تناشد منظمة العفو الدولية الأطراف كافة كي تتوقف فورا عن قصف المناطق المدنية في طرابلس وبنغازي عقب الصدامات التي وقعت خلال الأسابيع الأخيرة هناك وتطورت إلى نزاعين مسلحين منفصلين. وتُعتبر مثل هذه الهجمات العشوائية التي توقع قتلى أو جرحى بين المدنيين بمثابة جرائم حرب.
تسبب القتال العنيف الدائر بين الجماعات والميليشيات المسلحة المتناحرة في المدينتين بمقتل 214 شخصا وجرح 891 آخرين، وذلك حسب الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة، هذا بالإضافة إلى إلحاق أضرار بالممتلكات المدنية. وابلغ العاملون في مجال الخدمات الطبية عن سقوط مدنيين بين القتلي والجرحى ، بما في ذلك النساء والأطفال.
وفي معرض تعليقه على الموضوع، قال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، فيليب لوثر: “برهنت الأطراف المتحاربة في طرابلس وبنغازي على تجاهلها المتعمد لسلامة المدنيين العاديين الذين وجدوا أنفسهم عالقين وسط القصف العشوائي الناجم عن استخدام أسلحة غير دقيقة التوجيه ما كان ينبغي استخدامها في المناطق السكنية أصلا”.
واضاف لوثر قائلا: “يُلزم القانون الدولي جميع أطراف النزاع ضرورة الامتناع بشكل كامل عن شن هجمات ضد المدنيين”.
هذا بالإضافة طبعا إلى الالتزام الذي يقتضي من الأطراف كافة الإحجام عن شن هجمات غير متناسبة تلحق الأذى بالمدنيين وعدم التقاعس عن محاولة التمييز بين المدنيين والمقاتلين.
وفي إحدى أكثر الحوادث مأوساوية، قُتل خمسة أفراد من نفس العائلة عندما اصاب صاروخ غراد منزلهم في صواني الواقعة على أطراف طرابلس بتاريخ 31 يوليو/ تموز الماضي. وسقطت بين القتلى نعيمة بهلول الداوة التي كانت في الشهر الثامن من حملها، عقب إصابتها بشظايا في منطقة البطن، ما تسبب بإجهاضها أيضا. كما قُتلت فتاة في العاشرة من عمرها عقب إصابتها في الرأس. كما جُرح في ذات الحادثة ثلاثة أفراد آخرين من العائلة بينهم صبي في الرابعة عشرة وامرأة في الستينات من عمرها.
وفي عدد من الحالات الأخرى، قُتل مدنيون وهم في منازلهم عقب قصف المباني السكنية. وتضمنت تلك الحالات مقتل رجل في الستين من عمره من قصر بن غشير بطرابلس في 20 يوليو/ تموز الماضي. وقبل يوم من ذلك التاريخ، قُتل الفتى أنس كمال الحرابي. كما أُبلغ عن مقتل عدد من المدنيين في بنغازي.
ويُذكر أن القصف العشوائي للمناطق السكنية في طرابلس وبنغازي كان كثيفا وشهد استخدام قذائف الهاون والمدفعية وصواريخ غراد ونيران المدافع المضادة للطائرات. ويُعتبر إطلاق هذا النوع من الأسلحة غير دقيقة التوجيه في المناطق السكنية وتسببها بوقوع قتلى وجرحى بين المدنيين بمثابة جرائم حرب. ويتعين على جميع أطراف النزاعين التوقف فورا عن شن الهجمات العشوائية وغير المتناسبة، ويجب على السلطات أن تفتح تحقيقات ناجزة ومستقلة في جميع المزاعم ذات المصداقية على صعيد ارتكاب جرائم حرب في هذين النزاعين.
وقال فيليب لوثر: “لقد برهنت الجماعات المسلحة المشاركة في القتال على تهورها تجاه المدنيين وممتلكاتهم في الأسابيع الأخيرة، وذلك من خلال إقدامها على شن هجمات عشوائية دون أن تلقي بالا إلى التبعات المدمرة التي تنطوي عليها مثل هذه الأفعال اللامسؤولة”.
وفي بنغازي وما حولها، اشتبك ائتلاف من الميليشيات الإسلامية والجماعات المسلحة، بما في ذلك جماعة أنصار الشريعة التي اُعيد تسميتها مؤخرا بمجلس شورى ثوار بنغازي، مع القوات المسلحة الموالية للواء خليفة حفتر منذ أواسط مايو/ أيار الماضي.
وفي طرابلس، تخوض الميليشات المتناحرة من الزنتان ومصراته وحلفاؤها على الجانبين قتالا للسيطرة على مطار طرابلس الدولي منذ 13 يوليو/ تموز الماضي.
وحمل القصف العشوائي للمناطق السكنية المحيطة بمطار العاصمة آلاف السكان على الفرار منها. واضطُر العديد منهم، بما في ذلك الديبلوماسيون الأجانب وعمال الإغاثة، إلى الفرار إلى تونس. وبحسب ما أفادت به المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن حوالي 30000 شخص قد عبروا الحدود باتجاه تونس خلال الأسبوع الماضي، غالبيتهم من العمال المصريين. ولقد أُغلق مطارا طرابلس وبنغازي جراء أعمال العنف المتصاعدة.
الأضرار التي لحقت بالمباني والبنية التحتية المدنيةوعلاوة على ارتفاع حصيلة القتلى بين المدنيين، أدى القصف المكثف إلى إلحاق أضرار جسيمة بالمباني والبنية التحتية المدنية في طرابلس وبنغازي.
فلقد تضررت العشرات من منازل المدنيين والمصانع والمساجد والمحال التجارية أو دُمرت في أحياء قصر بن غشير والأكواخ والكريمية وتلك الواقعة على طول طريق المطار في طرابلس. كما تعرضت المزارع للقصف ما أدى إلى نفوق الماشية في قصر بن غشير وفق ما أفادت السلطات المحلية به. وأُبلغ عن تعرض عشرات المنازل في المنطقة للنهب أو التخريب على أيدي العصابات الإجرامية. هذا، ويحظر القانون الدولي نهب الممتلكات الخاصة أثناء النزاع المسلح.
وتسبب الهجوم الذي تعرضت له ميليشيات الزنتان المسؤولة عن حماية مطار طرابلس الدولي منذ سقوط نظام العقيد القذافي إلى إلحاق الضرر بعدد من مبانيه والطائرات الرابضة على أرضه حسب ما افاد به مسؤولون حكوميون. ولقد تكرر استهداف المطار بالقصف باستخدام صواريخ غراد منذ 13 يوليو/ تموز الماضي. وفي الوقت الذي غادر فيه معظم المدنيين المقيمين في منطقة المطار خلال الأسبوع الأول من القتال، فلم يتمكن آخرون من المغادرة جراء القصف أو نقص الوقود الذي تعاني منه المدينة عموما.
وأبلغ سكان من طرابس عن نقص الغذاء وحليب الأطفال الرضع والأدوية اللازمة لعلاج الأمراض المزمنة جراء إغلاق الطرق في المناطق الجنوبية من المدينة.
كما شهدت مدينتا طرابلس وبنغازي انقطاع التيار الكهربائي جراء الأضرار التي لحقت بمحطة توليد الطاقة الكهربائية في بنغازي وخطوط نقل التيار الكهربائي في طرابلس عقب القصف.
كما تعرضت ثلاثة مرافق طبية لأضرار جراء القتال في طرابلس، فيما دُمر اثنين من مستودعات الأدوية هناك. كما تعرضت إحدى العيادات ومستودع للأدوية في بنغازي لأضرار جزئية جراء القصف أيضا. وأما عيادة العافية التي تُعد أكبر مستشفيات القطاع الخاص في طرابلس والتي تقع على بعد 3 كم من مطار المدينة، فلقد تعرضت لأضرار جزئية جراء إصابتها بأحد صواريخ غراد وتعرضها لإطلاق النار على المبنى بعد أن قامت إحدى الجماعات المسلحة بنصب قاعدة لها على بعد 200 متر من المستشفى، واستخدمتها لشن هجماتها على المطار. وقال العاملون هناك أنه تواجد في المستشفى ساعة القصف مئات الأشخاص بما فيهم العاملون والمرضى وزوارهم. وظلت العيادة مفتوحة لعلاج الجرحى من المقاتلين ومدنيي المنطقة قبل أن تُضطر إلى إغلاق أبوابها نهائيا في 17 يوليو/ تموز الماضي بعد أن أصابتها قذائف الهاون.
واختتم لوثر تعليقه قائلا: “يجب اتخاذ جميع التدابير الكفيلة بتفادي التسبب بمعاناة غير ضرورية للمدنيين. ولا يمكن أن يكون هناك تبرير أبدا للهجوم على أحد المرافق الطبية التي توفر الرعاية الحيوية”.