كررت منظمة العفو الدولية دعوتها إلى إجراء تحقيق علني مستقل في مزاعم تواطؤ المملكة المتحدة في التعذيب. وتأتي هذه الدعوة رداً على البيانات التي أدلى بها مؤخراً وزيرا الخارجية والداخلية في المملكة المتحدة فيما يتعلق بالمعلومات الاستخبارية التي تم الحصول عليها تحت وطأة التعذيب.
وأصدر رئيس جهاز MI6، وهو جهاز المخابرات السرية البريطاني، نفياً تاماً لضلوع موظفيه في تعذيب أو إساءة معاملة الأشخاص المشتبه في علاقتهم بالإرهاب من المعتقلين في خارج بلاده. ويأتي ذلك النفي عقب القرار الذي اتخذه كبار المسؤولين في الأسبوع الماضي بالظهور علناً لمواجهة الأدلة المتزايدة على أن عملاء بريطانيين تورطوا في استجواب أشخاص يُشتبه في علاقتهم بالإرهاب في باكستان وغيرها من البلدان.
وقالت جوليا هول، الباحثة في شؤون مكافحة الإرهاب في برنامج أوروبا ووسط آسيا التابع لمنظمة العفو الدولية: “إن المزاعم المتعلقة بضلوع المملكة المتحدة في أعمال التعذيب هي مزاعم خطيرة ولا يمكن الرد عليها بمجرد إصدار بيانات تتعلق بالسياسات العامة. وإذا كانت الحكومة مصرة على أن عملاءها غير ضالعين في التعذيب، فإنها ينبغي ألا تخشى اتباع عملية شفافة يمكن أن تثبت من خلالها صحة ما تقول.”
وكرر وزير الخارجية البريطاني، ديفيد ميليباند ووزير الداخلية آلان جونسون يوم الأحد معارضة الحكومة للتعذيب. بيد أنهما قالا إنه من غير الممكن استبعاد الخطر من إمكانية استخدام المعلومات الاستخبارية التي تم الحصول عليها عن طريق إساءة المعاملة.
وفي مقالة مشتركة نُشرت في جريدة “ذي صنداي تلغراف” قال الوزيران: “إن المطلوب من وكالاتنا تقليص مخاطر إساءة المعاملة إلى أدنى حد، بل تفادي وقوع هذه المخاطر حيثما أمكن ذلك.”
وأضافا يقولان “إن جهوداً هائلة تُبذل لتقييم المخاطر في كل حالة. وقد أُوقفت العمليات التي انطوت على درجة عالية جداً من المخاطر، ولكن من غير الممكن القضاء على جميع المخاطر، ولا بد من اتخاذ القرارات في النهاية.”
وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، نفى السير جون سكارليت، رئيس جهاز MI6، ضلوع موظفي المخابرات البريطانية في التعذيب. بيد أنه قال إن قضية التواطؤ في تعذيب المشتبه بهم في الخارج يجب أن تُناقش في سياق الحرب على الإرهاب.
وقالت جوليا هول:”إن بيان السير جون سكارليت الخاص بالسياسة الحالية لا يقدم أي رد واضح على المزاعم الخطيرة المتعلقة بالتورط في الماضي في الحصول على معلومات استخبارية من الأشخاص المعتقلين في الخارج ممن يُشتبه في علاقتهم بالإرهاب تحت وطأة التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة واستخدامها ضدهم.”
وأضافت جوليا هول تقول: “يبدو أن هذه البيانات جميعاً تأتي في سياق فكرة مؤداها أن التعذيب ربما يكون أمراً لا مفر منه من أجل حماية الجمهور من الإرهاب. ولكننا شهدنا ارتدادات عكسية لهذه الفكرة مراراً وتكراراً في السنوات الثماني الأخيرة. فالتقيد بحقوق الإنسان هو الذي يوفر الحماية الأفضل، وليس ضرب مثل سيء، وتأجيج التوترات من خلال التساهل مع التعذيب.”
وتأتي هذه التعليقات العلنية لكبار المسؤولين بعد صدور تقريرين منفصلين في الأسبوع الماضي عن لجنتين برلمانيتين بريطانيتين أعربتا فيهما عن القلق العميق من أن حكومة المملكة المتحدة لم ترد بشكل كاف على المزاعم التي تقول إن السلطات البريطانية كانت على علم بإساءة المعاملة التي تعرض لها أشخاص معتقلون في الخارج ممن يشتبه في علاقتهم بالإرهاب، وضالعة فيها.
ففي 4 أغسطس/آب، اتهمت اللجنة البرلمانية المشتركة لحقوق الإنسان حكومة المملكة المتحدة بأنها “مصممة على تفادي التدقيق البرلماني” في مدى معرفتها بتعذيب الأشخاص المشتبه في علاقتهم بالإرهاب والمحتجزين لدى أجهزة الاستخبارات في باكستان وغيرها من البلدان. وذكر تقرير اللجنة البرلمانية المشتركة لحقوق الإنسان أن إجراء تحقيق مستقل هو السبيل الوحيد لاستعادة ثقة الجمهور في وكالات الاستخبارات والأمن.
وفي 9 أغسطس/آب، أعربت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني عن قلقها بشأن التورط في تعذيب وإساءة معاملة الأشخاص المشتبه بعلاقتهم بالإرهاب من المحتجزين في الخارج. وذكرت هذه اللجنة في تقريرها السنوي: “أن ثمة مخاطرة في أن استخدام الأدلة التي ربما تكون قد انتُزعت تحت وطأة التعذيب بصورة منتظمة، وخاصة عندما لا يكون واضحاً أن الإعلانات بشأن إساءة المعاملة قد أدت إلى أي تغيير في سلوك أجهزة المخابرات الأجنبية، يمكن أن يعتبر نوعاً من التواطؤ في مثل هذا السلوك.”
وخلصت جوليا هول إلى القول: “إنه لا يجوز للمملكة المتحدة أن تنتقي متى ستراعي التزاماتها القانونية: فالتعذيب والتواطؤ في التعذيب ممارسة محظورة بشكل مطلق. وقد آن الأوان لإجراء تقييم لسجل الحكومة البريطانية ومساءلة الأشخاص المسؤولين عن مثل الانتهاكات الخطيرة”.