لمنازلهم ومحالهم التجارية ومقتنياتهم.
وفي جميع الحالات الأربع التي يوثقها التقرير، هُرع السكان المرعوبون لإخلاء البنايات دون أن يتمكنوا في معظم الحالات من حمل مقتنياتهم بما في ذلك الوثائق والوراق الثبوتية الهامة والمصوغات الذهبية ومدخراتهم.
وتحول المركز التجاري البلدي في رفح إلى هيكل من القضبان الحديدية والاسمنت بعد أن كان يضم مركزا للتسوق وموقفا للسيارات ومكاتب كثيرة وعيادة طبية. ويُذكر أن الأنشطة والمحال التجارية في هذا المركز قد وفرت فرص عمل شكلت مصدر رزق لمئات العائلات التي أصبحت تعيش عيشة الكفاف الآن.
ولم توفر السلطات الإسرائيلية أي معلومات حول الأسباب التي حملتها على تدمير البنايات الأربع باستثناء الإشارة إلى أن إحدى البنايات المدمرة كانت تضم مركز قيادة لحماس وأن بناية أخرى ضمت “مرافق متعلقة بالمقاتلين الفلسطينيين”.
وقال فيليب لوثر: “حتى لو كان بحوزة السلطات الإسرائيلية أسباب وجيهة تدفعها للاعتقاد بأن المبنى يُستخدم لأغراض عسكرية، فإن ذلك لا يعفي إسرائيل من واجب توخي الأساليب والوسائل التي تحرص على تقليص حجم الإصابات والأضرار أثناء شن الهجوم”. وأضاف لوثر قائلا: “لقد سبق للجيش الإسرائيلي وأن شن ضربات جوية استهدفت شققا سكنية بعينها تقع ضمن بنايات سكنية عالية دون أن تتسبب بتدميرها بأكملها”.
وأرسلت منظمة العفو الدولية نتائج بحوثها بشأن الضربات الجوية إلى السلطات الإسرائيلية وطلبت منها الحصول على إيضاح بشأن الأسباب الكامنة وراء كل هجوم من تلك الهجمات أو هوية الهدف أو الأشخاص المستهدفين في الهجوم والتدابير الاحتياطية المتخذة بغية تقليص حجم المخاطر المحدقة بالمدنيين ومعرفة إذا ما تم إجراء تحقيقات في تلك الهجمات أم أنها لا زالت جارية.
وتلقت المنظمة ردا من مراقب الدولة الذي يقوم بدور أمين ديوان المظالم؛ وقدم المراقب وصفا بسيطا لمحط تركيز التحقيق الذي يجريه في عملية الجرف الصامد. ولكن لم يردنا رد من السلطات التي سبق لها النظر في المسائل التي طرحتها المنظمة في أسئلتها الموجهة إلى إسرائيل.
ولقد حرصت منظمة العفو الدولية على توثيق ما ترتكبه إسرائيل وحركة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية المسلحة من انتهاكات للقانون الإنساني الدولي أثناء النزاع، وأعربت المنظمة عن إدانتها لمثل هذه الخروقات على الدوام. وفي الوقت الذي ركز فيه التقرير الحالي وسابقه الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني بعنوان “عائلات تحت الأنقاض: الهجمات الإسرائيلية على المنازل الخالية من سكانها” على فحص تفاصيل الهجمات الإسرائيلية، فثمة تقرير ثالث جاري الإعداد له يركز على الانتهاكات التي ارتكبتها حركة حماس.
وأما التحقيقات التي أجرتها القوات الإسرائيلية أو الفلسطينية في الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي أثناء النزاعات المختلفة في قطاع غزة وإسرائيل، فلا يمكن وصفها بالمستقلة أو الشاملة أو المحايدة حتى الآن.
وتدعو منظمة العفو الدولية إلى السماح للجنة التحقيق المستقلة التي شكلتها الأمم المتحدة بإجراء تحقيقاتها دون عقبات، وتناشد السلطات الإسرائيلية كي ترفع الحظر الذي تفرضه على دخول منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان إلى قطاع غزة.
واختتم فيليب لوثر تعليقه قائلا: “يجب أن يتم التحقيق في جرائم الحرب بشكل مستقل ومحايد مع ضرورة مقاضاة المسؤولين عن ارتكابها في سياق محاكمات عادلة. كما يستحق الذين دُمرت منازلهم ومصادر رزقهم بشكل غير مشروع أن تأخذ العدالة مجراها مع حصولهم على كامل التعويضات المستحقة”.