حان الوقت لأن تتحمل أسبانيا مسؤوليتها في مضمار حقوق الإنسان

أعلنت منظمة العفو الدولية على الملأ اليوم في مدريد أجندة حقوق الإنسان لفترة الحكم الثانية للحكومة الأسبانية، حيث قدَّمت المنظمة أمس إلى رئيس الحكومة، رودريغيس ثاباتيرو، استعراضاً لمدى ما أحرزته الحكومة من تقدم حتى تاريخه في مجال حقوق الإنسان، وعدداً من الاقتراحات الملموسة للعمل المستقبلي.

وفي هذا السياق، قالت أيرين خان، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “نرحب بالالتزام الذي قطعه رئيس الوزراء ثاباتيرو أمامنا بتبني خطة وطنية لحقوق الإنسان بحلول نهاية 2008. والفرصة سانحة لكي يجسد رئيس الوزراء صفاته القيادية بتحقيق النتائج المرجوة بشأن حقوق الإنسان”.

وتستعرض وثيقة أسبانيا – إلتزام أقوى وعمل أشد فعالية – أجندة حقوق الإنسان للعام 2008 – 2010 مدى التقدم الذي تحقق في الفترة السابقة من ولاية الحكومة، كما تحدد التحديات الأكثر أهمية التي تواجه أسبانيا في مضمار حقوق الإنسان، وترسم ملامح خارطة الطريق نحو التغيير، التي تتضمن قائمة من 17 مؤشراً تشكل محكاً لأداء الحكومة قياساً بما قطعته من وعود.

وقالت آيرين خان: “أبلغنا الرئيس ثاباتيرو أن خطة حقوق الإنسان سوف تكون طموحة، ومما لا شك فيه أننا سنعتبره مسؤولاً عن تحقيق ذلك”. وتدعو منظمة العفو الدولية إلى أن يتم إقرار الخطة بعد التشاور بشأنها على نطاق واسع، وإلى أن تكون منسجمة مع التزامات أسبانيا الدولية ومتسقة في تجسيدها الالتزام نفسه حيال حقوق الإنسان داخل البلاد وخارجها. كما يجب أن تستجيب الخطة لتحديات حقوق الإنسان التي تواجه أسبانيا، بتعزيز الحماية لأشد الفئات ضعفاً وحاجة إليها في المجتمع كالناجيات من العنف والأطفال والمهاجرين والمعتقلين. كما ينبغي أن ترسم علامات واضحة على الطريق يمكن على أساسها قياس مدى ما تحقق من تقدم على نحو شفاف.

وقالت الأمينة العامة: “ينبغي أن لا تكون الخطة مجرد وعود على الورق – بل يجب أن تكون خطة ترمي إلى إحراز النتائج”.

وتظهر مراجعة منظمة العفو الدولية لمسيرة السنوات الأربع الماضية أن ثمة تقدماً قد تحقق في بعض المجالات، بيد أنها تبيِّن كذلك أن هناك حاجة إلى التزام أقوى وعمل أشد فعالية في بعض المجالات الأخرى. وترحب منظمة العفو الدولية بصدور قرار بفرض رقاية على التجارة في المعدات العسكرية وقانون لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي. إذ يعكس هذان القانونان وجود الإرادة السياسية، بيد أن الأمر يستدعي أكثر من مجرد الإرادة السياسية لتحويل هذه التدابير إلى عمل فعال. وشكَّل القانون الخاص بحقوق ضحايا الحرب الأهلية الأسبانية ونظام فرانكو خطوة أولى مهمة إلى الأمام، لكنها تظل أدنى من التوقعات فيما يتعلق بالحقيقة والعدالة والإنصاف.

وقالت آيرين خان: “إن الوقت قد حان لإنجاز خطة وطنية طموحة حقاً لحقوق الإنسان – خطة  تبني فوق هذه الإنجازات وتنطلق بجرأة إلى الأمام نحو التصدي للتحديات الحاسمة لحقوق الإنسان في عالم اليوم”.
ويشكل استمرار الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها “إيتا” أحد هذه التحديات التي تواجهها الحكومة. فمنظمة العفو الدولية قد دأبت على الدوام وبلا تحفظ على إدانة العنف الذي تمارسه “إيتا” باعتباره انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وترفض رفضاً قاطعاً أية محاججات تسعى إلى تبريرها.

إن على الحكومة واجب حماية الأشخاص من مثل هذه الهجمات، ولكن يتعين عليها أيضاً أن تقوم بذلك ضمن إطار حقوق الإنسان وحكم القانون الدولي. “فمن غير الممكن الانتصار على الإرهاب بتقويض حقوق الإنسان وحكم القانون الدولي – وهذه هي رسالة منظمة العفو الدولية في مقاتلة الإرهاب على نطاق العالم بأسره، وهي رسالتنا التي نبعث بها إلى أسبانيا”.

وثمة تحدِ آخر من التحديات المعقدة التي تواجهها أسبانيا، وفي واقع الأمر لا تختص أسبانيا وحدها بهذا التحدي وإنما يعني كل أوروبا، ألا وهو الهجرة. فبينما تعترف منظمة العفو الدولية بحق الدول في السيطرة على حدودها، لا يجوز أن يعني هذا بأي حال من الأحوال أن يكون ثمن هذه السيطرة تقويض الحقوق الإنسانية للمهاجرين، سواء أكانوا يحملون الوثائق المطلوبة أم لا.

وفي هذا الصدد، أكدت آيرين خان أن “عدم امتلاك الأشخاص للوثائق لا يعني أنهم بلا حقوق، ومنظمة العفو الدولية تشعر بخيبة أمل شديدة حيال تبني الاتحاد الأوروبي التوجيه الصادر في 18 يونيو/حزيران، الذي يتيح للدول الأعضاء الآن توقيف أشخاص لم يرتكبوا أي جرم، بما في ذلك القصَّر، لفترة تمتدة إلى 18 شهراً”.

لقد أشارت الحكومة الأسبانية إلى أنها بصدد تنقيح قانونها الخاص بالأجانب. ومنظمة العفو الدولية تدعو أسبانيا إلى أن لا تهبط بمعاييرها المتعلقة بمعاملة المهاجرين إلى القاع الذي وصلته المؤشرات العامة في أوروبا. فمضت آيرين خان إلى القول: “مع تأكيد الحكومة على التزامها الذي أعلنته في بيانها الانتخابي بالتصديق على الاتفاقية الخاصة بالعمال المهاجرين، لا يسعنا إلا أن نعلن عن ترحيب منظمة العفو الدولية بهذه الخطوة. ونحن بدورنا نلقي الكرة في مرمى الحكومة الأسبانية كيما تكون القدوة لأوروبا في بناء سياسة في مجال الهجرة تراعي الممارسات الفضلى القائمة على حقوق الإنسان”.

كما يتعين على أسبانياً أيضاً أن تفتح عينيها حيال تحدي العنصرية ورهاب الأجانب الذي يجتاح أوروبا. فعلى الرغم من إنشاء أسبانيا “مرصداً” يتابع هذه الأمور، لم تُنشر حتى الآن أية بيانات أو معلومات إحصائية في هذا الشأن. وحذرت آيرين خان من أن “العنصرية ورهاب الأجانب واقع حي قائم رغم عدم ظهوره على المسرح الرسمي. ومثل هذه المظاهر ينبغي وقفها على الفور”. وتدعو منظمة العفو الدولية إلى تبني استراتيجية شاملة لجمع مثل هذه المعلومات من مختلف أنحاء أسبانيا ونشرها على الملأ كجزء من خطة أوسع لمكافحة العنصرية والتعصب.

إذ تظهر أبحاث منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات أن أنباء التعذيب وإساءة المعاملة، على الرغم من عدم منهجيتها، ما زالت ترد من طيف واسع من الأشخاص ومن أنحاء شتى من البلاد. وترحب المنظمة بالاعتراف المتزايد من جانب السلطات بأن التعذيب وإساءة المعاملة ليست مجرد انحرافات عارضة ومعزولة، وتدعو إلى اتخاذ التدابير لمعالجة المشكلة، بما  في ذلك عن طريق إنشاء آلية مستقلة تتولى التحقيق في الشكاوى المرفوعة ضد الشرطة، كما هو الحال في عدد من الدول الأوروبية. فإقرار ضمانات من هذا القبيل هو الطريقة المثلى، سواء لحماية حقوق المعتقلين أو للحفاظ على سمعة الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون في مواجهة الشكاوى الكاذبة.

وترحب المنظمة بالتدبير الوقائي الذي جرى اعتماده في هذا الشأن بوضع آلات تصوير فيديو لمراقبة المعتقلين في حجز الشرطة – وهي خطوة بادرت إليها سلطات بلاد الباسك وتلتها الآن كتالونيا. فاعتماد تدابير تتيح للقضاة إصدار الأوامر بمتابعة أمور المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي المحتجزين لدى قوات الشرطة في الدولة عن طريق الفيديو خطوة لا بد من الترحيب بها. ومنظمة العفو الدولية تدعو إلى جعل هذا التدبير إلزامياً في جميع حالات الاعتقال. وحول ذلك، قالت الأمينة العامة: “إن قانون الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي الأسباني يظل في كل الأحوال، أمراً شاذاً في أوروبا ينبغي التخلص منه”.

وبشأن ما تشهده الساحة الدولية، دعت منظمة العفو الدولية أسبانيا إلى أن تظهر التزامها بحقوق الإنسان على نحو متسق عبر جميع أطياف سياساتها الخارجية. فرحبت المنظمة بالتزام أسبانيا بالتعددية وبالدعم الإيجابي الذي منحته في السنوات الأخيرة لمؤسسات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. ولكن من الضروري أن تبدي التزاماً مماثلاً بحقوق الإنسان في علاقاتها الثنائية مع حكومات بلدان مثل الصين وكولومبيا والمغرب وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

وأكدت آيرين خان أن “إلحاق حقوق الإنسان بالمصالح الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية القصيرة الأجل في العلاقات الثنائية لا يعكس إلا قصر النظر، ويناقض ويقوض الأهداف العامة لسياسة لحكومة الأسبانية الخارجية الرامية إلى تعزيز حقوق الإنسان على المستوى المتعدد الأطراف.

واختتمت الأمينة العامة لمنظمة العفو بالقول: “لقد أطلق رئيس الوزراء ثاباتيرو مبادرة جريئة لفرض حظر عالمي على عقوبة الإعدام نعرب عن دعمنا لها. ونحن بدورنا نطرح على رئيس الحكومة الأسبانية تحدي أن يُتبع ذلك بمبادرة جريئة أخرى يتوجه فيها هذه المرة نحو تحديات حقوق الإنسان الملحة داخل الوطن وداخل أوروبا وخارج القارة. فأمام حكومة ثاباتيرو في فترة ولايتها الثانية فرصة فريدة كيما تنجز الكثير في مضمار حقوق الإنسان”.
خلفيةيزور أسبانيا منذ 14 يونيو/حزيران وفد لمنظمة العفو الدولية ترأسه الأمينة العامة، أيرين خان، وقد التقى الوفد مع ممثلين عن المجتمع المدني وبرلمانيين وأعضاء في الحكومة. وفي جزر الكناري، التقى الوفد رئيس الحكومة المحلية، كما زار مركز القاصرين غير المصحوبين بوليّ. وفي بلاد الباسك، التقت آيرين خان رئيس الحكومة المحلية وقاضي ديوان المظالم ومستشارين في وزارتي الداخلية والعدل. ودُعيت كذلك إلى إلقاء كلمة أمام اللجنة البرلمانية لحقوق الإنسان في إقليم الباسك. وأثناء وجودها في العاصمة، مدريد، شملت لقاءات آيرين خان الرسمية رئيس الحكومة ووزير العدل ووزراء الدولة لشؤون الهجرة والداخلية والخارجية والنائب العام ورئيس الغرفة الجنائية في محكمة الجزاء الوطنية وممثلين عن المجلس العام للسلطة القضائية وممثلين لمختلف الأجزاب السياسية في البرلمان.

المواضيع