رأي استشاري للمحكمة يطلب إلغاء قوانين التشرد

أغلبية البلدان الإفريقية[1] لديها نوع أو آخر من “قوانين التشرد”، أي قوانين تدرج الفقراء أو المشردين أو العاطلين عن العمل، أو من يُتصوّرون أنهم كذلك، في عداد المجرمين. ومن أمثلة ذلك، القوانين ضد “المشردين” الذين يعرفهم القانون على أنهم أناس ليس لديهم محل سكن أو مصدر رزق ثابت، والقوانين ضد “الشخص المشتبه فيه أو اللص المعروف الذي ليست لديه سبل رزق مرئية ولا يستطيع أن يسلك سلوكًا مشرفًا”، أو القوانين التي تعاقب “المتسكعين أو من يسلكون سلوكًا مخلًا بالنظام”.

وفي عام 2018، قرر اتحاد المحامين الأفارقة (PALU) اللجوء للمحكمة الإفريقية لطلب رأي منها بشأن توافق هذه القوانين مع القانون الإفريقي لحقوق الإنسان. وفي 4 ديسمبر/كانون الأول 2020، أصدرت المحكمة الأفريقية قرار استشاري شامل ذهبت فيه إلى أن هذه القوانين، بطبيعتها وتطبيقها، تنتهك الكثير من حقوق الأشخاص الذين يُعاقبون بموجبها.

وخلص القضاة إلى أن قوانين التشرد تجرِّم المكانة المتصورة للفرد، ونظرًا لأنها تستهدف “الفقراء والمحرومين، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، المشردون، وذوو الإعاقة، والأشخاص الذين لا ينطبق عليهم التصنيف العرفي في ما يخص النوع الاجتماعي، والعاملون في مجال الجنس، والباعة المتجولون”، فإنها تنطوي كذلك على تمييز مجحف ضد الضعفاء والمهمشين أصلًا. كما أن هذه القوانين تنعت الفئات التي تستهدفها بألفاظ ازدرائية، يتجلى فيها، على حد قول القضاة، “تصور استعماري إلى حد بعيد، عفا عليه الزمن، لأفراد بلا أي حقوق”، وتجرد هؤلاء الأفراد من إنسانيتهم. ولهذه الأسباب وحدها، تنتهك تلك القوانين حق هؤلاء الأفراد في الكرامة، وتحرمهم من المساواة أمام القانون، وتنطوي على التمييز ضدهم.[2]

وفضلًا عن ذلك، فقد خلص القضاة إلى أنه عند تنفيذ هذه القوانين، يستطيع أفراد الشرطة إلقاء القبض على الأشخاص بدون الحاجة لإثبات أنهم اقترفوا أي جرم؛ ويمكن القبض على هؤلاء الأشخاص، واعتقالهم بصورة تعسفية، أو إعادة نقلهم إلى مناطق أخرى قسرًا، لا لشيء سوى مظهرهم أو المكان الذي يقفون فيه. وتنتهك هذه الحالات حقوق هؤلاء الأفراد المستهدفين في الحرية والأمن، وحرية التنقل، وافتراض براءتهم.[3]

كما أشار القضاة إلى أن هذه القوانين تفضي أحيانًا إلى اعتقال الأطفال أو إعادة نقلهم قسرًا بعيدًا عن المناطق التي يعيشون فيها، مما ينتهك أيضًا الحق في الحياة الأسرية، وحق الأطفال في ألا يتعرضوا للتمييز المجحف، وحقهم في حماية مصالحهم الفضلى.

وختامًا، ارتأت المحكمة الأفريقية أن كل الدول الإفريقية، التي صادقت جميعًا على الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، باستثناء المغرب، ملزمة بتعديل أو إلغاء قوانينها الخاصة بالتشرد؛ ومن ثم فإن هذه الفتوى قد يكون لها أثر عظيم على القارة الإفريقية؛ فإذا وضعت دول القارة هذه التوصيات موضع التنفيذ، فمن شأنها أن تؤدي إلى تحسن هائل في الحماية التي تحظى بها الفئات الضعيفة في الشوارع.


[1] أوغندا وبوتسوانا وبوركينا فاسو وبوروندي وتشاد وتوغو والجزائر وجزر القمر والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وجمهورية الكونغو وزامبيا وساحل العاج والسنغال وسيراليون وسيشيل وغابون وغامبيا وغينيا والكاميرون ومالي ومدغشقر والمغرب وملاوي وموريتانيا وموريشيوس وناميبيا والنيجر ونيجيريا.

 

[2] انتهاكات للمواد 5 و2 و3 من الميثاق الإفريقي على التوالي.

[3] انتهاك المواد 6، و12، و7 من الميثاق الإفريقي، على الترتيب.