حثت منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية على التوسع في التحقيقات خارج النطاق الضيق الذي حُدد لصلاحيات “المحكمة الخاصة بلبنان”، التي تنحصر في التحقيق في مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري و22 شخصاً أخر في 14 فبراير/ شباط 2005.
وتسعى منظمة العفو الدولية إلى تحرك عاجل من أجل تقديم مرتكبي الانتهاكات الجسيمة الأخرى لحقوق الإنسان إلى ساحة العدالة.
وفي هذا السياق، قال مالكولم سمارت، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إن “المحكمة الخاصة وحدها غير كافية للقيام بالرد الكافي على نمط الإفلات من العقاب الذي ساد لزمن طويل في لبنان.
“فمع أن إنشاء المحكمة الخاصة خطوة إيجابية يمكن أن تساعد على ضمان العدالة بشأن الجرائم الخطيرة التي تحقق فيها. إلا أنه ينبغي أن تصاحبها، إذا ما أريد لها أن تكتسب المصداقية وثقة الجمهور، تدابير تكميلية تتصدى لانتهاكات الماضي الجسيمة لحقوق الإنسان، وتلك التي ما زالت مستمرة حتى الوقت الراهن”.
وتحقق “المحكمة الخاصة”، التي أنشأها مجلس الأمن الدولي في عام 2007، أيضاً في سلسلة من جرائم القتل ومحاولات الاغتيال الأخرى التي ارتكبت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2004، لرؤية ما إذا كانت لها صلة بقضية رفيق الحريري.
وتنحصر صلاحيات “المحكمة الخاصة”، التي باشرت أعمالها في لاهاي يوم الأحد، في أضيق نطاق لأية محكمة خاصة ذات طابع دولي أنشئت فيما مضى. ما يعني أنها لن تفعل شيئاً من أجل معالجة العدد الضخم من انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة الأخرى التي ارتكبت في لبنان في العقود الأخيرة، ويثير القلق من أن ما يجري تعزيزه هنا ليس سوى عدالة انتقائية على خلفية سياسية فحسب.
وقد دعت منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية إلى فتح تحقيقات مستقلة وغير متحيزة على وجه السرعة في جميع مزاعم الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ارتكبت في السنوات الأخيرة ولم تغطِّها صلاحيات المحكمة.
وتشمل هذه مقتل مدنيين في مخيم نهر البارد للاجئين جراء اشتباكات مسلحة في عام 2007، وتقارير متواترة عن التعذيب والاعتقال التعسفي.
وقالت منظمة العفو الدولية إنه ينبغي على السلطات معالجة وضع الضباط الأربعة المعتقلين بالعلاقة مع التحقيق في مقتل رفيق الحريري، وقضت مجموعة خبراء تابعة للأمم المتحدة بأنهم معتقلون اعتقالاً تعسفياً.
ومضى مالكولم سمارت إلى القول: “إن هذه الصرامة في ضمان تحقيق العدالة في قضية رفيق الحريري تتناقض بصورة ملفتة للنظر مع تقاعس النظام القضائي اللبناني عن تحقيق العدالة بشأن عمليات القتل السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى.
“ومن شأن هذا أن يخلق تصوراً بأن البعض يُعتبر أكثر استحقاقاً للعدالة من الآخرين، ويضع المحكمة الخاصة أمام تحد واضح لمصداقيتها”.
كما إن السلطات اللبنانية لم تكد تفعل شيئاً لمعالجة إرث انتهاكات الماضي الجسيمة لحقوق الإنسان، وعلى وجه الخصوص تلك التي ارتكبت أثناء الحرب الأهلية ما بين 1975 و1990 وبعد أن وضعت أوزارها، بما في ذلك مقتل عشرات الألوف من المدنيين، والاختفاء القسري لألوف أخرى.
ودعت منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية إلى إنشاء لجنة تقصٍ مستقلة للتحقيق في انتهاكات فترة الحرب الأهلية، وإلى إلغاء قوانين العفو لعامي 1991 و2005، حتى يكون بالإمكان مقاضاة المسؤولين عنها.
واختتم مالكولم سمارت بالقول: “إن من الضروري للمجتمع الدولي بعد أن استثمر الكثير في المحكمة الدولية أن يمارس الضغوط الآن على السلطات اللبنانية حتى تركز اهتمامها على كشف الحقيقة وتطبيق العدالة بشأن طيف واسع من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في لبنان، وبغض النظر عن شخصية هؤلاء الضحايا أو الهوية المفترضة للجناة”.