المخابرات والأمن والخصوصية: لماذا نحتاج إلى كاشفي التجاوزات

بقلم: شريف السيد علي، نائب مدير القضايا الدولية في منظمة العفو الدولية

مع انطلاق منتدى الانترنت في ستوكهولم (#SIF14) انهمرت الأسئلة سريعة وحادة.

لماذا لم تتم دعوة إدوارد سنودن لحضور المؤتمر مع أن موضوع مؤتمر هذا العام هو: “الانترنت- الخصوصية والشفافية والرقابة والسيطرة”؟

استناداً إلى التعليقات على تويتر وفي الدهاليز، فإن رد وزارة الخارجية السويدية بأن أماكن المشاركين كانت محدودة وأن عليها ضمان تمثيل التنوع في النوع الاجتماعي، لم يكن رداً مقنعاً للمشاركين.

ولعل أحد أكثر الأمور مفاجأةً منذ أن كشف إدوارد سنودن النقاب عن معلوماته قبل نحو عام يتمثل في أنه لم تحدث عمليات كشفررمهمة لممارسات الرقابة في أماكن أخرى من العالم. وإن “وكالة الأمن الوطني” في الولايات المتحدة، و”المقر الرئيسي للاتصالات الحكومية” في بريطانيا وبقية وكالات التجسس في “تحالف العيون الخمس” لا يمكن أن تكون الأجهزة الوحيدة الضالعة في أعمال الرقابة الجماهيرية، ولكننا لم نر الكثير من ممارسات البلدان الأخرى. وهذا الأمر إنما يُبرز الخطر الرهيب الذي ينطوي عليه فضح الممارسات غير القانونية للوكالات الأمنية حتى في البلدان لتي تعتبر نفسها ديمقراطية.

إن “الأمن الوطني” هو أحد الأسباب الرئيسية التي تسوقها الحكومات عندما تضع قيوداً على حقوق الإنسان-سواء على الانترنت أو غيره. ويمكن أن يكون هناك سبب مشروع لتقييد بعض الحقوق، ومنها الخصوصية، ولكن يجب أن يتم ذلك ضمن القواعد الصارمة للضرورة والتناسب. ولكن في الواقع، غالباً ما يُساء استخدام الأمن الوطني كذريعة لارتكاب شتى أنواع انتهاكات حقوق الإنسان من التعذيب إلى الاعتقال التعسفي وإسكات الآراء المخالفة. وعندما يتعلق الأمر بسلوك وكالات التجسس، فإنه يجري استخدام ذريعة “الأمن الوطني” على نحو اعتيادي. وتُستخدم قوانين السرية وتجريم إفشاء المعلومات والترهيب لإخماد محاولات فضح تجاوزات أجهزة الأمن. ويُستخدم الأمن الوطني بالطبع لتبرير الرقابة على الجماهير بلا تمييز من قبل أجهزة التجسس في العالم.

لقد فضح إدوارد سنودن برنامج الرقابة غير القانونية الذي ينتهك خصوصية ملايين البشر في العالم بأسره. وقد وجّهت إليه حكومة الولايات المتحدة تهماً بموجب قانون التجسس، الذي من شأنه أن يمنعه من كشف الانتهاكات الدفاعي وإدانته، ويمكن ان يصل ذلك إلى حد قمع كاشف الانتهاكات الذي فضح الانتهاكات الهائلة لحقوق الإنسان على الصعيد العالمي.

بيد أن حكومة الولايات المتحدة الاميركية لم تتوقف عند ذلك الحد. فمنذ عام لا تنفك تستعرض عضلاتها السياسية للضغط على حكومات عديدة كي تمنع سنودن من دخول بلدانها، وحتى التحليق فوق مجالها الجوي. ونتيجة لذلك، فإنه يعيش بصفة لاجئ مؤقت في روسيا. كما منعت عدة حكومات أوروبية محاولات دعوته للتحدث في بلدانها، بما في ذلك من قبل برلمانيين أوروبيين.

إن الذين ينتقصون من سنودن وينتقدون ما قام به من كشف للمعلومات، يتجاهلون السرية المفرطة التي ظلت برامج الرقابة تعمل في ظلها لسنوات. وبدون وجود كاشفي الانتهاكات من أمثال إدوارد سنودن، فإن تجاوزات أجهزة الأمن، ولاسيما وكالات التجسس، ستظل مخفية، وسيظل المسؤولون الحكوميون الذين يسمحون بتلك التجاوزات محميين من المساءلة.

ولهذا السبب تعتبر حماية كاشفي التجاوزات أمراً حاسماً في حكم القانون وحماية حقوق الإنسان. وإن أولئك الذين يكشفون النقاب عن الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الأجهزة الحكومية يجب أن يُسمح لهم بالكشف عن الحقيقة للجمهور العام بدون خوف من الانتقام والعقوبات الجنائية. وهذا لا يلغي وجود بواعث قلق أمنية عامة مشروعة. إن “مبادئ تشوان” تقيم توازناً بين أفعال الحكومة المشروعة وحقوق الإنسان وكشف التجاوزات. كما أن هذه المبادئ التي كتبتها 22 منظمة وطنية عالمية، بالتشاور مع 500 خبير من 70 بلداً، يمكن أن تُستخدم كمجموعة مبادئ توجيهية للحكومات.

وثمة نغمة متكررة تقول إننا يجب ألا نتوقع التمتع بالخصوصية على الانترنت، وإن الحكومات التي تريد أن تتجسس على شعوبها وشركاتها وتستفيد من بياناتنا تريد منا أن نؤمن بذلك وأن نقبله.

ولكننا لن نفعل ذلك، فالخصوصية هي واحدة من الحريات الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي قابلة للتنفيذ بصورة قانونية في معظم بلدان العالم. ويجب أن تخضع الحكومات للمساءلة عندما تنتهك خصوصيتنا. وكي نفعل ذلك، نحن بحاجة إلى كاشفي التجاوزات.