قرار المحكمة الأوروبية بشأن النقاب يعد عقاباً للمرأة على تعبيرها عن معتقداتها

حذرت منظمة العفو الدولية من أن قرار “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان” الذي أيدت فيه الحظر العام على ارتداء المرأة النقاب الذي يغطي الوجه كاملاً في الأماكن العامة يلحق ضرراً فادحاً، ويمثل تراجعاً عميق الأثر على الحق في حرية التعبير والتدين، ويبعث برسالة مفادها أن المرأة ليست حرة في أن تعبر عن معتقداتها الدينية أمام الملأ.

ورفعت الدعوى أمام المحكمة، التي تتخذ من ستراسبورغ مقراً لها، س. أ. س.، وهي امرأة فرنسية تبلغ من العمر 24 سنة وترى أن الحظر المطبق في فرنسا منذ 2011 يشكل انتهاكاً لحريتها في التعبير ولطائفة أخرى من الحقوق. وتواجه النساء في فرنسا الحكم عليهن بدفع غرامة و/أو الإخضاع لدورة تدريبية في مجال المواطنة إذا ما خرقت القانون.

وفي هذا السياق، قال جون دالهاوزن، مدير برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة العفو الدولية، إن “المحكمة قد اعترفت بأن الحجج المستندة إلى الاعتبارات الأمنية والمساواة بين الجنسين ذات مظهر خداع. ولكنها قبلت الحجة بأن ارتداء النقاب الذي يستر كامل الوجه يخالف الأعراف الاجتماعية الراسخة والضرورية ‘للعيش المشترك’.

“وإذا ما جرد المرء قرار المحكمة من القشور وأبقى على جوهره الأساسي، فهو يقول إنك لا تستطيع أن ترتدي النقاب الذي يستر كامل الوجه لأن ذلك يشعر الناس بعدم الارتياح. وهذا لا يمكن أن يكون أساساً لحظر أي سلوك أو شكل من أشكال التعبير- دينياً كان أم دنيوياً- لا يلحق، بحد ذاته، الأذى بالآخرين.

“وكما أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان نفسها مراراً وتكراراً، فإن عدم الارتياح والشعور بالصدمة هما الثمن الذي ينبغي أن تدفعه المجتمعات الديمقراطية، على وجه التحديد، كي تجعل ‘العيش المشترك’ ممكناً. وواقع الحال هو أن هذا الحكم، بإكراهه الناس على  ‘العيش المشترك’، سيؤدي في نهاية المطاف إلى إجبار أقلية صغيرة على العيش منعزلة، نظراً لأنه يضطر المرأة إلى الاختيار ما بين التعبير عن معتقداتها الدينية والمشاركة في الفضاء العام.”

وصدر الحكم عن الدائرة الكبرى للمحكمة الأوروبية، ما يعني أنه لا يمكن الطعن فيه.

وحاججت س. أ. س. أمام المحكمة الأوروبية بأن القانون يقوم على التمييز ضدها بسبب نوع جنسها ودينها، وينتهك حقوقها في حرية التعبير والدين والمعتقد والحياة الخاصة، ويرقى إلى مرتبة المعاملة المهينة.

وأبلغت المحكمة أنها لا تلبس النقاب الذي يستر كامل الوجه كل الوقت، وأنه لا مانع لديها من أن تنزعه في حال اقتضى الأمر تفحص هويتها الشخصية، وفي المطار، وفي المصارف، أو في الحالات الأخرى التي تستلزم ذلك.

وعلى الرغم من إمكان تبرير بعض القيود التي تفرض على حرية التعبير والتدين في سياقات محددة، فإن منظمة العفو الدولية تعتقد أن التقييدات العامة التي فرضها التشريع الفرنسي غير متناسبة وغير ضرورية.

فهناك تشريع وطني نافذ في فرنسا يضمن إمكان القيام بعمليات تفحص للشخصية من جانب الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون عند الضرورة، وكان الهدف منه هو مكافحة العنف ضد المرأة.

واختتم دالهاوزن بالقول: “إن الافتراض بأن جميع النساء اللاتي يرتدين الرموز أو الألبسة التقليدية أو الدينية مكرهات على القيام بذلك لا يعكس سوى نظرات نمطية، ولا ينبغي لأية دولة أن تصدر تشريعاً يذهب بحقوقهن، ناهيك عن معاقبتهن، استناداً إلى هذه التعميمات الفجة”.

ولم تفرض أشكالاً مماثلة من الحظر على ارتداء النقاب في الأماكن العامة، إلى جانب فرنسا التي طبقته في 2011، سوى دولة أوروبية واحدة وإقليم واحد. حيث فرضت بلجيكا حظراً مماثلاً في 2011، وتبعها كانتون تيسينو السويسري في 2013. بينما تظل أشكال من الحظر على النطاق المحلي قائمة في العديد من بلديات إقليم كتالونيا الأسباني. وبذا فإن فرنسا تغرد خارج السرب الأوروبي من حيث ضرورة كفالة حرية التعبير والتدين.

خلفية 

قضت الدائرة الكبرى للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في حكمها النهائي الصادر اليوم في قضية س. أ. س. ضد فرنسا (طلب الدعوى رقم 43835/11)، بأن التشريع الفرنسي لم ينتهك المادة 8 (الحق في احترام الحياة الخاصة والأسرة)، أو المادة 9 (الحق في احترام حرية التفكير والرأي والدين)، أو المادة 14 (الحظر المفروض على التمييز) للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

ودخل التشريع الفرنسي حيز النفاذ في 11 أبريل/نيسان 2011 (القانون 2010-192) 265، ويحظر ارتداء أي شكل من اللباس الغرض منه إخفاء الوجه في الأماكن العامة. والنطاق الفعلي للحظر واسع، حيث أنه ينطبق على جميع الفضاءات العامة؛ وبحيث لا يمكن ارتداء النقاب إلا في البيت، وفي المركبات الخاصة، أو في أماكن العبادة. وتشمل بعض الاستثناءات الأخرى من الحظر العام الحالات التي يتم فيها تغطية الوجه تمشياً مع أنظمة نافذة للسلامة والصحة العامة أو لأغراض الاحتفالات العامة. ويمكن أن تعاقب كل من تخالف التشريع بدفع غرامة و/أو بإخضاعها لدورة تدريبية في مجال المواطنة؛ والمحاكم هي الجهة المسؤولة عن تقرير العقوبة، على أساس كل حالة بمفردها. ويُدخل هذا القانون في قانون العقوبات نصاً يهدف إلى معاقبة الأشخاص الذين يتبين أنهم يكرِهون النساء على تغطية وجوههن.

وطبقاً لوزارة الداخلية الفرنسية، بلغ عدد النساء اللاتي يرتدين الحجاب في 2010، في فرنسا، 1,900 امرأة.

وليس ثمة شواهد على أن النساء اللاتي يرتدين النقاب مجبرات أو مكرهات على ذلك. فقد بينت الأبحاث التي أجرتها منظمة العفو الدولية وسواها من المنظمات، بما فيها “معهد المجتمع المفتوح” في فرنسا، أن ارتداء النقاب ليس ممارسة متجانسة؛ فبعض النساء يرتدينه جزئياً، بينما ترتديه أخريات لفترات زمنية محدودة فقط. ووجد البحث أيضاً أن النساء اللاتي يرتدين النقاب، وخلافاً للاعتقاد السائد، لا يعزلن أنفسهن بالضرورة أو يشعرن بالرفض تجاه المجتمع الفرنسي. 

وطبقاً لدراسة مسحية لمنظمة BVA نشرت في تقرير 2014 للجنة الوطنية لحقوق الإنسان، فإن تصورات المجتمع الفرنسي للإسلام والمسلمين تغدو باطراد أقل تسامحاً. فـــ 94 و80 بالمائة من الفرنسيين، على التوالي، يعتقدون أن ارتداء النقاب أو غطاء الرأس يمثل مشكلة. ولا يسمح للتلميذات بأن يرتدين غطاء الرأس أو سواه من الرموز الدينية في أي من المدارس العامة الفرنسية (يستطعن ذلك في الجامعات).

وقد رصدت “جمعية مناهضة رهاب الإسلام في فرنسا” ما مجموعه 482 حالة من التمييز و27 حالة من الهجمات البدنية ضد المسلمين في 2013.