نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين

يوافق هذا العام مرور 74 عاماً على الطرد والتهجير الجماعيين لأكثر من 700 ألف فلسطيني من منازلهم وقراهم ومدنهم خلال الصراع الذي أدى إلى نشوء دولة إسرائيل في عام 1948. منذ ذلك الحين، حُفرت النكبة في الوعي الجماعي الفلسطيني كقصة انتزاع ملكية لا هوادة فيه.

وبعد مرور أربعة وسبعين عاماً على طردهم، لا تزال معاناة وتهجير اللاجئين الفلسطينيين حقيقة مستمرة. يحق للفلسطينيين الذين فروا أو طُردوا من ديارهم في ما يُعرف الآن بإسرائيل وأبنائهم أحفادهم العودة وفقاً القانون الدولي. ومع ذلك، ليس لديهم أي أمل في السماح لهم بالعودة إلى منازلهم – التي هدمت إسرائيل الكثير منها – أو القرى والمدن التي أتوا منها. إسرائيل لم تعترف أبداً بحقوقهم.

إن حرمان الفلسطينيين من منازلهم هو أمر في صميم نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين. ولم يتوقف نزع ملكيات الفلسطينيين وأصبحت النكبة رمزًا للاضطهاد الذي يواجهه الفلسطينيون كل يوم منذ عقود. واليوم، لا يزال أكثر من 5.6 مليون فلسطيني لاجئين وممنوعين من حقهم في العودة. هناك ما لا يقل عن 150 ألف آخرين معرضون لخطر حقيقي بفقدان منازلهم من خلال ممارسة إسرائيل الوحشية في هدم المنازل أو الإخلاء القسري.

هذا هو الفصل العنصري.

يُظهر تحقيق جديد لمنظمة العفو الدولية أن إسرائيل تفرض نظاماً من القمع والهيمنة ضد الفلسطينيين في جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها: في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك ضد اللاجئين الفلسطينيين، من أجل مصلحة اليهود الإسرائيليين. ويرقى هذا النظام إلى مستوى الفصل العنصري، الذي يحظره القانون الدولي.

وكان من شأن القوانين والسياسات والممارسات التي تهدف إلى إدامة نظام قاسٍ من السيطرة على الفلسطينيين أن تشتتهم جغرافياً وسياسياً، وتتركهم يعانون من الفقر في كثير من الأحيان، بالإضافة لجعلهم يعيشون في حالة دائمة من الخوف والقلق وانعدام الشعور بالأمان.

ما هو الفصل العنصري؟

يُعتبر الفصل العنصري انتهاكاً للقانون الدولي العام، وانتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان التي تحظى بالحماية الدولية، وجريمةً ضد الإنسانية بموجب القانون الجنائي الدولي.

وقد استُخدم مصطلح “أبارتهايد” في الأصل للإشارة إلى نظام سياسي في جنوب أفريقيا تمثل في فرض التفرقة العرقية والهيمنة والقمع بوضوح من جانب فئة عرقية على فئة أخرى. ومنذ ذلك الحين، اعتمد المجتمع الدولي هذا المصطلح لإدانة وتجريم مثل هذه الأنظمة والممارسات أينما تقع في العالم.

وبموجب الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها ونظام روما الأساسي والقانون الدولي العُرفي، فإن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري تقع عندما يُرتكب أي عمل لاإنساني أو وحشي (وبخاصة أي انتهاك جسيم لحقوق الإنسان) في سياق نظام مُمأسس من القمع والهيمنة بصورة ممنهجة من جانب فئة عرقية معيّنة على فئة عرقية أخرى، بقصد إدامة هذا النظام.

ويمكن فهم الفصل العنصري باعتباره نظام معاملة قاسية تتسم بتمييز بشكل منهجي ومطوّل من جانب فئة عرقية ما تجاه أفراد فئة عرقية أخرى، بقصد الهيمنة على الفئة العرقية الأخرى.

أعدت منظمة العفو الدولية دورة تعليمية مجانية مدتها 90 دقيقة تحت عنوان “تفكيك نظام الفصل العنصري الإسرائيلي المعادي للفلسطينيين”. لمعرفة المزيد عن جريمة الفصل العنصري في القانون الدولي، ومعالم الفصل العنصري في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وتأثيره على حياة الفلسطينيين، بادروا بالتسجيل في الدورة التعليمية في أكاديمية حقوق الإنسان التابعة لمنظمة العفو الدولية.

فلسطينيون ينتظرون العبور عند حاجز قلنديا العسكري، بين رام الله والقدس الشرقية، في الضفة الغربية المحتلة، أثناء توجههم إلى مسجد الأقصى في القدس الشرقية لأداء الصلاة يوم الجمعة الأولى من شهر رمضان الكريم، يوم 2 يونيو/حزيران 2017.

لماذا تطلق منظمة العفو الدولية حملتها ضد نظام الفصل العنصري؟

لا أعرف لماذا يراقب العالم كله لغاية الآن ما يجري ويدع إسرائيل تفلت بفعلتها. لقد آن الأوان كي يكفّوا عن تدليل إسرائيل

نبيل الكرد، أحد السكان الذين يتهددهم خطر الإخلاء القسري من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية

إن نظام الفصل العنصري أمر غير مقبول في أي مكان في العالم، فلماذا يقبل العالم ممارسته ضد الفلسطينيين؟

لطالما تجاهل المجتمع الدولي حقوق الإنسان عند التعامل مع ما يكابده الفلسطينيون من معاناة ومشقة على مدى عقود. وقد ظل الفلسطينيون الذين يواجهون وحشية القمع الإسرائيلي يطالبون، على مدى أكثر من عقدين، يطالبون بتعريف الحكم الإسرائيلي كنظام فصل عنصري. وعلى مر السنين، بدأ يتشكل اعتراف عالمي أوسع بأنّ معاملة إسرائيل للفلسطينيين ما هي إلا نظام فصل عنصري.

إلا إن الحكومات التي تتحمل مسؤولية ولديها من القوة والنفوذ ما يتيح لها التحرك بشكل ما، رفضت اتخاذ أي إجراءات مجدية لمحاسبة إسرائيل، واختارت بدلاً من ذلك أن تتستر وراء عملية سلام متداعية على حساب مبادئ حقوق الإنسان والمساءلة. وللأسف، لا يوجد بوادر لإيجاد حل عادل في الوقت الراهن باتجاه، إنما ثمة تدهور في حالة حقوق الإنسان بالنسبة للفلسطينيين.

وتطالب منظمة العفو الدولية إسرائيل بإنهاء هذه الجريمة الدولية المتمثلة في الفصل العنصري، عن طريق تفكيك إجراءات الشّرذمة والعزل والتمييز والحرمان التي تُمارَس في الوقت الحالي ضد الفلسطينيين.

طالبوا إسرائيل بتدمير الفصل العنصري وليس منازل الفلسطينيين

وتأتي تجربة الحرمان من الوطن في جوهر هذا النظام العنصري العنيف. ولهذا، فإن الخطوة الأولى لتفكيك هذا النظام تتمثل في مطالبة إسرائيل بالكف عن ممارسة هدم المنازل.
وتحتاج العائلات الفلسطينية إلى من يقف معها في مواجهة الظلم والتمييز، بالمشاركة في التحرك لمساعدتها على حماية منازلها.

إسرائيل ليست دولة لجميع مواطنيها… [بل] هي الدولة القومية للشعب اليهودي فقط

رسالة نشرها على الإنترنت، في مارس/آذار 2019، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو

نظام القمع والهيمنة الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين

منذ قيام دولة إسرائيل في عام 1948، عكفت الحكومات المتعاقبة على إنشاء وإدامة نظام من القوانين والسياسات والممارسات التي تهدف إلى قمع الفلسطينيين والهيمنة عليهم. ويتبدى هذا النظام بأشكال متباينة في شتى المناطق التي تمارس فيها إسرائيل السيطرة على حقوق الفلسطينيين، ولكن هدفه واحد في كل الحالات، ألا وهو: منح امتيازات لليهود الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين.

وقد فرضت إسرائيل هذا النظام من خلال 4 استراتيجيات أساسية:

الحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

إفقار الفلسطينيين بشكل متعمَّد، مما يجعلهم في وضع شديد السوء بالمقارنة مع اليهود الإسرائيليين.

العزل والسيطرة

وهو نظام من القوانين والسياسات التي تُبقي الفلسطينيين محصورين داخل معازل، وخاضعين لإجراءات عدة تسيطر على حياتهم، وتفصلهم عن اليهود الإسرائيليين.

نزع ملكية الأراضي والممتلكات

حيث عمدت إسرائيل على مدى عقود من الاستيلاء على الأراضي والممتلكات، وهدم المنازل، وعمليات الإخلاء القسري، بشكل يتسم بالتمييز.

تقسيم الفلسطينيين بين مناطق تحت سيطرة مختلفة

يتمثل جوهر ذلك النظام في إبقاء الفلسطينيين معزولين عن بعضهم البعض في مناطق مختلفة تخضع لنُظم قانونية وإدارية متباينة.

التقسيم بين مناطق تحت سيطرة مختلفة

في سياق إنشاء إسرائيل كدولة يهودية في عام 1948، طردت إسرائيل مئات الآلاف من الفلسطينيين من بيوتهم، وهدمت مئات من القرى الفلسطينية فيما يرقى إلى مستوى التطهير العِرقي.

ومنذ ذلك الحين، عكفت الحكومات المتعاقبة على وضع قوانين وسياسات تضمن استمرار تفتت السكان الفلسطينيين. ويُحصر الفلسطينيون في معازل داخل إسرائيل، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي تجمعات اللاجئين، حيث يخضعون لنُظم قانونية وإدارية مختلفة. وأدى ذلك إلى تقويض الروابط العائلية والاجتماعية والسياسية بين التجمعات الفلسطينية، وقمع المعارضة المُستدامة لنظام الفصل العنصري، كما ساعد على تعظيم سيطرة اليهود الإسرائيليين على الأراضي والحفاظ على أغلبية سكانية يهودية.

ولا يزال ملايين الفلسطينيين لاجئين ومعزولين فعلياً عن أولئك الذين يعيشون في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال استمرار إسرائيل في حرمانهم من حقهم في العودة إلى ديارهم وبلداتهم وقراهم.

نزع ملكية الأراضي والممتلكات

منذ عام 1948، نفَّذت إسرائيل عمليات استيلاء قاسية وواسعة النطاق لتجريد الفلسطينيين من أراضيهم ومنازلهم. وبالرغم من أن الفلسطينيين في إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة يخضعون لنظامين قانونيين وإداريين مختلفين، فقد استخدمت إسرائيل إجراءات مماثلة لمصادرة ملكية الأراضي في جميع المناطق. فعلى سبيل المثال، صادرت إسرائيل منذ عام 1948 أراضٍ في مناطق ذات أهمية استراتيجية تضم أعداداً كبيرة من السكان الفلسطينيين، مثل منطقتي الجليل والنقب، واستخدمت إجراءات مماثلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عقب الاحتلال العسكري الإسرائيلي في عام 1967. ومن أجل تحقيق أعلى مستوى من السيطرة اليهودية على الأرض وتقليص وجود الفلسطينيين إلى أدنى حد، يُجبَر الفلسطينيون على العيش في معازل منفصلة كثيفة سكانيا. وفي الوقت نفسه، سمحت السياسات الإسرائيلية بأن تُستخدم عمليات تخصيص تميزية لأراضي الدولة بشكل شبه حصري لمنفعة اليهود الإسرائيليين سواء داخل إسرائيل أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

العزل والسيطرة

اتبعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استراتيجية فرض الهيمنة من خلال قوانين وسياسات عنصرية تؤدي إلى عزل الفلسطينيين في معازل، استناداً إلى وضعهم القانوني نوع الحالة القانونية لإقامتهم.

وتحرم إسرائيل المواطنين الفلسطينيين من حقهم في المساواة والمواطنة والحالة القانونية، بينما يواجه الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة قيوداً شديدة على حريتهم في الحركة والتنقل. كما تفرض إسرائيل قيوداً على حق الفلسطينيين في لم شمل الأسرة، وذلك على نحو يتسم بالتمييز العميق. فعلى سبيل المثال، لا يستطيع الفلسطينيون من أهالي الأراضي الفلسطينية المحتلة الحصول على حق الإقامة أو الجنسية من خلال الزواج، بينما يُتاح ذلك لليهود الإسرائيليين.

وتفرض إسرائيل قيوداً شديدة أيضاً على الحقوق المدنية والسياسية للفلسطينيين، بغرض قمع المعارضة والحفاظ على نظام القمع والهيمنة. فعلى سبيل المثال، لا يزال ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية خاضعين للحكم العسكري الإسرائيلي ولأوامر عسكرية قمعية معتمدة منذ عام 1967.

الحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

كان من شأن تلك الإجراءات أن تجعل الفلسطينيين مهمَّشين يعانون من الفقر ومن أوضاع اقتصادية سيئة في شتى أنحاء إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وعملت السلطات الإسرائيلية طوال عقود على تخصيص الموارد بشكل عنصري لمنفعة اليهود من مواطني إسرائيل داخل إسرائيل والمستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما ضاعف من جوانب عدم المساواة هذه. فعلى سبيل المثال، يعيش ملايين الفلسطينيين داخل إسرائيل والقدس الشرقية المحتلة في مناطق مكتظَّة بالسكان وأقل تطوراً بوجه عام وتفتقر إلى ما يكفي من الخدمات الأساسية، مثل خدمات جمع القمامة، والكهرباء، والمواصلات العامة، والمياه، ومرافق البنية الأساسية للصرف الصحي.

ويعاني الفلسطينيون في جميع المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل من قلة الفرص المتاحة لكسب الرزق والاشتراك في أعمال تجارية بالمقارنة بالفرص المتاحة لليهود الإسرائيليين. كما يعانون من قيود عنصرية في الوصول إلى الأراضي الزراعية واستخدامها، والحصول على المياه والغاز والنفط وغيرها من الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى قيود على توفر خدمات الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات الأساسية. وبالإضافة إلى ذلك، صادرت السلطات الإسرائيلية الغالبية العظمى من الموارد الطبيعية للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك لصالح منفعة المواطنين اليهود في إسرائيل وفي المستوطنات غير القانونية.

الحياة في ظل نظام الفصل العنصري

محرومون من بيوتهم: عمليات هدم المنازل والإخلاء القسري

أغراض عائلة فلسطينية مبعثرة على الأرض، بعد أن هدمت القوات الإسرائيلية منزل العائلة في وقت سابق من ذلك اليوم، في قرية أم الخير بالضفة الغربية المحتلة، يوم 9 أغسطس/آب 2016.

يتعرض الفلسطينيون بشكل ممنهج لعمليات هدم المنازل والإخلاء القسري، ويعيشون في حالة مستمرة من الخوف من فقدان منازلهم.

وعلى مدى ما يزيد عن 73 عاماً، هجّرت إسرائيل قسراً تجمعات فلسطينية بأكملها. وهدمت مئات الآلاف من منازل الفلسطينيين، مما تسبب في صدمة ومعاناة فظيعة لسكانها الفلسطينيين. وحالياً يوجد أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني حول العالم، وتعيش الغالبية العظمى منهم في مخيمات للاجئين، من بينها مخيمات خارج إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. وهناك أكثر من 100 ألف فلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى حوالي 68 ألف فلسطيني داخل إسرائيل، يتهددهم خطر وشيك بفقدان منازلهم، وكثيرون منهم يواجهون ذلك للمرة الثانية أو الثالثة.

ويجد الفلسطينيون أنفسهم في دائرة مفرغة. فإسرائيل تقتضي منهم الحصول على تصريح للبناء أو حتى لإقامة هيكل مثل الخيمة، لكنها نادراً ما تصدر لهم تصريحاً، على خلاف ما يحدث للطلبات المقدمة من يهود إسرائيليين. ومن ثم يُضطر كثير من الفلسطينيين إلى البناء بدون تصريح، فتعمد القوات الإسرائيلية عندئذ إلى هدم المنازل على أساس أنها بُنيت “بشكل غير قانوني”. وتستخدم إسرائيل هذه السياسات العنصرية في التخطيط وتقسيم المناطق من أجل خلق حالة معيشية لا تُحتمل بغرض إجبار الفلسطينيين على ترك منازلهم، ومن ثم إتاحة المجال لتوسيع المستوطنات اليهودية.

محمد الرجبي من سكان حي البستان في بلدة سلوان، هدمت السلطات الإسرائيلية بيته يوم 23 يونيو/حزيران 2020، على أساس أنه بُني “بشكل غير قانوني”. وقد وصف لمنظمة العفو الدولية الأثر المدمر لهذا الإجراء على عائلته، فقال:

من الصعب بشدة التعامل مع هذا الوضع، وربما يكون من الصعب أن أجد كلمات للتعبير عنه… وقد شعرتُ أن وقع الأمر على أطفالي كان أقسى من وقعه علينا. كانوا يشعرون بفرحة أن يكون لهم هذا البيت الجديد. سوف أحتفظ بصور ذلك اليوم، وأُريها لأطفالي عندما يكبرون، وذلك كي لا ينسوا ما حدث لنا. سوف أقول لهم: “هل ترون أي نوع من الذكريات احتفظتُ بها من أجلكم؟”. كان أملي بالنسبة لهم أن يكون لديهم بيت عائلي دافئ بالقرب من أحبائهم وأفراد عائلتهم. ولكن الآن، كل ما لدي هو أن أنقل إليهم ذكريات البيت الذي شهد أيام طفولتهم الأولى وهو يُهدم

محمد الرجبي، من سكان حي البستان في سلوان

تفتيت روابط المحبة: فصل العائلات الفلسطينية عن بعضها البعض

فرضت إسرائيل قوانين وسياسات عنصرية لتمزيق الحياة العائلية للفلسطينيين. فمنذ عام 2002، اعتمدت إسرائيل سياسة منع الفلسطينيين من أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة من الحصول على حق الإقامة في إسرائيل أو القدس الشرقية من خلال الزواج، مما يحرمهم من لم شمل العائلات.

ولطالما استخدمت إسرائيل قوانين وسياسات عنصرية لفصل الفلسطينيين عن عائلاتهم. فعلى سبيل المثال، لا يستطيع الفلسطينيون من أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة الحصول على حق الإقامة في إسرائيل أو في القدس الشرقية المحتلة من خلال الزواج، مما يحرمهم من حقهم في لم شمل العائلات. وأدت هذه السياسة إلى إجبار آلاف الفلسطينيين على العيش بعيداً عن أحبائهم، بينما أُجبر آخرون على مغادرة البلاد، أو العيش على الدوام في حالة من الخوف من إلقاء القبض عليهم أو إبعادهم أو ترحيلهم.

ومن الواضح أن هذه الإجراءات تستهدف صراحةً الفلسطينيين وليس اليهود الإسرائيليين، وأنها تستند بالأساس على اعتبارات سُكانية تهدف إلى تقليص الوجود الفلسطيني إلى أدنى حد داخل إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة.

سُمية مع ابنتها في بيت الأسرة في مدينة اللد

وُلدت سُمية وترعرعت في مدينة اللد في وسط إسرائيل. وفي عام 1998 تزوجت من شخص من سكان غزة، وانتقل للعيش معها في مدينة اللد. وفي عام 2000، بدأت سُمية وزوجها إجراءات لم شمل الأسرة كي يتسنى لهما العيش معاً بصورة قانونية. واستغرقت عملية لم شمل الأسرة 18 عاماً، سادت حياتهما خلالها مشاعر الخوف والقلق المستمر. وقالت سُمية لمنظمة العفو الدولية:

الحكومة تسيطر على كل تفاصيل حياتنا، فهي معنا داخل بيتنا، بل وداخل غرف نومنا. ومن أكثر الأحداث غرابة أنهم قبضوا على زوجي في عام 2004، بينما كنتُ ألد إحدى بناتنا. قبضوا عليه بينما كنتُ أنا في غرفة الولادة!

سمية

تحت الحصار

متظاهرون فلسطينيون يركضون بحثاً عما يقيهم، بعد أن أطلقت القوات الإسرائيلية عبوات الغاز المسيل للدموع أثناء مظاهرة على طول الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، شرقي مدنية غزة، شهدت مقتل فلسطينيين وإصابة آخرين بجروح خطيرة، يوم 22 يونيو/حزيران 2018.

على مدى السنوات الأربع عشرة الأخيرة، عاش أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة تحت وطأة حصار إسرائيلي غير قانوني. وقد أدى الحصار، بالإضافة إلى أربع هجمات عسكرية كبرى، إلى آثار كارثية على أهالي غزة.

ويُعتبر الحصار شكلاً من أشكال العقاب الجماعي، فهو يجبر سكان غزة، وأغلبهم من اللاجئين أو من أبنائهم وأحفادهم ممن فروا في عام 1948، على العيش في ظروف مزرية تزداد تدهوراً. وهناك نقص شديد في المساكن، وفي مياه الشرب والكهرباء والأدوية الأساسية ومرافق الرعاية الطبية، وفي المعدات التعليمية ومواد البناء. في عام 2020، سجلت غزة أعلى معدل بطالة في العالم، وكان أكثر من نصف سكانها يعيشون تحت خط الفقر.

وفي 30 مارس/آذار 2018، نظم الفلسطينيون في غزة “مسيرة العودة الكبرى”، وهي سلسلة من المظاهرات الحاشدة الأسبوعية، على طول السور الحدودي بين قطاع غزة وإسرائيل.

وكان أولئك الفلسطينيون يطالبون بحقهم في العودة إلى قراهم وبلداتهم فيما أصبح الآن دولة إسرائيل، وكذلك بإنهاء الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة. وكان الرد وحشياً. فبحلول نهاية عام 2019، كانت القوات الإسرائيلية قد قتلت 214 مدنياً، بينهم 46 طفلاً، كما أصابت أكثر من ثمانية آلاف آخرين بالذخيرة الحية. وفي حالة 156 من هؤلاء المصابين، تطلب الأمر بتر أطرافهم. ويحتاج أكثر من 1200 مريض فلسطيني إلى خدمات علاج وتأهيل طويلة الأمد ومعقدة وباهظة التكاليف، بينما يحتاج آخرون يُقدرون بعشرات الآلاف إلى خدمات الدعم النفسي والاجتماعي، وجميع هذه الخدمات لا تتوفر على نطاق واسع في غزة.

ويؤدي الحصار إلى منع الفلسطينيين من الحصول على الرعاية الصحية الكافية، وبخاصة العلاج الضروري لإنقاذ الحياة وغيره من أشكال العلاج الطبي في حالات الطوارئ، حيث لا يتوفر مثل هذا العلاج إلا خارج قطاع غزة. وكثيراً ما تؤخِّر السلطات الإسرائيلية منح تصاريح للفلسطينيين للحصول على العلاج خارج غزة، أو تمتنع تماماً عن منح التصاريح.

أدهم الحجار، صحفي مستقل يبلغ من العمر 36 عاماً ويعيش في مدينة غزة. وبينما كان يغطي مظاهرات “مسيرة العودة الكبرى”، يوم 6 أبريل/نيسان 2018، أطلق قنَّاصة إسرائيليون متمركزون عند الجدار الفاصل بين غزة وإسرائيل النار عليه. وهو لا يستطيع الحصول على الرعاية الطبية التي يحتاجها بسبب تردِّي الخدمات الطبية هناك. ويقول أدهم:

“الرصاصة اخترقت ساقي وخرجت، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد. لقد دخلت جسدي وأوقفت كل شيء، أوقفت حياتي. حدث هذا لمجرد أن جندياً ضغط على الزناد من دون أن يفكر إلى أي مدى يمكن للرصاصة أن تدمر حياتي. هل فكر ذلك الجندي فيما يمكن أن تسببه فعلته هذه؟ لقد أصبحتُ أسير مترنحاً مثل شخص ميت. لقد توقَّف كل شيء في حياتي منذ اللحظة التي اخترقت فيها تلك الرصاصة ساقي

أدهم الحجار

أنماط إجرامية

دأبت إسرائيل، بشكل منهجي طيلة عقود على ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين. وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية وغيرها انتهاكات من قبيل النقل القسري، والاعتقال الإداري، والتعذيب، وأعمال القتل غير المشروعة، والإصابات الجسيمة، والحرمان من الحقوق والحريات الأساسية. ومن الواضح أن إدامة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي تتم من خلال ارتكاب هذه الانتهاكات، التي ينعم مرتكبوها بحصانة شبه كاملة من المساءلة والعقاب.

وتمثل هذه الانتهاكات جزءاً من اعتداء ممنهج وواسع النطاق موجَّه ضد السكان الفلسطينيين، وهي تُرتكب في سياق نظام إسرائيلي مؤسسي من القمع والهيمنة المنهجية على الفلسطينيين، ومن ثم فهي تشكل أركان الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري.

تفكيك نظام الفصل العنصري

لا مكان لنظام الفصل العنصري في عالمنا، فهو يُعد جريمة ضد الإنسانية ولا بد من إنهائه.

وقد نعمت السلطات الإسرائيلية بالإفلات من العقاب لفترة طويلة. وكان من شأن تقاعس المجتمع الدولي عن محاسبة إسرائيل على أفعالها أن يؤدي إلى استمرار معاناة الفلسطينيين كل يوم. وقد حان الوقت لرفع الصوت تنديداً بالانتهاكات، وللوقوف إلى جانب الفلسطينيين، ولتوجيه رسالة إلى إسرائيل مفادها أننا لن نتسامح مع الفصل العنصري.

ويطالب الفلسطينيون منذ عقود بإنهاء القمع الذي يعيشون تحت وطأته، وفي كل يوم يدفعون ثمناً باهظاً لمطالبتهم بحقوقهم، ولطالما ناشدوا الآخرين في شتى أنحاء العالم لدعمهم.

فلتكن حملتنا هذه هي البداية لإنهاء نظام الفصل العنصري الذي تنتهجه إسرائيل ضد الفلسطينيين.

انضموا إلينا في نضالنا من أجل العدل، والحرية، والمساواة للجميع.

طالبوا إسرائيل بتدمير الفصل العنصري وليس منازل الفلسطينيين

وتأتي تجربة الحرمان من الوطن في جوهر هذا النظام العنصري العنيف. ولهذا، فإن الخطوة الأولى لتفكيك هذا النظام تتمثل في مطالبة إسرائيل بالكف عن ممارسة هدم المنازل.
وتحتاج العائلات الفلسطينية إلى من يقف معها في مواجهة الظلم والتمييز، بالمشاركة في التحرك لمساعدتها على حماية منازلها.