حرية الصحافة: الصحفيون بحاجة إلى الحماية

منذ بدء الحرب في العراق في مارس/آذار 2003، قُتل من الصحفيين في ذلك البلد أكثر من أي بلد آخر في العالم. والوضع الذي يواجهه الصحفيون وهم يحاولون تغطية ما يقع من أحداث في البلاد يسلط الضوء على الضرورة البالغة لبذل جهود دولية أكبر من أجل حماية الصحفيين إبان النـزاعات المسلحة.

فالصحفيون يقومون بدور خاص في حالات النـزاعات، إذ يوفرون التفاصيل المتعلقة بالحوادث التي يفضل أطراف النـزاع أحياناً التستر عليها أمام الرأي العام.

وفي السنة الأولى من النـزاع، لقي الصحفيون مصرعهم بصورة رئيسية على أيدي قوات الولايات المتحدة أو القوات العراقية، وفي العادة، كان يقال إنهم كانوا ضحية تبادل لإطلاق النار بين أطراف النـزاع أو قتلوا بطريق الصدفة، مع أن منظمات الصحفيين قد اتهمت بعض الهجمات بأنها استهدفت الصحفيين، على ما بدا، بصورة متعمدة. ففي 8 مارس/آذار 2006، الذكرى الثالثة لهجوم الولايات المتحدة على فندق فلسطين في بغداد، قالت الفدرالية الدولية للصحفيين إن ما يربو على 100 من الصحفيين والعاملين الإعلاميين قد لاقوا حتفهم.

وصرح آيدان وايت، الأمين العام للفدرالية الدولية للصحفيين، بأنه “…في العديد من هذه الحالات لا تزال تنقصنا الأجوبة القاطعة على الأسئلة الصعبة المتعلقة بمن هو المسؤول عما حدث”.

وحول قضية وقعت في الآونة الأخيرة، أوردت الفدرالية الدولية أن محمود زعل، البالغ من العمر 35 عاماً والمصور والمراسل التلفزيوني لقناة بغداد، تعرض لإطلاق نار عليه في الرمادي أودى بحياته في 24 يناير/كانون الثاني 2006 أثناء قيامه بعمله في تصوير شريط وثائقي اجتماعي. ووفقاً لتقارير محلية، أصيب محمود زعل أثناء تبادل لأطلاق النار بين قوات الولايات المتحدة ومتمردين.

بيد أنه ومنذ 2004، جرى استهداف العديد من الصحفيين المحليين والدوليين، على السواء، من جانب الجماعات المسلحة في سياق حملاتها. ويُستهدف بعض الصحفيين لأنهم يعملون في خدمة وسائل إعلام أجنبية حيث يتهمون بأنهم متعاونون، بينما جرى اختطاف بعض الصحفيين وقتلهم في محاولة للضغط على القوات الأجنبية في البلاد.

وقد كانت صحفيات إناث في عداد من استهدفتهم الجماعات المسلحة. ففي فبراير/شباط، اختُطفت مراسلة بارزة لتلفزيون “العربية” واثنان من أعضاء فريق التصوير المرافق لها وقتلوا. ووجدت الشرطة جثث المراسلة أطوار بهجت والمصور المرافق لها عدنان خيرا الله وفني الصوت خالد محسن على أطراف سامراء.

ودأبت الفدرالية الدولية للصحفيين على بذل الجهود في حملة من أجل ضمان توفير مستوى من الحماية للصحفيين في حالات النـزاعات المسلحة مماثل لذاك الذي مُنح للعاملين الإنسانيين وموظفي الأمم المتحدة في أغسطس/آب 2003. وتقدمت المنظمة في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2005 بنص مشروع قرار مقترح إلى الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي عنان، لعرضه على مجلس الأمن الدولي، وذلك في منتدى الإعلام الإلكتروني العالمي الذي عقد أثناء القمة العالمية لمجتمع المعلومات في تونس.

ومنظمة العفو الدولية تتفق تماماً مع وجوب اتخاذ تدابير دولية لحماية الصحفيين إبان النـزاعات. وتدعو المنظمة الأعضاء القادمين إلى مجلس الأمن إلى تبني تدابير ترمي إلى منع مثل هذه الهجمات ومحاسبة من يقومون بها على ما يرتكبون من أفعال.

بيد أن حماية الصحفيين لا ينبغي أن تقتصر على حالات النـزاعات. ففي طول العالم وعرضة، وفي طيف عريض من الحالات المختلفة، يتعرض الصحفيون للاعتداءات والسجن، ويجبرون على ممارسة الرقابة الذاتية بضغط من الحكومات القمعية. والعنصر المشترك في كل هذا هو عدم رغبة بعض الحكومات في السماح للأصوات البديلة بأن تظهر، وفي العديد من الحالات، بسبب خشيتها من أن يكشف الصحفيون النقاب عن انتهاكاتها التي ترغب في أن تبقيها في غياهب النسيان.

ففي أوزبكستان، تعرض الصحفيون الذين حاولوا الكشف عن أعمال القتل التي وقعت في أنديجان في مايو/أيار الماضي للتهديد وللاعتداء عليهم واعتقالهم وفرض الإقامة الجبرية عليهم في منازلهم. وتُستغل “الحرب على الإرهاب” كذريعة لتشديد القيود على حرية التعبير. وقد وصل سوء الحال إلى حد أنه وبعد إغلاق عدة مكاتب إعلامية أجنبية مستقلة، قامت البي بي سي بإغلاق مكتبها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بسبب المضايقة المتزايدة لموظفيها من جانب السلطات.

وكانت “الحرب على الإرهاب” هي المطية التي ركبتها السلطات في باكستان أيضاً لتقييد نشاط الصحفيين. فلم تمنح السلطات التصاريح للصحفيين كي يغطوا الأحداث في المناطق القبلية في البلاد، حيث يقوم الجيش بعمليات ضد من لهم صلة بالقاعدة وبطالبان. وفي مختلف أنحاء البلاد، تعرض الصحفيون الذين يغطون “الحرب على الإرهاب” للمضايقة وللاعتقال التعسفي. كما “اختفى” بعض هؤلاء لفترات ليست بالقصيرة.

ففي إحدى الحالات، اختُطف الصحفي حياة الله خان على أيدي رجال مسلحين وهو في طريقه لتغطية تظاهرة احتجاح في ميرالي بازار، بشمالي وزيرستان، نُظمت بغرض الاحتجاح على هجوم بالصواريخ تعرضت له المنطقة قبل ذلك بأربعة أيام. ويعتقد أنه الآن رهن الاعتقال، وربما تم تسليمه إلى أجهزة استخبارات الولايات المتحدة، غير أنه لم يجر الاعتراف باعتقاله أو يبلَّغ عن مكان وجوده الذي ما زال مجهولاً.

وفي كولومبيا، استُخدم النـزاع المسلح المستمر، الذي تصفه الحكومة أحياناً بأنه “حرب على الإرهاب”، كذريعة في بعض الأحيان لترويع الصحفيين، الذين يجري استهدافهم مع النقابيين والناشطين الاجتماعيين من قبل القوات شبه النظامية المدعومة من الجيش وجماعات المعارضة المسلحة، على السواء. ويسعى أفراد قوات الأمن والموظفون الحكوميون إلى وصم بعض الصحفيين الذين يكشفون الستار عن انتهاكات حقوق الإنسان عن طريق الربط بينهم وبين جماعات المعارضة المسلحة، ليتعرضوا بذلك لخطر الاعتداء عليهم من قبل القوات شبه النظامية. وهم معرضون للتهديد على نحو خاص في الفترة السابقة على الانتخابات الرئاسية في 28 مايو/أيار.

وفي لبنان، وبعد غتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في فبراير/شباط 2005 وانسحاب القوات السورية الذي تلاه، قُتل عدة صحفيين بارزين ممن انتقدوا الممارسات السورية أو أصيبوا بجروح خطيرة بواسطة متفجرات وضعت تحت سياراتهم. إذ قتل سمير قصير، وهو صحفي بارز في صحيفة “النهار” اليومية، وعضو البرلمان جبران تويني، رئيس تحريرها، في يونيو/حزيران وديسمبر/كانون الأول 2005، على التوالي. وفقدت مي شدياق، وهي مقدمة برامج في تلفزيون إل بي سي، أحد ذراعيها وإحدى ساقيها في تفجير استهدف سيارتها في سبتمبر/أيلول 2005.

ووجد الصحفيون في كينيا أنفسهم كذلك هدفاً لنمط من الترويع والمضايقة المتزايدين تمارسه الحكومة. ففي مارس/آذار من هذا العام، حذر وزير الإعلام والاتصالات موتاهي كاغوي، والناطق باسم الحكومة ألفريد موتوا، وسائل الإعلام بأنها ستخضع لإجراءات حكومية صارمة إذا ما أصرت على ما وُصف بـ”الإخبار الكاذب وبتشويه عرض الحقائق”.

ففي واحدة ضمن سلسلة من الحوادث، قامت مجموعتان من الأشخاص المسلحين الذين يرتدون الأقنعة والقلنسوات بالإغارة المتزامنة في ساعة مبكرة من صباح 2 مارس/آذار على مكاتب تحرير شبكة تلفزيون كينيا ومطابع مجموعة ستاندارد في نيروبي. وقام هؤلاء بتعطيل تجهيزات البث وبحرق آلاف الصحف، وبالاستيلاء على أجهزة الحاسوب.

إن على الدول واجب حماية الصحفيين لا اضطهادهم في مسعى للسيطرة على التدفق الحر للمعلومات. فالإعلام الحر ليس مفيداً فحسب، وإنما ضروري لحرية المجتمع. وبالكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان وإسماع صوت من لا صوت لهم في المجتمع، فإن وسائل الإعلام تستطيع في أحسن الأحوال أن تشجع على التطبيق المناسب للعدالة وعلى إثارة الحوار الذي يمكن أن ينـزع فتيل الأوضاع التي يمكن إذا ما حيل دون ذلك أن تتحول إلى نزاعات مكلفة. وعندما يواجه الصحفيون بالقيود غير العادلة وبالتهديد بالتعرض للهجمات، يمكن للرقابة الذاتية في وسائل الإعلام أن تتحول إلى نقيضها، وأن تساعد على التستر على الانتهاكات وغرس الإحباط في المجتمعات المهمشة.

إن الاعتراف الدولي بأهمية الصحفيين وبضرورة أن يعملوا من دون قيود غير عادلة أو تهديد بالعنف، سوف يساعد على تسليط الضغوط على تلك الدول التي تسعى إلى السيطرة على وسائل الإعلام. فالصحافة لها أهميتها، وقد حان الوقت لمن يعترفون بأهمية وسائل الإعلام الحرة أن يغيروا أفكار من لا يعترفون بذلك.
 
دول أخرى

رواندا
لا تزال القيود مفروضة على حرية الصحافة، ما يكذب ادعاءات الحكومة بأنها تقوم ببناء مجتمع مفتوح. فالصحفيون الذي يعربون عن بواعث القلق أو ينتقدون سلطات الدولة يتعرضون للترهيب كي يسكتوا أو يُجبروا على ممارسة الرقابة الذاتية. ويفاقم من حالة الإفلات من العقاب عدم اتخاذ تدابير ذات مغزى لتقديم مرتكبي الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان إلى القضاء، بما في ذلك ما ارتكب من انتهاكات ضد الصحفيين، ولا سيما استهدافهم بالعنف الجسدي واعتقالهم على نحو غير قانوني وترويعهم ومضايقتهم.

كوبا
تحتفظ الحكومة بالسيطرة الكاملة على جميع وسائل الإعلام، بينما تظل الملكية الخاصة للصحافة والإذاعة والتلفزيون وغيرها من وسائل الإعلام ممنوعة بحكم القانون. ويواجه الصحفيون المستقلون التخويف والمضايقة والسجن على ما يقومون به من عمل. وهناك في الوقت الراهن 72 سجين رأي في الجزيرة، 14 منهم من الصحفيين.

بنغلادش
جرى تحطيم أيدي أو أصابع عدة صحفيين ممن يدافعون عن حقوق الإنسان عمداً حتى لا يعودوا قادرين على الإمساك بالقلم. وتشكل هذه الهجمات جزءاً من حالة تلقّى مئات المدافعين عن حقوق الإنسان أثناءها تهديدات بالموت وتعرضوا للهجوم الجسدي عليهم. وامتنعت الحكومات المتعاقبة على نحو ثابت عن حماية الأفراد المعرضين للخطر أو التحقيق في الانتهاكات التي ترتكب ضدهم وتقديم الجناة إلى العدالة.

مصر
لا تزال القيود المفروضة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات والانضمام إليها والتجمع على ما كانت عليه. ولم يصبح في حكم القانون بعد مشروع قانون قدمه الرئيس مبارك في فبراير/شباط 2004 ويقضي بإلغاء عقوبة السجن على مخالفات تتعلق بالنشر. وفي هذه الأثناء، لا يزال الصحفيون يتعرضون للتهديد والضرب وفرض الغرامات بتهمة التشهير، أو يسجنون بسبب عملهم. كما أوقفت فرق تصوير وصحفيون تابعون لقنوات تلفزيونية دولية كذلك واعتقلوا لساعات في الفترة التي سبقت استفتاء مايو/أيار 2005 على اقتراح انتخابات رئاسية متعددة المرشحين، وذلك في محاولة مكشوفة لمنعهم من إعداد تقارير عن المظاهرات أو التجمعات المتعلقة بالاستفتاء.

تركيا
تنتهك المادة 301 من قانون العقوبات التركي، الذي يحظر “التنكر العلني للهوية التركية، أو للجمهورية أو للتجمع الوطني الكبير لتركيا”، الحق في حرية التعبير، وكثيراً ما تستخدم لمقاضاة الصحفيين وسواهم ممن يعبرون عن آرائهم المخالفة بصورة سلمية. وقد دأبت منظمة العفو الدولية على تنظيم الحملات من أجل إلغاء المادة 301 بكاملها.