يتعين على الجيش الإسرائيلي إعلان نتائج تحقيقه في صراع غزة على الملأ

يتعرض الجيش الإسرائيلي للضغوط كي ينشر على الملأ التفاصيل الكاملة للتحقيق الذي أجراه في تصرفات قواته إبان الأيام الاثنين والعشرين من الهجوم العسكري على غزة، الذي بدأ في 27 ديسمبر/كانون الأول 2008. إذ خلُصت “قوات الدفاع الإسرائيلية” إلى أن قواتها لم ترتكب أي انتهاكات لحقوق الإنسان، كما لم ترتكب سوى بعض الأخطاء النادرة، التي ربما أفضى بعضها إلى مقتل مدنيين فلسطينيين. وتعليقاً على تقرير الجيش الإسرائيلي، قالت دوناتيلاّ روفيرا، الباحثة بشأن إسرائيل/الأراضي الفلسطينية المحتلة في منظمة العفو الدولية، إنه “ثمة هوة كبيرة تثير الدهشة بين ‘العدد الصغير جداً’ من الأخطاء التي تشير إليها التقرير  الموجز الصادر عن “جيش الدفاع الإسرائيلي” وبين قتل القوات الإسرائيلية نحو 300 طفل ومئات المدنيين الآخرين العزَّل. حتى أن تقرير الجيش لا يكلف نفسه عناء محاولة تفسير كون الأغلبية الساحقة ممن قتلوا هم من المدنيين، ولا الحجم الهائل من الدمار الذي تسبب به للمباني المدنية في غزة”. ويفتقر التقرير، الذي وزعه “جيش الدفاع الإسرائيلي” على الصحفيين الأربعاء، ويقول إن “جميع ما أورده من معطيات ينبغي أن يُستخدم كخلفية مرجعية تُنسب إلى المراسل فقط”، إلى تفاصيل في غاية الأهمية. وقالت دوناتيلاّ روفيرا: “إن التقرير في معظمه هو مجرد تكرار لادعاءات الجيش والسلطات العديدة التي أطلقت منذ الأيام الأولى ‘لعملية الرصاص المصهور’، ولكن دون أن يعرض الأدلة الضرورية لإسناد المزاعم التي أوردها. “وفي غياب الأدلة الضرورية لإثبات مزاعمه، تبدو ادعاءات الجيش مجرد محاولة للتنصل من مسؤولياته أكثر منها عملية صادقة للتوصل إلى الحقيقة. ومثل هذه المقاربة تفتقر إلى المصداقية. “وفي نهاية المطاف، يظل من مسؤولية من قاموا بعمليات القصف الجوي والمدفعي، وبغيرها من الهجمات، تقديم الأدلة على أن هجماتهم كانت تستهدف حقاً أهدافاً عسكرية مشروعة – ومن غير المطلوب من الضحايا أن يثبتوا أنهم لم يشاركوا في أنشطة قتالية. وما قدمه الجيش من معلومات لم يلب هذا المتطلب حتى الآن”. ففيما يتعلق بالحادثة التي وقعت بالقرب من مدرسة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الأنروا، (مدرسة الفاخورة) في جباليا بتاريخ 6 يناير/كانون الثاني 2009، يقول إيجاز الجيش إن “الجنود قاموا بالرد بالحد الأدنى من النيران وبصورة متناسبة، مستخدمين في ذلك أكثر الأسلحة التي بين أيديهم دقة”. وواقع الحال هو أن الجنود أطلقوا ما لا يقل عن أربع قنابل مورتر على شارع مكتظ.   إن مدافع المورتر أسلحة ميدانية لا يمكن توجيهها لإصابة هدف محدد، وتحتمل هامشاً واسعاً من الخطأ. وكان من المؤكد أن استخدام مثل هذا السلاح غير الدقيق على نحو شائن في مناطق مكتظة بالمدنيين سوف يتسبب في قتل وإصابة مدنيين، وما كان ينبغي استعماله أبداً. وبينما يدعي الجيش أن مجموع من قتلوا في هذه الهجمات كان 12 شخصاً – خمسة من المقاتلين وسبعة من المدنيين – فإن حقيقة الأمر تشير إلى مقتل نحو 30 شخصاً معظمهم من المدنيين. وفيما يخص استخدام الفسفور الأبيض والهجمات بالمدفعية على المقر الرئيسي للأنروا في وسط مدينة غزة في 15 يناير/كانون الثاني 2009، يدعي الجيش أنه “يبدو أن شظايا من المقذوفات الدخانية أصابت مستودعاً يقع في المقر الرئيسي [للأنروا]”. وفي واقع الحال، لم يكن ما أصاب مجمع الأنروا مجرد شظايا. فقد رأى باحثو منظمة العفو بأنفسهم عدة عبوات مدفعية من الفسفور الأبيض كانت قد سقطت وانفجرت داخل المجمع، سوية مع قنبلة مدفعية واحدة شديدة الانفجار على الأقل. وليس ثمة سبب للشك لدى منظمة العفو الدولية بتأكيدات الجيش أنه لم يستهدف مجمع الأنروا، نظراً لأن المدفعية تفتقر إلى الدقة بصورة مريعة بحيث ينبغي عدم استخدامها للتصويب على أهداف دقيقة. ومضت دوناتيلاّ روفيرا إلى القول: ” إن الأمر المطروح هنا هو الاستخدام غير القانوني لسلاح يفتقر إلى الدقة مثل المدفعية، والأكثر من هذا، استخدام مدفعية تطلق مادة بخطورة الفسفور الأبيض وسط مناطق سكنية في غاية الاكتظاظ”. وفندت منظمة العفو الدولية كذلك ادعاءات الجيش بأنه “لم يستخدم أي ذخائر فسفورية … في مناطق تضم مبان” وبأن “القطع المشبعة بالفسفور لا تتسبب بالتسمم الناجم عن الحروق”. فقد قامت بعثة تقص للحقائق تابعة لمنظمة العفو الدولية بأبحاث في جنوب إسرائيل وغزة في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، أي أثناء الهجوم العسكري وبعده. ووجد باحثو منظمة العفو الدولية على أرض الميدان مئات الأسهم المشظاة المشبعة بالفسفور الأبيض في المناطق المأهولة بالسكان في كافة أنحاء غزة، حيث كان الدخان لا يزال يتصاعد منها بعد أسابيع من إطلاقها. كما وجدوا عشرات العبوات لقنابل المدفعية التي نشرت الفسفور الأبيض في جميع أنحاء غزة. وأضافت دوناتيلاّ روفيرا قائلة: “إن وفاة وإصابة العديد من المدنيين والدمار الواسع الناجم عن الهجمات، والتي غالباً ما شكلت خرقاً للقانون الإنساني الدولي، يستدعيان فتح تحقيق واف ومستقل وغير متحيز فيما حدث”.   واختتمت دوناتيلاّ روفيرا بالقول: “يتعين على الجيش الإسرائيلي أن يقدم معلومات محددة وتفصيلية عن الأسباب الكامنة وراء اختياره الأهداف والوسائل والأساليب التي استخدمها في هجماته حتى يكون بالإمكان تقييم ما توصل إليه جيش الدفاع الإسرائيلي من استخلاص بأنه قد تقيد بالكامل بأحكام القانون الإنساني الدولي. أما المعلومات المقدمة في التقرير الموجز فهي غير كافية، وفي أجزاء منها تناقض الأدلة التي جمعتها منظمة العفو الدولية وآخرون”. ومنذ أوائل فبراير/شباط، دأبت منظمة العفو بشكل متكرر على طلب لقاء مع الجيش الإسرائيلي لمناقشة بواعث قلق المنظمة بشأن انتهاكات القانون الإنساني الدولي أثناء “عملية الرصاص المصهور”، وقدَّمت قائمة مفصَّلة بالحالات والموضوعات التي طلبت معلومات بشأنها. وحتى اليوم، لم يرد “جيش الدفاع الإسرائيلي” على طلبات المنظمة. كما دعت منظمة العفو الدولية السلطات الإسرائيلية إلى إعادة النظر في رفضها التعاون مع بعثة تقصي الحقائق التي شكلها “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة”، برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون، الذي أوضح بجلاء أن مقصد البعثة هو التحقيق في انتهاكات القانون الدولي من جانب جميع أطراف النـزاع في غزة وجنوب إسرائيل. وجددت المنظمة دعوتها إلى مجلس مجلس الأمن الدولي كذلك بأن يباشر تحقيقاً دولياً مستقلاً فيما زُعم من جرائم حرب، وفي غيرها من الانتهاكات للقانون الدولي من قبل جميع الأطراف.