حكومة نيبال تتقاعس عن حماية ناشطات حقوق الإنسان

لقيت أوما سينغ، وهي صحفية وناشطة شابة، مصرعها لإثارتها قضية العنف ضد المرأة في نيبال. إذ طُعنت أوما، التي كانت تعمل في إذاعة إف أم  تحمل اسم “راديو اليوم” وفي “شبكة الدفاع عن الحقوق الإنسانية للمرأة”، حتى الموت على أيدي عصابة من الرجال في 11 يناير/كانون الثاني 2009.

وكانت جمعية تأسيسية جديدة قد انتخبت في نيبال في 10 أبريل/نيسان 2008. حيث أحيت الانتخابات الآمال في أن تحتل حقوق الإنسان موقع القلب في عمل الجمعية التأسيسية مع تعهدات الحكومة الماوية الجديدة بوضع حد للإفلات من العقاب وبتحسين حالة حقوق الإنسان في نيبال على وجه التحديد، بما في ذلك حقوق المرأة والمدافعات عن حقوق الإنسان.

وفي يوليو/تموز، أنشأت الحكومة “فريق مهام” كلفته بتقديم توصيات بالعلاقة مع العنف ضد المرأة وبتجريم العنف العائلي، وذلك إثر مظاهرات احتجاج ممتدة نظمتها مدافعات عن الحقوق الإنسانية للمرأة وانطلقت في أعقاب مزاعم بمقتل إحدى المدافعات عن هذه الحقوق دون أن تحقق الشرطة في ذلك بصورة مناسبة. وما زال أمام “فريق المهام” تقديم تقريره، الذي كان يفترض أن ينتهي خلال شهرين.

بعد مرور عام، لم يتغير الكثير في الواقع، حيث لا تزال الناشطات يواجهن العقبات في مساعيهن لالتماس العدالة والانتصاف عما يلحق بهن من عنف عائلي وجنسي، وتمييز قائم على جنسهن. فقد لقيت ناشطتان من أجل حقوق المرأة في نيبال مصرعهما منذ تسلم الحكومة الجديدة سلطاتها، ولم تُبذل محاولات ذات مغزى للتحقيق في الجريمتين ومقاضاة مرتكبيهما.

وقد زارت بعثة لمنظمة العفو الدولية نيبال في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 وتحدثت إلى طيف واسع من المدافعات عن حقوق الإنسان: هندوسيات ومسلمات وداليت وجاناجاتيات وغير ذلك من الفئات المهمشة، كما تحدثت إلى ناشطات وناشطين بشأن حقوق ذوي الميول الجنسية المثلية وذوي الميول الثنائية والمتحولين إلى الجنس الآخر. وروت ناشطات نسائيات للمنظمة حكاياتهن المتعلقة بما يواجهن من تحديات وما يقمن به من نضالات، كما تحدثن عن آمالهن وهن يتصدين لقضية الحقوق الإنسانية للمرأة.

وقد وجدت منظمة العفو الدولية أن الناشطات من أجل حقوق الإنسان، وعلى الرغم من الوعود الانتخابية للحكومة، ما زلن يتعرضن لمخاطر كبيرة بأن يُعتدى عليهن لتجرؤهن على تحدي النظام الأبوي (البطرياركي) في نيبال. إذ أصبحت بعضهن منبوذات اجتماعياً لإثارتهن قضية العنف الأسري والجنسي، كما يمكن أن يواجهن الترهيب والضرب، وحتى القتل. وترفض الشرطة النيبالية غالباً قبول الشكاوى أو فتح تحقيق واف في الهجمات وتوفير الحماية، فتُترك النساء ليواجهن المزيد من الاضطهاد وسط عائلاتهن ومجتمعاتهن.

وتعليقاً على هذه الأوضاع، قال مادهو مالهوترا، نائب مدير برنامج آسيا والمحيط الهادئ في منظمة العفو الدولية، إن “الحكومة الماوية أعلنت عندما تسلمت السلطة التزامها بحماية حقوق المرأة، ولكن يبدو أن هذه لم تكن سوى وعوداً كاذبة. فهم الآن في السلطة، ولم يترتب على كل كلامها الثوري الطنان أية تحسينات حقيقية على حياة المرأة”.

ومضى مادهو مالهوترا إلى القول: “إن الناشطات من النساء يلعبن دوراً حاسماً في نيبال، حيث لا تعي العديد من النساء حقوقهن ويخشين مواجهة السلطة الاجتماعية والحكومية. ويتم الاستفراد بالناشطات النساء فيستهدفن بالهجمات العنيفة نظراً لأن هذا يعزز ثقافة الصمت ويثبط عزائم النساء اللاتي يتعرضن للعنف عن الجهر بآرائهن”.

وقد اتسمت تجربة كل ناشطة من الناشطات بالفرادة والاختلاف، بحسب المناطق اللاتي يعملن فيها. فعلى النساء اللاتي ينخرطن في الدعاية السياسية في العاصمة، كاتماندو، مواجهة النظرات السائدة في مجتمع أبوي يعتبر النساء مواطنات من الدرجة الثانية. وفي هذا الشأن، قالت إحدى الناشطات إنه “حتى ناشطو حقوق الإنسان لا يأخذون حقوق المرأة على محمل الجد، على ما يبدو”.

وتعمل ريتا ماهاتو، وهي مستشارة صحية في الثلاثين من العمر، مع “المركز النسوي لإعادة التأهيل” في مقاطعة سيراها، وهو منظمة تساعد الناجيات من العنف العائلي والجنسي. وقد تعرضت ريتا للتهديد بالاغتصاب والقتل في يونيو/حزيران 2007 عندما اقتحم رجال يعارضون عمل منظمتها مكتبها. ولم تباشر الشرطة بأي تحقيق في الهجوم.

كما تعمل الناشطات النسائيات في نيبال غالباً في أماكن نائية لا تملك سوى حداً أدنى من وسائل الاتصال وآليات الدعم. ويواجهن ممارسات ثقافية تقوم على التمييز، من قبيل الزواج المبكر للأطفال وأعمال الشعوذة. وأبلغت إحدى الناشطات منظمة العفو الدولية إنه “ما إن تخطو أي امرأة خطوة إلى الإمام حتى تتهم بأنها مشعوذة”.

وتتعرض الناشطات في مقاطعة تيراي الشرقية، في جنوب نيبال، كذلك لخطر العنف استناداً إلى جنسهن. وتشمل الانتهاكات التي تصدت لها الناشطات، حسبما ذُكر، الاغتصاب من قبل ملاك الأراضي وأفراد الجماعات المسلحة، كما تشمل حالات من العنف العائلي، بما في ذلك على أيدي شركائهن، وأعمال قتل تتعلق بالمهور.

حكاية ديف كوماري
ديف كوماري ماهارا زميلة لريتا ماهاتو. وفي أبريل/نيسان 2007 دُعيت إلى مشهد لجريمة وقعت بالقرب من بيتها. حيث اتُّهم أحد جيرانها باغتصاب زوجة رجل أخرس. وكانت الضحية قد تعرضت للضرب ولتمزيق قميصها، بينما بدا وجهها منتفخاً. كما تعرفت الضحية على المعتدي عليها.

ونظراً لما عهدته من عداء لها من جانب الشرطة، اتصلت ديف كوماري ابتداء بشبكة المدافعات عن الحقوق الإنسانية للمرأة. ولم تأت الشرطة إلى مسرح الجريمة رغم تبليغ ديف كوماري لها عن طريق الهاتف، ولذا كان عليها أن تأخذ الضحية إلى المستشفى.
ولكن بلدة سيراها تخلو من أي خدمات طبية مجانية لضحايا الاغتصاب. ولم يُصدر الطبيب الذي فحصها تقريراً بالاغتصاب يمكن استخدامه كدليل. وبحسب ما قالته ديف كوماري، كان المغتصب المزعوم ينتمي إلى عائلة غنية وقادراً على رشوة الشرطة والطبيب.

وعقب تقدم ديف كوماري بشكوى رسمية في قضية الاغتصاب، اتصل المتهم بمجموعة من أعوانه وراح هؤلاء يضايقونها. وعندما حاولت “شبكة المدافعات عن الحقوق الإنسانية للمرأة” التقدم بشكوى بشأن الاغتصاب وما تلاه من مضايقات، تجمعت عصابة من الرجال خارج مركز الشرطة.

وقالت ديف كوماري: “هددوا بقتلي، وبقطع ساقيّ، وباغتصابي وحرقي وأنا على قيد الحياة”. وعلى الرغم من مشاهدة رجال الشرطة هذه التهديدات بأم أعينهم، لم يتصدوا للحادثة أو يحققوا فيها.

وأضافت ديف كوماري أن الطريقة المعتادة لتسوية تهم الاغتصاب في سيراها هي أن يدفع المغتصب تعويض صلحة كي تنسى الضحية الأمر.

وأظهرت أبحاث منظمة العفو الدولية أنه، وعوضاً عن فتح تحقيقات في الحوادث، تُدفع النساء من قبل الشرطة والعائلة والمجتمع إلى قبول عدالة المجتمع المحلي التقليدية غير الرسمية، حيث تلعب الرشاوى والتمييز وعدم أهمية الجريمة التي ترتكب دورها، ما يحول دون تحقيق العدالة الحقيقية. وأبلغت الناشطات النسائيات منظمة العفو الدولية أنهن كثيراً ما يتعرضن للإهانة من قبل الشرطة عندما يحاولن الإبلاغ عن الحوادث.   

وغالباً ما تلجأ الضحايا إلى المعالجة السريعة بحسب وصفات العدالة المجتمعية. فالأنظمة التقليدية لتسوية النـزاعات شائعة في مختلف أنحاء نيبال نظراً للحواجز التي تعترض سبل الانتصاف عن طريق آليات العدالة الرسمية.

إن واجب الدولة في حماية النساء من العنف مكرس على نحو صريح في “إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على العنف ضد المرأة”، الذي صدقت نيبال عليه. حيث ينبغي على الدول أن تعتمد “بكافة الطرق المناسبة، وبلا إبطاء، سياسة تكفل القضاء على العنف ضد المرأة” (المادة 4). وبمقتضى القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن على الدولة واجباً ليس فحسب في أن تضمن عدم ارتكاب ممثليها وموظفيها الرسميين العنف ضد المرأة، وإنما أيضاً في أن تحمي المرأة من العنف الذي يرتكب على أيدي أفراد خاصين وهيئات غير حكومية، بما في ذلك أفراد عائلة المرأة ومجتمعها أنفسهم.

إن ناشطات مثل ديف كوماري يعشن على أمل أن تتحقق العدالة. وتقول: “سأواصل النضال، ولكنني أريد من أعضاء الجمعية التأسيسية أن يتبنوا حقوق المرأة. ونحن في انتظار العدالة”.