صحفي سوداني يتحدث عن المضايقات التي تعرض لها على يد قوات الأمن “الوحشية”

“في كل مرة استجوبت فيها، كنت أسمع دائماً الشيء نفسه – ‘نحن مستعدون لأن نقتلك عندما نريد، وحيثما نريد. المسألة فقط مسألة وقت'”. – فيصل الباقرلا يستطيع فيصل الباقر تذكر عدد المرات التي اعتقل واستجوب فيها بسبب عمله الصحفي في السودان لأكثر من من 20 سنة. ومع ذلك، أحس في المرة الأخيرة أن حياته تتعرض لخطر داهم. إذ جرى التحقيق الأخير في مكتب الباقر في فبراير/شباط 2009، قبيل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة قبض بحق الرئيس السوداني عمر البشير بدعوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.حيث ردت السلطات السودانية على قرار إصدار المذكرة بتصعيد قمعها لمعارضيها السياسيين. وعنى ذلك قيام رجال “الأمن القومي” المرهوب الجانب بزيارات لناشطي حقوق الإنسان في مختلف أرجاء البلاد. وأبلغ الباقر منظمة العفو الدولية يوم الاثنين من جنيف، حيث يجتهد من أجل كسب تأييد الأمم المتحدة للإبقاء على خبير حقوق الإنسان في السودان، أنه “وبعد صدور مذكرة القبض، أعلن رئيس جهاز الأمن أنه لن يسمح لمن يدعمون المحكمة الجنائية الدولية بأن يعيشوا، وأنهم ‘يخونون الأمة'”. ويمضى إلى القول: “يوم مغادرتي السودان، استجوبت وأبلغت بأنني ‘عدو’. وكانت الرسالة واضحة جداً: سيضعونني في السجن بتهم ملفقة بالقول إنني أمرر معلومات إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو سيقومون باغتيالي”. وفرّ الباقر إلى بلد مجاور، تاركاً زوجته وابنه خلفه، ومعه سجله في الصحافة السياسية التي كانت طريقة عيشه لأكثر من عقدين من الزمن.وفي الأسبوع الحالي، يواصل حث الأمم المتحدة على عدم سحب خبيرها المستقل من السودان. ويأمل في أن يساعد إبقاء الأمم المتحدة على وجود مستمر لها لمراقبة الأوضاع على وضع حد لقمع حرية التعبير الذي اضطره إلى مغادرة وطنه. ويقول: “من الصعب أن يفسر المرء شعوره عندما يغادر. اعتقلت للمرة الأولى في 1989، وبذلت كل جهد ممكن كي أبقى. واعتقد أن أفضل مكان عمل للصحفي أو لناشط حقوق الإنسان هو داخل وطنه. ولذا، فإن الاضطرار إلى الفرار يقطّع القلب”.     “والأمر لا يقتصر عليّ شخصياً، فأي مدافع عن حقوق الإنسان لا يسعفه الحظ ويقع بين يدي “الأمن القومي” يحصل على المعاملة نفسها. ولكنني محظوظ من زاوية أخرى، فلم أفقد حياتي – بعد. ثمة آخرون قد فقدوا حياتهم.”وقد قبض على ما لا يقل عن 23 شخصاً واستجوبوا هذا العام من قبل الأمن القومي والأجهزة الأمنية في شمال السودان بسبب أنشطتهم المتعلقة بحقوق الإنسان وأنشطتهم السياسية، بمن فيهم 4 صحفيين. وفي 11 فبراير/شباط، وجد الطالب محمد موسى عبد الله قتيلاً وآثار تعذيب على جسده عقب يوم واحد من اعتقاله على أيدي أفراد الأمن القومي والأجهزة الأمنية خارج جامعة الخرطوم التي يدرس فيها. وفي مايو/أيار، تعرض صحفيان في صحيفة “الرأي الشاب” للتعذيب، حسبما ذكر، أثناء وجودهما في حجز  الأمن القومي والأجهزة الأمنية.والباقر هو الأمين العام “لمركز الخرطوم لحقوق الإنسان والتنمية”، الذي أغلق عقب صدور مذكرة القبض على الرئيس البشير. وهو كذلك مراسل “مراسلون بلا حدود” في السودان. ومنذ مغادرته البلاد، تواصلت التهديدات ضد الباقر، بينما يعيش في حالة من الخوف على سلامة أسرته. فيقول: “لست آمناً 100 بالمائة بعد. ما زلت أتلقى مكالمات من عملاء الأمن بانتظام ليسألوا عن مكان وجودي وماذا أفعل، ويبلغوني بأنهم يستطيعون الوصول إلى أينما كنت”.”إننا نواجه مؤسسة وحشية – الأمن القومي – ولذا فمن غير الممكن أبداً أن نطمئن إلى أن عائلاتنا لن تدفع ثمن ما نقوم بها من أنشطة. وهذا تعذيب نفسي.”  وعلى الرغم من المخاطر، فإن الباقر ملتزم بمواصلة نضاله من أجل حقوق الإنسان في وطنه. ويأمل في أن تكون زيارته لجنيف خطوة إيجابية نحو تحسين حالة حقوق الإنسان في السودان، ولا سيما بتمهيد الطريق نحو تصويت حر في استفتاء جنوب السودان بشأن الاستقلال في يناير/كانون الثاني 2001. ويمضى فيصل الباقر إلى القول: “لا بد لهيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من أن تساعد لأننا شهدنا للتو تزويراً للانتخابات، وسيكون هناك استفتاء له أهميته. ومن الضروري أن يتمكن الناس هناك من اتخاذ قرارهم بحرية. أما الآن، فهذا الحق غير متاح لهم”.”سأواصل العمل لأنني لم أفعل أي أمر خاطئ، ولذا فلن أختفي. لا أخشى القتل، وعلي أن أعيش حياتي. وحياتي هي حقوق الإنسان وحرية التعبير. ولذا فأنا متفائل. وعليّ أن أحافظ على تفاؤلي وأواصل نضالي.”ما زالت لدي آمال كبيرة من أجل السودان، وبأن يأتي اليوم الذي أعود فيه إلى الوطن. فهذه الدكتاتورية والقمع لن يستمرا إلى الأبد. وستشرق شمس الحرية في السودان.”