في معرض بيان إحاطة جديد صادر عنها اليوم، صرحت منظمة العفو الدولية بأن التدفق المستمر للأسلحة والعتاد العسكري القادم من الصين والسودان وأوكرانيا، قد تسبب في قيام كل من القوات المسلحة في جنوب السودان، وجماعات المعارضة المسلحة بشن هجمات عشوائية. ففي بيان الإحاطة الصادر عنها بعنوان “الصراع المنسي: إمدادات الأسلحة تؤجج الانتهاكات في مقاطعة مايوم بولاية الوحدة” تستعرض منظمة العفو الدولية الإمدادات غير المسؤولة للأسلحة والذخائر والعتاد وإساءة استعمالها، الأمر الذي أوقع خسائر في الأرواح بين المدنيين، واضطرار الآلاف إلى النزوح عن ديارهم. وخلال عامي 2010، و2011، قُتل العشرات أو جُرحوا، ودُمرت منازلهم، أو أنهم اضطُروا إلى الفرار جراء تعرض المناطق المدنية لهجمات عشوائية شنتها كل من القوات المسلحة التابعة لدولة جنوب السودان، والتي تُعرف أيضاً باسم “الجيش الشعبي لتحرير السودان”، وجماعات المعارضة المسلحة، و”جيش تحرير جنوب السودان”، في مقاطعة مايوم بولاية الوحدة في دولة جنوب السودان. وعشية الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى للإعلان استقلال جنوب السودان، وقبيل أيام فقط من اجتماع حكومات العالم في مقر الأمم المتحدة بنيويورك ضمن إطار المفاوضات الهامة على طريق التوصل إلى معاهدة تُعنى بالاتجار بالأسلحة ، تناشد منظمة العفو الدولية حكومات الدول التوصل إلى معاهدة رصينة تتضمن قواعد وأنظمة من شأنها أن تضع حداً لعمليات نقل الأسلحة إلى الجهات أو الأشخاص الذين يُرجح قيامهم باستعمالها في ارتكاب انتهاكات حقوقية خطيرة، وجرائم حرب. ويعلق مدير برنامج أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إيروين فام دير بورخت، قائلاً: “يتعين على الحكومات أن تتوقف فوراً عن تزويد جنوب السودان بالأسلحة التقليدية التي دأب مستخدموها على ارتكاب انتهاكات لأحكام القانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، إلى أن يتم استحداث وتطبيق أنظمة من التدريب والمساءلة تحول دون وقوع ذلك”.ولقد تمكنت منظمة العفو الدولية من توثيق انتهاكات حقوقية خطيرة ارتكبها جميع أطراف النزاع باستخدام طيف واسع من الأسلحة، وخصوصاً الأصناف التالية: – ذخائر جديدة غير مستعملة سودانية المنشأ، من صنع عام 2010، استخدمتها المعارضة المسلحة؛ – والألغام صينية الصنع المضادة للمركبات التي زُرعت مؤخراً في طرق ولاية الوحدة؛ – وقذائف مورتر حديثة (2010)، والتي يُرجح أنها سودانية الصنع، واستخدمتها جماعات المعارضة المسلحة التي قامت بقصف المناطق المدنية بشكل عشوائي؛ – وتوثيق أول حالة مؤكدة لاستخدام القوات المسلحة التابعة لجنوب السودان للدبابات من طراز تي-72 في المعارك في قصفها للمستوطنات المدنية بشكل عشوائي، وذلك عقب حصولها عليها من أوكرانيا. ولقد تكررت حوادث مقتل المدنيين أو إصابتهم بجراح جراء القتال بين قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان، وجيش تحرير جنوب السودان. وقد وصف قاطنو تلك المناطق وجود نمط عشوائي ساد القصف وإطلاق النار هناك. ويبدو بأن الجيش الشعبي لتحرير السودان يسوق مساندة تلك التجمعات السكانية للمعارضة المسلحة كتبرير لقيامه بشن الهجمات ضدهم. ففي إحدى حلقات النزاع، وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 تحديداً، قُتل عشرات المدنيين وجُرحوا، ودُمرت عدة منازل خلال القتال الذي دار حينها بين قوات الجيش الشعبي وجيش تحرير جنوب السودان في بلدة مايوم. ولقد لجأت قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان إلى استخدام الدبابات من طراز تي-72 خلال تلك الهجمات، وذلك عقب أن تمكنت من الحصول عليها من أوكرانيا. ويُعتبر هذا الطراز من الدبابات غير مناسب البتة للعمليات القتالية في المناطق الحضرية، كونها ليست مزودة بإمكانية التمييز بين الأهداف العسكرية ونظيرتها المدنية داخل المناطق الحضرية. ولقد تحققت منظمة العفو الدولية من الأمر، وأكدت تواجد خمسة دبابات حربية، ثلاثة منها من طراز تي-72M1 في مركز بلدة مايوم في وقت سابق من العام الحالي. وبغية إيصال تلك الدبابات من أوكرانيا إلى جنوب السودان بشكل سري وغير قانوني في عام 2009، فلقد جرى نقلها عبر كينيا وأوغندا، وشاركت في شحنها شركات من ألمانيا وأكرانيا، والمملكة المتحدة وشركات وهمية مسجلة في جزيرة “آيل أوف مان”. وأخبر أحد كبار الضباط السابقين في جيش تحرير جنوب السودان منظمةَ العفو الدولية أن قواته قد استلمت كميات لا بأس بها من البنادق الهجومية (الرشاشات) من نوع “كلاشنيكوف” جديدة الصنع التي “كانت لا تزال في الصناديق “، بالإضافة إلى حصولهم على الذخائر، والبنادق الآلية الخفيفة والثقيلة، وبنادق عديمة الارتداد من طراز B10، علاوة على قذائف المورتر.وتوحي الأدلة المتوفرة بأن الذخائر التي استخدمتها قوات جيش تحرير جنوب السودان قد جرى تصنيعها في السودان، بالإضافة إلى بنادق صينية الصنع من طراز (56-1). ولقد قُتل العديد من المدنيين أو جُرحوا جراء إصابتهم بأعيرة نارية عقب اندلاع القتال العنيف داخل البلدات الرئيسية في المنطقة، وخصوصاً بلدات مايوم، ومانكيين، وراياك. ولقد استخدم الجنود أثناء تلك الهجمات أسلحة تشمل البنادق الآلية (الرشاشات)، وقذائف (آر بي جي)، والبنادق، والمدافع المضادة للطائرات (المحمولة على ظهر المركبات)، والعربات المدرعة. وقامت قوات جيش تحرير جنوب السودان خلال الاثني عشر شهراً الماضية بزراعة ألغام صينية مضادة للمركبات على طول الطرق الرئيسية في ولاية الوحدة. ولقد قُتل عشرات المدنيين أو جُرحوا خلال العام الماضي جراء قيام جنود جيش تحرير جنوب السودان بزراعة تلك الألغام، الأمر الذي يزيد أيضاً من كلفة نقل الغذاء والوقود نظراً لتسبب الألغام بإعاقة عملية الوصول إلى المنطقة. ويُبرز النزاع في مقاطعة مايوم مدى الحاجة إلى توصل الحكومات إلى اتفاق على معاهد الاتجار بالأسلحة، وذلك عندما تشرع في مفاوضاتها النهائية المزمع انعقادها في مقر الأمم المتحدة بنيويورك يوم الاثنين القادم.ومن شأن معاهدة فعالة للاتجار بالأسلحة أن تفرض على حكومات الدول التوقف عن نقل كميات الأسلحة دولياً في حال بروز مخاطر جدية باحتمال استعمالها في ارتكاب انتهاكات حقوقية خطيرة. “واختتم إيروين فان دير بورخت تعليقه قائلاً: “تُعدُّ المحادثات الخاصة بمعاهدة الاتجار بالأسلحة بمثابة فرصة غير مسبوقة لوقف وقوع الأسلحة في أيدي منتهكي حقوق الإنسان. ومن شأن التوصل إلى معاهدة رصينة في هذا المجال أن تحول دون معاناة الكثير من المجتمعات الأخرى جراء الكلفة الفظيعة المترتبة على تجارة الأسلحة بشكل غير مسؤول، تماماً كما عانى أهل مقاطعة مايوم في هذا الإطار”.