قالت منظمة العفو الدولية في تقرير جديد صدر اليوم إن أهالي آلاف المدنيين الأفغان الذين لقوا مصرعهم خلال عمليات القوات الأمريكية وقوات “حلف شمال الأطنطي” (الناتو) قد تُركوا دون أن ينالوا الإنصاف والعدالة. ويركز التقرير الصادر بعنوان “المهمة التي لم تنته” في المقام الأول على الضربات الجوية والغارات الليلية التي نفذتها القوات الأمركية، بما في ذلك قوات العمليات الخاصة، ويخلص إلى أنه لم يتم التحقيق حتى فيما يبدو أنها جرائم حرب، كما ظل مرتكبوها بمنأى عن العقاب.
وقال ريتشارد بينيت، مدير قسم آسيا والمحيط الهادئ في منظمة العفو الدولية، “إن آلاف الأفغان قد قُتلوا أو أُصيبوا على أيدي القوات الأمريكية منذ بدء الغزو، ولكن لم تتوفر للضحايا وأهاليهم فرص تُذكر لنيل الإنصاف. فنظام القضاء العسكري الأمريكي يتقاعس بشكل شبه دائم عن محاسبة أفراد القوات الأمريكية عن أعمال القتل بشكل غير مشروع وغير ذلك من الانتهاكات”.
ومضى ريتسارد بينيت قائلاً: “لم ينظر نظام القضاء العسكري الأمريكي أياً من الحالات التي فحصتها منظمة العفو الدولية، وتشمل حالات ما يزيد عن 140 مدنياً لقوا مصرعهم. كما إن الأدلة على احتمال وقوع جرائم حرب وأعمال قتل بشكل غير مشروع قد قُوبلت بالتجاهل، على ما يبدو”.
ويوثِّق التقرير بالتفصيل أوجه التقاعس عن محاسبة المسؤولين عن العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان. ويدعو التقرير الحكومة الأفغانية إلى التأكد من ضمان المحاسبة عن أعمال قتل المدنيين بشكل غير مشروع في أية اتفاقيات أمنية مشتركة توقعها الحكومة مع “حلف شمال الأطلنطي” والولايات المتحدة الأمريكية.
وكانت منظمة العفو الدولية قد أجرت تحقيقات مفصَّلة شملت 10 حوادث وقعت ما بين عامي 2008 و2013، وقُتل خلالها مدنيون من جراء عمليات القوات الأمريكية. وقد لقي ما لا يقل عن 140 مدنياً مصرعهم في الحوادث التي تقصتها منظمة العفو الدولية، وكان من بين القتلى نساء حوامل 50 طفلاً على الأقل. وأجرت المنظمة مقابلات مع 125 من الشهود والنتضررين وأهالي الضحايا، وبينهم كثيرون لم يسبق أن أدلوا بشهاداتهم لأية جهة من قبل.
ومن بين الحوادث التي شملتها التحقيقات غارة شنتها قوات العمليات الخاصة على منزل في محافظة بكتيا في عام 2010، وعمليات اختفاء قسري وتعذيب وقتل في مناطق نرخ وميدان شهر بمحافظة وردك خلال الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2012 إلى فبراير/شباط 2013. وتوصلت المنظمة بشأن هذه الحوادث إلى أدلة وفيرة ودامغة على ارتكاب جرائم حرب. ولم يُحاكم أحد جنائياً بخصوص أي من هذه الحوادث.
وقد تحدث قندي أغا، وهو معتقل سابق احتجزته القوات الخاصة الأمريكية في نرخ في أواخر عام 2012، عن جلسات التعذيب اليومية التي تعرض لها، فقال: “كان أربعة أشخاص يضربونني بالأسلاك الغليظة. كانوا يربطون ساقي معاً ويضربونني على باطن القدمين بعصا خشبية. كما كانوا يلكمونني في الوجه ويركلونني، ويرطمون وجهي في الأرض”. كما ذكر أغا أنه غُمر في برميل للمياه وصُعق بصدمات كهربائية.
وقال أغا إن أفراداً من القوات الأمريكية والأفغانية كانوا يشاركون في جلسات التعذيب، وإن أربعة سجناء، من بين ثمانية كانوا محتجزين معه، قد قُتلوا أثناء وجوده في حجز القوات الأمريكية، ومن بينهم شخص يُدعى سيد محمد قُتل أمام عيني أغا.
ويندر للغاية إجراء تحقيقات جنائية رسمية بخصوص حالات قتل المدنيين في أفغانستان. وعلى حد علم منظمة العفو الدولية، لا توجد منذ عام 2009 سوى ست حالات حُوكم فيها أفراد من الجيش الأمريكي.
وتجدر الإشارة إلى أنه وفقاً للقانون الإنساني الدولي (قوانين الحرب)، فإن حالات وفاة المدنيين أثناء النزاع المسلح لا تمثل جميعها بالضرورة انتهاكاً للقانون. ولكن، إذا بدا أن مدنيين قد قُتلوا بشكل متعمد أو دون تمييز، أو في غمار هجوم عشوائي دون تمييز، فإن الواقعة تقتضي إجراء تحقيق واف ونزيه على وجه السرعة. وإذا ما أثبت التحقيق وجود مخالفة لقوانين الحرب، ينبغي الشروع في اتخاذ إجراءات قضائية لمحاكمة المسؤولين.
ومن بين عشرات الشهود والمتضررين وأهالي الضحايا الذين أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات معهم أثناء إعداد هذا التقرير، لم يذكر سوى اثنين أنهما أدليا بأقوالهما لمحققين من الجيش الأمريكي. وفي كثير من الحالات التي شملها التحقيق، كانوا متحدثون باسم الجيش الأمريكي أو قوات “حلف شمال الأطلنطي” يعلنون بأنه يجري التحقيق في الأمر ثم لا يقدمون أيو معلومات أخرى عن تقدم التحقيق أو عن نتائجه، تاركين الضحايا وأهاليهم في حالة من الحيرة وعدم اليقين.
وقال ريتشارد بينيت: “إننا نهيب بالجيش الأمريكي أو يبادر فوراً بالتحقيق في جميع الحالات الموثَّقة في تقرير المنظمة، وكذلك في جميع الحالات الأخرى التي قُتل خلالها مدنيون. فالضحايا وأهاليهم يستحقون أن ينالوا العدالة”.
وتتمثل العقبة الأساسية أمام تحقيق العدالة للضحايا الأفغان وأهاليهم في نظام القضاء العسكري الأمريكي الذي يتسم بمثالب عميقة.
فنظام القضاء العسكري الأمريكي هو في جوهره نظام لضبط الأمن ذاتياً، ويعمل “وفقاً لقرارات القيادة”، ويعتمد إلى حد كبير على أقوال الجنود أنفسهم بشأن أفعالهم عند تقييم مدى قانونية أية عملية. ويفتقد هذا النظام إلى سلطة ادعاء مستقلة، ومن ثم يتوقع من الجنود والقادة أن يبلغوا بأنفسهم غن أية انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان. ومن الواضح أن هذا الوضع يسفر عن تضارب في المصالح.
وفي الحالات النادرة التي تصل فيها قضية ما إلى مرحلة إقامة الدعوى فعلياً، تثور مخاوف شديدة بشأن عدم استقلال المحاكم العسكرية الأمريكية. ومن النادر للغاية أن يُستدعى الأفغان أنفسهم للإدلاء بأقوالهم في مثل هذه القضايا.
وأضاف ريتشارد بينيت قائلاً: “هناك حاجة ماسة لإصلاح نظام القضاء العسكري الأمريكي. وينبغي على الولايات المتحدة أن تتعلم من الدول الأخرى، ومنها دول كثيرة قطعت خطوات واسعة خلال السنوات الأخيرة لإضفاء الطابع المدني على نظم القضاء العسكري لديها”.
كما يوثِّق تقرير منظمة العفو الدولية الافتقار إلى الشفافية في التحقيقات والمحاكمات بخصوص حالات قتل المدنيين بشكل غير مشروع في أفغانستان. فالجيش الأمريكي يحجب البيانات الكاملة عن المحاسبة عن الخسائر في صفوف المدنيين، ونادراً ما يقدم معلومات عن حالات فردية. أما نظام حرية المعلومات الذي تتبناه الحكومة الأمريكية، والهادف إلى ضمان الشفافية عند إحجام هيئات حكومية عن تقديم معلومات، فلا يُطبق بشكل فعال عندما يتعلق الأمر بخسائر في صفوف المدنيين.
كما تهيب منظمة العفو الدولية بالحكومة الأفغانية أن تشرع فوراً في إقامة آلياتها الخاصة للتحقيق في الانتهاكات على أيدي قوات الأمن الوطني الأفغانية، التي ستتولى المسؤولية الكاملة عن الأعمال الحربية بحلول نهاية عام 2014.