قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن على الحكومة الباكستانية أن تتحرك فوراً لحماية مئات الآلاف من أهالي وادي “سوات” وغيره من مناطق البلاد من هجمات المتمردين. فبحسب التقديرات الرسمية، قُتل على مدار العام الماضي ما لا يقل عن 1,200 شخص، بينما نزح 200,000 – 500,000 غيرهم من وادي “سوات” نتيجة للقتال الدائر بين المجموعات التابعة لطالبان باكستان والجيش الباكستاني.
وفي هذا السياق، قال سام زريفي، مدير برنامج آسيا والمحيط الهادئ في منظمة العفو الدولية، إن “طالبان باكستان قد أظهرت استهتارها بأرواح أهالي وادي سوات وحقوقهم، بينما انتهكت القوات العسكرية الباكستانية في كثير من الأحيان حقوقهم الإنسانية ولم تعر أي اهتمام لسلامة البشر الذين تدعي أنها تحاول حمايتهم”.
فمنذ عام 2007، تمكنت جماعة مسلحة محلية تنتمي عقائدياً إلى حركة طالبان أفغانستان من السيطرة الفعلية على ما يقرب من 80 بالمئة من أراضي وادي “سوات”، الذي كان في يوم من الأيام وجهة للسياح لا تبعد أكثر من 100 ميل عن إسلام أباد.
وارتكبت طالبان باكستان في “سوات” انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك أعمال قتل ذهب ضحيتها عشرات العاملين الحكوميين ومن رأت فيهم خارجين على التعاليم الدينية. إذ لجأت طالبان إلى جلد الرجال على مرأى من الجمهور لحلقهم ذقونهم، بينما دمرت الدكاكين التي تبيع الأشرطة الموسيقية وحظرت على النساء مغادرة منازلهن إلا برفقة محرَم.
وبسبب هذا المناخ من التعصب، أطلقالسكان المحليون على ساحة “منغورا” الرئيسية، كبرى مدن المنطقة، تسمية “خوني تشوك”، أي “الساحة الدموية”، في إشارة إلى عرض طالبان باكستان أكثر من عشرين جثة في الساحة.
ويتواجد في وادي “سوات” نحو 3,000 من متمردي طالبان. وكثيراً ما يعرِّض هؤلاء المدنيين للخطر جراء لجوئهم إلى القرى مع علمهم بأن هذا يمكن أن يسثير حفيظة قوات الجيش.
وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، تأرجح رد الحكومة على تحركات المتمردين في “سوات” وغيره من المناطق القبلية بين شن عمليات عسكرية غالباً ما كانت عشوائية وغير متناسبة ووقع ضحيتها مدنيون، وترْك المواطنين الباكستانيين وشأنهم لانتهاكات الجماعات المتمردة.
وينتشر في وادي “سوات” حالياً ما يصل إلى 15,000 من قوات الحكومة المكلفين بملاحقة المتمردين. ويستخدم هؤلاء المروحيات الهجومية والمدفعية الثقيلة في عملياتهم، وغالباً بطريقة لا تميز بين مدني ومقاتل، ما يُلحق الأذى بالمدنيين قبل غيرهم. ويشير عشرات الآلاف من الأشخاص الذين فروا من المنطقة إلى أن فرارهم يعود إلى الخشية من العمليات العسكرية للحكومة وليس إلى تصرفات طالبان.
ويقول سام زريفي: “إن على الحكومة الباكستانية تطبيق استراتيجية تركز في الأساس على احترام حقوق مواطنيها ورفاههم، والامتناع عن استخدام سياسة العصا العسكرية الغليظة التي تعرض أرواح المدنيين للمخاطر. وينبغي على الحكومة أيضاً ضمان أن لا تترك المدنيين تحت رحمة طالبان”.
وقد أدانت منظمة العفو الدولية الحملة التي تشنها طالبان باكستان ضد التعليم، ولا سيما تعليم البنات. فعلى مدار الأشهر الثمانية عشر الماضية، قامت طالبان بتدمير أكثر من 170 مدرسة في “سوات”، بما في ذلك ما يربو على 100 مدرسة للبنات. وأدت هذه الهجمات إلى انقطاع العملية التعليمية بالنسبة لأكثر من 50,000 طالب، بدءاً بتلاميذ المرحلة الأساسية، وانتهاء بالمستوى الجامعي، بحسب التقديرات الرسمية.
وحثت منظمة العفو الدولية الحكومة على اتخاذ تدابير حمائية كي تكفل مواصلة الطلاب من الجنسين تعليمهم، بما في ذلك من فروا من ديارهم، عندما تعود المدارس إلى فتح أبوابها في 1 مارس/آذار. وقالت منظمة العفو إنه على الحكومة، إذا لم تتمكن من حماية المدارس في المنطقة، ضمان إتاحة وسائل بديلة لتعليم الأطفال النازحين.
ومضى سامي زريفي إلى القول: “إن طالبان، بتدميرها فرص التعلم، تهدد حقوق جيل آخر من الباكستانيين. وعلى الحكومة الباكستانية ضمان تمتع الأشخاص الهاربين من النـزاع بفرص كافية للحصول على احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والرعاية الصحية والتعليم، وتمكين الهيئات الإنسانية المحلية والدولية من تقديم مساعداتها بصورة آمنة”.
خلـفية
“سوات” هي “منطقة مأهولة” مختلفة عن المناطق القبلية المجاورة الواقعة على الحدود مع أفغانستان.
وفي العادة، يقطن وادي “سوات”، نحو 1.5 مليون شخص. وعلى مدار السنتين الماضيتين، تمكن رجل الدين المتشدد مولانا فضل الله وأتباعه من إحكام السيطرة بصورة متزايدة على الإقليم، فارضين إدارة بحكم الأمر الواقع فيه. وقد رسَّخت الجماعة سيطرتها بإقامة نظام قضائي مواز يضم أكثر من 70 “محكمة” لتسيير “العدالة على نحو سريع وسهل”، وفي واقع الحال عن طريق فرض عقوبات ترقى إلى مرتبة المعاملة القاسية أو المهينة أو اللاإنسانية. وقد استخدمت طالبان باكستان فترات البث الليلية على موجات الأف أم لإعلان قوائم بأشخاص “مطلوبين” من السياسيين المحليين والعاملين الحكوميين كي يمثلوا أمام محاكمها أو تحمل التبعات، كما راحوا في الآونة الأخيرة يهددون بقتل جميع المحامين والقضاة إذا لم يتوقفوا عن العمل في النظام القضائي للدولة. وقد طلب نصف المسؤولين في شرطة “سوات”، البالغ عددهم 800، أو ما يزيد على ذلك، إجازات من الخدمة أو تركوا مناصبهم بسبب خشيتهم البقاء على رأس عملهم.
وفي مايو/أيار 2007، انهارت خطة للسلام بين الحكومة والمتمردين في “سوات” سمحت من الناحية العملية للمقاتلين بأن يعيدوا صفوفهم. ومنذ ذلك الوقت، لم تعلن الحكومة أية سياسة واضحة بشأن السبل التي تعتزم انتهاجها لحماية حقوق المقيمين في وادي “سوات”.