كيف نتعامل مع فيض الأخبار أثناء أزمة وباء فيروس كوفيد – 19

من الطبيعي أن يتسمر الكثيرون منا أمام شاشات التلفاز والكمبيوتر أثناء وباء فيروس كوفيد – 19، لمواكبة هذا السيل المتدفق من الأخبار والنشرات الإخبارية والمستجدات المتلاحقة المتعلقة بالأزمة الحالية. وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي نافذة تطل على الأحداث الجارية في مختلف أنحاء العالم، وحينما ينصب اهتمام الجميع إلى موضوع واحد، فلا عجب أن يجد المرء نفسه غارقاً في هذا الفيض من المعلومات.

ونحن في منظمة العفو الدولية لدينا خبرة واسعة في التعامل مع القصص والصور المروعة – فهذه بكل أسف تقترن بمهمة فضح انتهاكات حقوق الإنسان؛ غير أن مكابدة هذه المحن والصور يمكن أن تفضي إلى ما يسميه المتخصصون “الصدمة بالإنابة”، حيث يشعر المرء بانفعالات شخصية كرد فعل لما يراه على الشاشة، رغم أن ما يراه لم يحدث له بشكل مباشر. ورغم أن هذه الصدمة غير المباشرة هي أسوأ ما يمكن أن يعانيه المرء من جراء تلك المشاهدات، فمن الطبيعي جداً أن نشعر بشيء من الضغط النفسي في الوقت الحالي، ويجدر بنا أن نكون على وعي بذلك، وأن نعتني بأنفسنا وبالأخرين.

وعندما يتعرض الإنسان لمشاهد مزعجة، فإن عقله قادر على استحضار مشاعر ضغط وألم نفسي شبيهة بما يشعر به في خضم الأحداث نفسها. والعقل البشري مجبول على حماية الإنسان من أي شيء قد يهدد سلامته، وحينما نرى أمراً صادماً أو مروعاً، تتخذ عقولنا قراراً سريعاً حيال هذا الأمر: هل نحن بمأمن من الخطر أم أنه يستوجب رد فعل منا. ويستجيب الجسم بإفراز مواد كيميائية مثل الكورتيزول تهيئ الإنسان للاستجابة للخطر؛ وأحياناً ما نسمي هذه الاستجابة “القتال” أو “الفرار” أو “التجمد”. وإلى هذه المواد الكيميائية يُعزى ما نشعر به في حياتنا اليومية من الفزع أو التوتر أو التوعك.

ومثلما تدرك منظمة العفو الدولية ضرورة التخفيف من وطأة المشاهد المؤلمة وآثارها على الإنسان، يتعين علينا جميعاً الاعتناء بأنفسنا في هذا العصر الرقمي عندما نطالع أي محتوى مزعج أو مؤلم المرة تلو الأخرى خلال فترات طويلة. من المفيد أن نتذكر دائماً أن الناس مختلفون عن بعضهم البعض، وتتفاوت السبل والآليات التي يلجؤون إليها عند التصدي للأخطار والمحن، ولكن إليك بعض النصائح العملية التي قد تجدها مفيدة:

تنبّه إلى المشكلة

قد يسهل على المرء إغفال المؤشرات التي تدل على شعوره بالكرب النفسي، ولكن إذا شعرت بتغير في مزاجك أو سلوكك من جراء مشاهدة صور أو مطالعة مواد تثير لديك القلق أو الغضب أو التوتر، فلا بد أن تدرك ذلك، وتدع لنفسك الوقت الكافي للتعامل مع هذه المشاعر والانفعالات.

وهناك الكثير من الموارد المتوفرة على الإنترنت التي قد تجدها مفيدة في هذا الصدد، وإليك واحداً منها يقدم الكثير من النصائح التي تعينك على الحفاظ على صحتك العقلية عندما تستوعب سيلاً منهمراً من الصور والأخبار المزعجة:

https://www.youtube.com/watch?v=6yZrcCFpp2o

تحدث مع الآخرين

تحدث مع أشخاص تثق فيهم، وأطلعهم على مشاعرك؛ وسوف تجد في الغالب أن الكثيرين منهم يشاطرونك هذه المشاعر؛ ولعله من المفيد أن تتحدث مع صديق أو زميل أو قريب حتى يتسنى لك التعبير عن مكنون نفسك وما يساورك من القلق والخوف.

 حافظ على نومك

لعل هذه فرصة جيدة لأن تعقد العزم على إبعاد هاتفك عن سريرك، ويقول البعض إن هذا يساعدك على النوم بشكل أفضل.   

ومن النصائح الأخرى الجيدة أن تأخذ كفايتك من النوم بشكل عام؛ فمن السهل أن تسهر حتى ساعة متأخرة من الليل لمشاهدة المسلسل المفضل لديك، ولكن من الأفيد كثيراً لك أن تحافظ على نمط نومك المعتاد، وأن تنام 8 ساعات كل ليلة.

أبعد نفسك عن الشاشات

نحن جميعاً بحاجة للابتعاد عن الشاشات بمختلف أنواعها من حين لآخر حفاظاً على سلامتنا ورفاهنا؛ ولكن ذلك لا يعني عدم الاطلاع على بريدنا الإلكتروني فحسب، بل ينطبق أيضاً على الوقت الذي نقضيه في قراءة الأخبار على الإنترنت بوجه عام. فبدلاً من مجرد مطالعة كتابات قصيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وعناوين آخر الأخبار، فقد يكون من المفيد تخصيص بعض الوقت لقراءة مقال أو مقالين يستندان إلى بحوث وافية مرة كل أسبوعين.

  وبمقدورك أيضاً قضاء بعض الوقت في التأمل والتفكر أو غيره من الأنشطة المهدئة؛ وإليك بعض الأمثلة:

تمارين “العودة إلى أرض الواقع”

أسلوب “العودة إلى أرض الواقع” هو أسلوب يساعدك على تهيئة عقلك وبدنك للعمل معاً بانسجام في اللحظة الراهنة، أي الزمان والمكان الآني، وهو أسلوب مفيد للمرء حينما تطغى عليه المشاعر والانفعالات.

يمكنك أن تبدأ بتجريب ما تشاء من التمارين التالية:

  • التركيز لمدة خمس ثوانٍ على خمسة أشياء تراها حولك.
  • التركيز على ملامسة جسمك لكرسيك أو للأرض.
  • الإمساك بكأس فيه شراب ساخن أو بارد بكلتا اليدين، والإحساس الكامل بالسخونة أو البرودة.
  • شم طعام ما أو زهرة أو أي شيء آخر.
  • رش الماء على وجهك.
  • ترديد اسمك، أو سنك، أو مكانك الآن، أو المكان الذي سوف تكون فيه لاحقاً بصوت عالٍ.
  • تركيز انتباهك على الأصوات، القريبة منك أولاً، ثم البعيدة عنك أو خارج الغرفة.

وبمقدورك أيضاً تجريب أسلوب يسمى “تحويل الانتباه”، ولا يعني هذا محاولة كبح فكرة أو انفعال ما، وإنما تحويل الانتباه بين البدائل.

وإذا أردت محاولة هذا الأسلوب، ليس عليك سوى أن تستحضر في ذهنك صورة تشيع في نفسك شعوراً بالأمان أو الارتباط أو الحماية. وأمعن التفكير في التحول إلى هذه الصورة من الصورة التي تحاول إماطتها عن ذهنك؛ تحدث إلى نفسك وأنت تفعل ذلك! وتذكر أن هذا التمرين ليس المقصود منه حجب تجربة سابقة لك، وإنما السيطرة عليها.

تنفّس جيداً!

التركيز على التنفس من شأنه أن يساعد على تهدئتك وضبط ردود فعلك البدنية، ويمنحك شعوراً بالارتكاز. وهناك الكثير من التمارين التنفسية البسيطة التي يمكنك ممارستها لتهدئة نفسك؛ وإليك بعضها على سبيل المثال:

  • التنفس 7-11: ويتضمن هذا التمرين الشهيق مع العد من واحد إلى سبعة، يتلوه الزفير حتى 11، ثم تكرار التمرين حتى تشعر بمزيد من التحكم.
  • التنفس في ثلاث خطوات: استعد بإغلاق عينيك والنظر لأسفل، ولاحظ التلامس بين جسمك والأرض والكرسي؛ لاحظ قدميك واتخذ وضعاً بدنياً يمنحك شعوراً بالتيقظ والاتزان والرصانة.
    • الخطوة 1: لاحظ وصف مزاجك النفسي؛ لاحظ وصف أي مشاعر لديك في هذه اللحظة؛ انتبه لحواسك البدنية.
    • الخطوة 2: ركز كل انتباهك على تنفسك؛ تابع كل نفس تأخذه، بينما يدخل الهواء جسمك، ويهبط إلى داخل رئتيك، ثم يصعد ويخرج من جسمك. استمر على هذا المنوال لمدة دقيقة أو نحو ذلك، تتابع فيها دخول الهواء وخروجه من جسمك.
    • الخطوة 3: وسع مجال التركيز والإدراك بحيث يشمل جسمك كله، وكأنك تتنفس من مسام جلدك.

ولكي تخرج من مجال التنفس، ركز التفكير مرة أخرى في التلامس بين جسمك والكرسي الذي تجلس عليه وبين قدميك والأرض؛ دع أشعة الضوء ترشح خلال جفنيك، ثم افتحهما تدريجياً وكأنك تسمح للعالم الخارجي بالعودة مرة أخرى.

 تذكر أنك لست عاجزاً

من أهم الأمور التي ينبغي أن نلتفت إليها في مثل هذه الظروف المضطربة هو أن نتذكر أنه حيثما نطالع عناوين أخبار تجعلنا نشعر بالعجز وقلة الحيلة إزاء الأزمة الراهنة، فهناك خطوات يمكننا اتخاذها للاعتناء بأنفسنا؛ فإذا خصصنا بعض الوقت للتحدث مع الآخرين، وحرصنا على أخذ استراحة من حين لآخر، وتنبهنا للمواقف التي تنتابنا فيها مشاعر وانفعالات شديدة، فمن شأن ذلك أن يمنحنا مزيداً من القوة ويعزز صحتنا. وقد آن الأوان لأن نتكاتف ونسعى معا للحفاظ على سلامتنا وصحتنا العقلية أثناء هذا الوباء العالمي.