أيرلندا: يجب إجراء تحقيق عاجل في مزاعم وجود مقبرة جماعية تضم رفات أطفال في بلدة توام

عقب ظهور معلومات مقلقة كشفت النقاب عن وجود “مقبرة جماعية” تضم رفات زهاء 800 رضيع وطفل في بلدة توام غربي أيرلندا، قالت منظمة العفو الدولية أنه يجب على الحكومة الأيرلندية أن تقدم أجوبة عاجلة حول ما وقع من انتهاكات بحق الأطفال في الماضي داخل المؤسسات والملاجئ التي تديرها الدولة ونظيراتها التي تمولها جهات راعية.

وفي معرض تعليقه على الموضوع، قال مدير برنامج أوروبا وآسيا الوسطى بمنظمة العفو الدولية، جون دالهويزن: “تستدعي هذه القضية الصادمة إيلاء الحكومة الأيرلندية العناية الفورية لها وتقديم الإجابات العاجلة بشأنها.  ويجب إجراء تحقيق شامل لمعرفة كيف تُوفي أولئك الأطفال، وإذا ما كان سوء المعاملة أو الإهمال وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان من بين العوامل التي ساهمت في وفاتهم. كما نحتاج إلى معرفة السبب وراء عدم إجراء مراسم دفن كريمة ولائقة لهؤلاء الأطفال”.

وأوردت وسائل الإعلام الأيرلندية والدولية خبر العثور على رفات 796 رضيعا وطفلا ملقاة في حفرة امتصاصية ببلدة توام في مقاطعة غالوي. ويقع المكان في أرض تابعة لإحدى المؤسسات التي يديرها دير للراهبات؛ وكانت المؤسسة تقوم بدور الملجأ أو (المنزل كما كان يُطلق عليه) يؤوي الأمهات غير المتزوجات خلال الفترة ما بين عامي 1925 و1961 كما قيل، وذلك في وقت كان الحمل خارج إطار الزوجية يتسبب لصاحبته بوصمة عار اجتماعية. وتشير التقارير إلى أن أحد المؤرخين المحليين جمع معلومات حول الرفات وقدمها للحكومة الأيرلندية العام الماضي.

وأضاف دالهويزن قائلا: “يتعين على الحكومة الأيرلندية عدم التعامل مع هذه الحالة وغيرها من الحالات المشابهة على أنها من الماضي أو الزعم بأنها لا تقع ضمن نطاق التزاماتها على صعيد حقوق الإنسان”.

فلقد برز إلى حيز الوجود إطار القانون الدولي الخاص بحقوق الإنسان خلال الفترة التي وُلد هؤلاء الأطفال وماتوا فيها.  وعلى افتراض إغلاق الملجأ أبوابه في عام 1961، فيعني ذلك أن بعض الوفيات قد وقعت بعد دخول الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان حيز النفاذ. وحتى ولو وقعت الوفيات قبل ذلك التاريخ، فلقد كانت أيرلندا على اطلاع بالأعراف المتفق عليها دوليا والواجب عليها مراعاتها عقب صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948.

وقال كولم أوغورمان، المدير التنفيذي لفرع منظمة العفو الدولية في أيرلندا: “على الرغم من أن قضية (أطفال توام) مقلقة ومزعجة، فلا يجب تناولها كواقعة منعزلة. إذ يتعين على السلطات الأيرلندية أن تحقق في المزاعم المتعلقة باحتمال إساءة معاملة النساء والأطفال في غير ذلك من الملاجئ التي عُرفت باسم (منازل الأمهات والأطفال) والمؤسسات الأخرى التي تديرها الدولة أو السلطات الدينية – ويجب التعامل مع أية مزاعم أخرى تتعلق بمثل هذه الانتهاكات من خلال إجراء تحقيقات مستقلة وشاملة”.

وأضاف أوغورمان قائلا: “ونشير هنا إلى ما ورد في التقارير الإعلامية بشأن احتمال قيام الحكومة بإجراء فحص لأوضاع تلك الملاجئ (المنازل) التابعة لمختلف الدوائر والوزارات. وفي حال كان ذلك صحيحا فيجب أن ينطوي ذلك – أو يتبعه بشكل سريع على الأقل – مسار يبرز مراعاة الاستقلالية والفعالية والشفافية”.

ولقد سبق وأن حظيت الانتهاكات التي تعرضت النساء والفتيات لها في مؤسسة “مغاسل ماغدالين” التي تديرها إحدى الهيئات الدينية اهتماما إعلاميا وسياسيا، لا سيما بعد أن أثارت اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب شواغل بشأنها في عام 2011 من خلال الإشارة إلى مزاعم تعرض النساء والفتيات في هذا النوع من المؤسسات لسوء المعاملة.  إلا أن رد الحكومة الأيرلندية على دعوة اللجنة إلى فتح تحقيق مستقل في تلك المزاعم كان ردا متواضعا. فلقد أخفقت اللجنة المشتركة بين الإدارات التي شكلتها الحكومة عام 2011 في الوفاء بما يترتب على الدولة من التزامات، ولا يجوز بالتالي اعتمادها كنموذج لأية تحقيقات يمكن أن تجرى في هذه الانتهاكات وغيرها التي وقعت في الماضي.

وتدرك منظمة العفو الدولية أن اللجنة التي أسستها الحكومة عام 2009 للتحقيق في الإساءة للأطفال (والتي عُرفت باسم لجنة رايان) وما أعقبها من مشروع بحكم القانون لتعويض الضحايا، قد قطعت شوطا كبيرا على طريق تحقيق المساءلة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في الماضي داخل المؤسسات التي تديرها جهات دينية.  ومع ذلك، فلم يشمل تفويض لجنة رايان جميع تلك المؤسسات أو أشكال الإساءة المرتكبة فيها.

واختتم كولم أوغورمان تعليقه قائلا: “تُعد قضية (أطفال توام) مثالا آخرا على عدم بذل لجنة رايان ما يكفي من جهود.  وتبرز مدى حاجة أيرلندا للتعامل بشكل شامل مع ماضيها وكشف الحقيقة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في تلك المؤسسات وإنصافهم وتعويضهم”.

تنويه للمحررين: 

ثمة التزام يقتضي من الدول القيام باحترام وحماية وإعمال حق ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في الإنصاف الفعال.  ويتضمن ذلك الالتزام العناصر التالية:

الحقيقة: إقامة الحقائق المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في الماضي؛

العدالة: التحقيق في ماضي الانتهاكات في حال توافر أدلة مقبولة وملاحقة من يُشتبه بارتكابهم لها؛

جبر الضرر: حصول الضحايا وعلائلاتهم على التعويض بشكل كامل وفعال وعبر أشكاله الخمسة التالية: رد الحقوق والتعويض وإعادة التأهيل والترضية وضمانات بعدم تكرار الانتهاكات.

ولقد وُلد الأطفال الذين عُثر على رفاتهم في توام وتوفوا إبان بروز إطار العمل الدولي الخاص بحقوق الإنسان إلى حيز الوجود. وعلى افتراض إغلاق الملجأ أبوابه في عام 1961، فيعني ذلك أن بعض الوفيات قد وقعت بعد دخول الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان حيز النفاذ. وحتى ولو وقعت قبل ذلك التاريخ، فلقد كانت أيرلندا على اطلاع بالأعراف المتفق عليها دوليا والواجب عليها مراعاتها عقب صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948.

كما إن العديد من الأعراف من قبيل حظر المعاملة اللاإنسانية أو المهينة كانت تُعد ملزمةً لجميع الدول ضمن إطار القانون العرفي والقواعد الآمرة.  وعليه كانت تلك القواعد نافذة في حالات الأطفال المتواجدين داخل تلك المؤسسات في الفترات التي سبقت ظهور الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وغيرها من الاتفاقيات المشابهة.

كما ينص مبدأ “إيلاء العناية الواجبة” على تحمل الدولة لمسؤولية وقوع الانتهاكات في حال علمت السلطات فيها أو كان ينبغي أن تعلم بوقوع أو أرجحية وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان فيها وتقاعست عن اتخاذ الخطوات الملائمة للحيلولة دون وقوعها و/ أو التحقيق فيها ومعاقبة مرتكبيها. وعليه فحتى لو تم التعامل مع المؤسسات والمصحات التي تديرها جماعات دينية على أنها جهات فاعلة من غير الدولة، فتظل هذه الأخيرة مسؤولة عن الانتهاكات التي ترتكبها تلك المؤسسات ليس في حالات تواطئها المباشر وحسب، بل وفي الحالات التي تؤدي المؤسسات فيها وظيفة عمومية و/أو تتقاعس الدولة عن إيلاء العناية الواجبة للوقاية أو التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان الفعلية أو المرجح وقوعها والتي علمت الدولة أو كان ينبغي لها أن تعلم بوقوعها، وكذلك في الظروف والملابسات الأخرى المنصوص عليها وفق القوانين المحلية أو المعاهدات الدولية المعنية بحقوق الإنسان التي تُعد أيرلندا دولة طرف فيها.