ينبغي على السلطات الإيرانية احترام النقاش وتشجيعه

أياً تكن النتيجة الفورية للأحداث التي تتكشف فصولاً الآن في إيران، فهي حاسمة بكل معنى الكلمة، حيث إن المشاهد التي نُقلت من طهران وعبر العالم يوم الاثنين أحدثت دهشة لأنها لم تكن متوقعة: فمئات الآلاف من الإيرانيين خرجوا في مواكب ومسيرات إلى ميدان الحرية في طهران احتجاجاً على ما يزعمون أنه سرقة للانتخابات. وعادوا طوال الأسبوع، مرة أخرى بأعداد كبيرة برغم العنف الذي اندلع في نهاية مهرجان الاثنين، وقمع الحكومة لوسائل الإعلام. وبعد أن خرج الشعب الإيراني للتصويت بأعداد لا يحلم بها السياسيون في معظم الدول، عقد العزم على إسماع صوته.
ويصح هذا الأمر على أولئك الذين لم يشاركوا في الانتخابات الرئاسية السابقة في عام 2005، لكن جرى استقطابهم بالطريقة غير المسبوقة التي نقلت فيها وسائل الإعلام الإيرانية أخبار حملة هذا العام، فغطت المنابر الانتخابية للمرشحين الأربعة، وقدمت بثاً حياً للمناظرات المتلفزة. والناس –  بخاصة الشبان الذين يشكلون أغلبية الشعب – وجدوا فجأة سبباً للمشاركة، وتقاطروا إلى صناديق الاقتراع. والشبان، والطلاب بينهم، الذين أيد العديد منهم مرشحي المعارضة – هم الذين يُعامَلون على وجه الخصوص بقسوة – إذ جرى اقتحام حرم الجامعات في طهران وتبريز وبابول وأصفهان وشيراز، وتعرض الطلبة للضرب، لا بل إن بعضهم تعرض للقتل كما ورد.
لكن شبان إيران ليسوا الوحيدين الذين هبوا للدفاع عن حقوقهم. فقد لعبت نساء كثيرات دوراً بارزاً في صفوف الذين احتشدوا في الشوارع. فالإسهام المميز لزهراء ناهنافارد ساعد على  إعطاء زخم للحملة الانتخابية لزوجها مير حسين موسوي المنافس الرئيسي للرئيس الحالي أحمدي نجاد. وفي الواقع احتلت مسألة حقوق المرأة ووضعها مكانة بارزة خلال الحملة الانتخابية، حيث عكست الدرجة التي تصدرت فيها هذه القضايا واجهة المناظرات السياسية من خلال التصميم الجريء لنشطاء الحركة النسائية – مثل حملة المليون توقيع، وهي حركة جماهيرية تطالب بوضع حد للتمييز القانوني ضد المرأة.
كذلك احتلت حقوق الأقليات الإثنية المتنوعة في إيران – الجماعات التي جهرت بصوتها بشكل متزايد في السنوات الأخيرة مطالبة بقدر أكبر من الحقوق السياسية والثقافية، حيزاً بارزاً على قائمة القضايا. ويمكن اعتبار اثنين من المرشحين الأربعة ممثلين لأقليات إثنية معينة. وفي الواقع يجد العديد من الناس صعوبة بالغة في تصديق إعلان السلطات بأن هذين المرشحين أخفقا في الحصول على الأغلبية في مجتمعاتهم المحلية. وقد وردت أنباء عن حصول اعتقالات في مدن تضم عدداً كبيراً من الأقليات بينها الأهواز وتبريز وزهدان.

والسمة الأخرى المثيرة للاهتمام في ما يجري في طهران وغيرها من المدن في إيران هي الطريقة التي يستخدم فيها الناس الشبكات الاجتماعية كأداة جبارة وتخويلية لممارسة حقهم في حرية التعبير، كأفراد وفي المظاهرات الجماهيرية. فمواقع شبكية مثل فيس بوك وتويتر والرسائل النصية الصغيرة أس أم أس استُخدمت على نطاق واسع خلال الحملة الانتخابية لحشد التأييد للمرشحين، برغم الجهود التي بذلتها الحكومة لمنع الدخول إليها. والآن تحاول السلطات منع بث الأخبار حول الوضع المستجد بمنع البث الفضائي والدخول إلى الإنترنت، حيث تُحظر على الصحفيين الأجانب تغطية المظاهرات، وتقطع الخطوط الهاتفية، وتغلق غيرها من وسائل الاتصالات اللاسلكية مثل رسائل أس أم اس. وبرغم ذلك ظل شبان إيران ونشطاؤها البارعون تقنياً متفوقين حتى الآن على الرقابة، ويبتكرون طرقاً للالتفاف على عمليات الإغلاق لنقل المعلومات إلى أبناء وطنهم وإلى العالم عموماً.

ولم تشهد البلاد هذا الحجم من الاحتجاجات منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979، وعلى مدى الثلاثين عاماً الماضية كانت القوة تُستخدم لسحق الاحتجاجات بسرعة خاطفة. ويقول مراسلو وسائل الإعلام في طهران إن السلطات لم تكن ببساطة تتوقع رؤية مئات الآلاف من الناس يخرجون إلى الشوارع في تحد لجميع التهديدات. فقد أخافها هذا المشهد.

لكنها لا تملك الحق في قمع المعارضة السلمية عبر تكتيكات الترهيب. ويتعين على السلطات واجب الحفاظ على الأمن والنظام، لكن عليها التقيد بالمعايير الدولية للحفاظ على الأمن: وينبغي أن تجري هيئة محايدة تحقيقات عاجلة في وفاة المتظاهرين الذين قُتلوا في طهران وأي مكان آخر.

وعليها أن تدرك أن المناقشات الصحية للقضايا ذات الأهمية الجوهرية لحياة الناس تنير طريق الجهات التي ترسم السياسات ولا تهددها، وأن الشبان الذي يملكون طاقات وتفاؤل لا حدود لهما هم مصدر الحلول المستقبلية للعديد من المشاكل الملحة التي يواجهها كوكبنا. وينبغي على السلطات الإيرانية أن تتعلم احترام النقاش وتشجيعه، لا أن تسعى إلى خنقه. وعلى أية حال، فحتى لو أفلحت على المدى القصير في قمعه، إلا أن مارد الصحوة السياسية التي تعم إيران الآن – ومفادها أن كل فرد يستطيع أن يؤثر سلمياً على مصير بلاده – لا يمكن إعادته بسهولة إلى قمقم الخوف.