يوم زحفت الجرافات…

لن ينسى المزارع محمود العلام من الضفة الغربية ذلك اليوم الذي قامت فيه جرافات الجيش الإسرائيلي بقطع إمدادات المياه عنه…وتدمير وسائل عيشه.

فقرية بيت أولا التي يعيش فيها محمود، ليست موصولة بشبكة المياه الفلسطينية. وبدلاً من ذلك، فإن أهالي القرية الواقعة إلى الشمال الغربي من مدينة الخليل، يعتمدون على مياه الأمطار التي يجمعونها ويخزنونها في أحواض محفورة في الأرض، تعرف باسم “آبار أو خزانات”.

لقد أصبحت الآبار التسعة الجديدة التي أُنشأت في عام 2006 ، كجزء من مشروع يموِّله الاتحاد الأوروبي ويهدف إلى تحسين مستوى الأمن الغذائي، مصدر فخر للقرية؛ فقد ظلت ذات أهمية حيوية لبقاء العائلات التسع التي كانت تستخدمها إلى أن وصلت الجرافات.

ويقول محمود العلام متذكراً: “لقد دمر [ الجيش الإسرائيلي] كل شيء. فقد هوَت الجرافات بضرباتها على الأرض عدة مرات إلى أسفل وإلى أعلى، فاقتلعت كل شيء”. وخلال بضع دقائق، قُضي على ثمرة سنوات من العمل الشاق. وكانت الآبار قد أُنشأت بمساعدة اثنتين من المنظمات غير الحكومية المحلية، وهما لجان الإغاثة الزراعية الفسلطينية، والمجموعة الهيدرولوجية الفلسطينية.

وكانت تلك الآبار قد وفرت المياه اللازمة لري 3200 شجرة غُرست حديثاً، ومنها أشجار الزيتون واللوز والليمون والتين. كما أسهم المزارعون بقسط كبير من إجمالي تكاليف المشروع.

وقال محمود العلام: “لقد استثمرنا أموالاً كثيرة وبذلنا جهوداً مضنية. فهذه أرض طيبة، وكان المشروع ممتازاً. كما أننا فكّرنا كثيراً في كيفية تشكيل التراسات وبناء الآبار بأفضل الطرق، وفي الاستخدام الأفضل للأرض، وغرسنا الأشجار التي تحتاج إلى القليل من الماء… وكانت الغراس تنمو بشكل جيد…”

إن قصة “بيت أولا” واحدة من الحالات العديدة التي استهدفت فيها القوات الإسرائيلية مجتمعات فلسطينية في المنطقة.

ففي 4 يونيو/حزيران 2009، دمر الجيش الإسرائيلي منازل وحظائر ماشية تملكها 18 عائلة فلسطينية في خربة الرأس الأحمر التي تقع في منطقة غور الأدرن بالضفة الغربية. وقد تضرر من تلك العملية ما يربو على 130 شخصاً، بينهم العديد من الأطفال. وصادر الجنود خزان الماء وجراراً ومقطورة كان أهل القرية يستخدمونها لجلب الماء. وتُرك الأهالي بلا مأوى أو إمدادات ماء في أشد أوقات السنة حراً.

وفي 28 يوليو/تموز 2007، قام الجنود الإسرائيليون المرابطون على نقطة تفتيش عسكرية بمصادرة جرار وصهريج ماء يملكهما أحمد عبدالله بني عودة، وهو من سكان خربة حمصة.

وقال مسؤول في الجيش الإسرائيلي لمنظمة العفو الدولية إنه تمت مصادرة الأشياء الحيوية في محاولة لإرغام القرويين على مغادرة المنطقة، التي أعلنها الجيش “منطقة عسكرية مغلقة”.

وفي قرية أخرى، قام الجيش الإسرائيلي بتدمير بئر تُجمع فيه مياه الأمطار ويملكه قرويون فلسطينيون بذريعة أنه أُنشأ بدون تصريح. ويُشترط الحصول على تصاريح لإنشاء مشاريع المياه من السلطات الإسرائيلية، التي نادراً ما تمنحها للفلسطينين.

وفي السنوات الأخيرة، تكررت عمليات هدم منازل الفلسطينين الذين يعيشون في غور الأردن ومصادرة خزانات المياه التي يملكونها.

وفي كل مرة يقوم القرويون بإعادة بناء المنازل- الخيم والسقائف المصنوعة من الصفائح المعدنية والبلاستيكية. ونظراً لأن القرويين مصممون على البقاء في أرضهم على الرغم من القسوة المفرطة التي تتسم بها الظروف المعيشية، فقد عمد الجيش الإسرائيلي إلى فرض قيود متزايدة على إمكانية حصولهم على الماء، وذلك كأسلوب لإرغامهم على هجر منطقتهم.

فقد قالت إنعام بشارات، وهي أم لسبعة أطفال من قرية الحديدية، لمنظمة العفو الدولية: “إننا نعيش في أقسى الظروف، بلا ماء ولاكهرباء ولاخدمات.” وأضافت تقول: “إن عدم توفر الماء يمثل المشكلة الأكبر؛ إذ يقضي الرجال معظم وقتهم في البحث عن الماء، ولكنهم لا يحصلون عليها دائماً. وليس لدينا خيارات، فنحن بحاجة إلى قليل من الماء كي نعيش وكي تبقى أغنامنا على قيد الحياة. فبدون الماء، تنعدم الحياة.”

“لقد قطعنا الجيش [الإسرائيلي] عن كل شيء… فنحن لا نختار العيش بهذه الطريقة؛ وبودنا أن يكون لدينا بيوت جميلة وحدائق ومزارع، ولكن هذه الامتيازات لا يتمتع بها سوى المستوطنون الإسرائيليون…أما نحن فلا يُسمح لنا بالحصول على الخدمات الأساسية.”

لقد أجبر عدم توفر المياه العديد من الفلسطينيين على مغادرة غور الأردن، وبات مجرد بقاء المجتمعات هناك عرضة لخطر متزايد. وفي بيت أولا، تتعرض وسائل عيش محمود العلام لخطر مماثل.

ومضت بشارات تقول: “يعتصرني الألم وأنا أرى هذا الدمار كلما أتيتُ إلى هنا؛ فقد أصبح كل ما عملنا من أجله أثراً بعد عين.” وتساءلت: “لماذا يريد أي شخص أن يفعل بنا ذلك؟ وأي نفع يمكن أن يجنيه منه؟”