القيود التعسفية على حرية التنقل في تونس

مقدمة

منذ الانتفاضة التي أطاحت بحكومة زين العابدين بن علي في 2011، والسلطات التونسية تعرب المرة بعد المرة عن تمسكها بالتزامها بتعزيز سيادة القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما وصفت وسائل الإعلام الدولية تونس بأنها قصة نجاح ” الربيع العربي” الكبرى أو الوحيدة. بيد أن التهديدات الأمنية التي واجهتها البلاد منذ 2011، وما فعلته السلطات إزاءها، أدى إلى إضعاف محاولات كسر أنماط الانتهاكات التي كانت شائعة قبل 2011.

وفي سياق “الاستراتيجية الوطنية لمقاومة التطرف والإرهاب”، فرضت السلطات أوامر تنفيذية لمراقبة الحدود قيدت بها الحق في حرية التنقل لآلاف الأفراد منذ 2013. وفي كثير من الحالات، وصلت هذه الأوامر بحكم الأمر الواقع إلى منع من السفر. ويخلص البحث الحالي لمنظمة العفو الدولية إلى أن السلطات فرضت هذه الإجراءات بطريقة تمييزية تستند إلى المظهر والممارسات الدينية أو الإدانات الجنائية السابقة، ودون تقديم تبرير أو الحصول على أمر من المحكمة. وقد أثرت التدابير المذكورة تأثيراً سلبياً على سبل عيش الأفراد، أو شملت اعتقالهم التعسفي والاحتجاز لمدة قصيرة.

هذا [S17] كله يدمر حياتي.

محمد، 34 عاماً، تونسي

منذ 2013

29,450
تونسي منعوا من السفرعلى أساس الإجراء الحدودي S17.

المشمولين بالإجراء

“S17”: ضحايا مزاج الدّاخلية – تقرير Inkyfada.com

الـS17 و”خطة وطنية لمكافحة الإرهاب”

منذ 2011، أعلنت مجموعات مسلحة تابعة لتنظيم القاعدة، وجماعة أنصار الشريعة، والجماعة المسلحة التي تسمي نفسها “الدولة الإسلامية”، مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات القاتلة في تونس. وفي بادئ الأمر أعلنت السلطات التونسية حالة الطوارئ، في 2011، وجددت إعلان الطوارئ مرارًا وتكرارًا حتى مارس/ آذار 2014، عندما سمحت بانتهائها. وفي 2015 أعاد الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي فرض حالة الطوارئ بعد حادث إطلاق النار الكبير في سوسة. وقد تم تجديدها بانتظام منذ ذلك الحين. وتفوض أحكام مرسوم الطوارئ وزارة الداخلية صلاحية تقييد بعض الحقوق، بما في ذلك الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات، وحرية التنقل.

إن منظمة العفو الدولية تدين دون تحفظ جميع هجمات الجماعات المسلحة التي تستهدف المدنيين، وتقر بواجب السلطات التونسية في حماية أهاليهامن مثل هذه الأعمال ومنعها من الوقوع في الخارج. غير أن تنفيذ حالة الطوارئ وغيرها من الإجراءات الأمنية قد أدى إلى تقويض حقوق الإنسان وسيادة القانون. وكثيراً ما كان تنفيذ هذه الإجراءات تعسفياً وتمييزياً وغير متناسب، وأفضى إلى مجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان، من بينها القيود التعسفية على حرية التنقل، والتعذيب، والاعتقال التعسفي، وتفتيش المنازل دون إذن قضائي.

يقدر عدد التونسيين الذين انضموا إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” في ديسمبر/ كانون الأول 2015 بين 6 و7 آلاف تونسي على وجه التقريب. وفي محاولة لاحتواء تدفق التونسيين الذين يسافرون إلى الخارج للانضمام إلى تنظيم الدولة والجماعات المسلحة الأخرى، فرضت وزارة الداخلية التونسية تدريجياً قيوداً مشددة على حرية التنقل. وفي 2013، وضعت موضع التنفيذ مجموعة من الإجراءات لمراقبة تحركات الأفراد المشتبه في انتمائهم إلى “الجماعات الجهادية”، ممن يُعتقد أنهم قد يحاولون الانضمام إلى الجماعات المسلحة في ليبيا أو العراق أو سوريا، والسيطرة عليهم عند حدود البلاد. وعرفت هذه الإجراءات باسم الإجراء الحدودي S17، المكون من أول حروف كلمة “ signalisation الإشارة” بالفرنسية ومن عدد الإجراء وتشكل هذه الإجراءات جزء من “خطة وطنية لمكافحة الإرهاب”.

لم تعلن وزارة الداخلية عن المدى الكامل لتطبيق الإجراء S17. وفي جانفي/ كانون الثاني 2018، أعلن وزير الداخلية لطفي براهم في جلسة برلمانية أن 29 ألف و450 شخصًا قد مُنعوا من السفر إلى مناطق النزاع بناءً على تطبيق الإجراء S17 منذ 2013.  وهذا هو الرقم الرسمي الوحيد المتاح الذي يشير إلى مدى استخدام إجراءات مراقبة الحدود.

الانتهاكات الحقوقية للإجراء S17

قيود غير قانونية على الحق في حرية التنقل
غياب الوضوح في الأسباب وعدم امكانية الطعن
تمييزي وغير متناسب
لا يعلم المتأثرين بالإجراء عنه إلا عند محاولة السفر

قيود تعسفية على الحق في حرية التنقل

أجرت منظمة العفو الدولية بحثاً حول تطبيق الإجراء الحدودي S17 بين أفريل/ نيسان 2017 وأوت/ آب 2018. ووثقت المنظمة 60 حالة لأفراد واجهوا قيودًا على حقهم في حرية التنقل داخل البلاد، أو تم منعهم من السفر للخارج بناءً على الإجراء الحدودي S17.

وخلص بحث منظمة العفو الدولية إلى أن تطبيق الإجراء الحدودي S17 قد أفضى إلى قيود تعسفية على الحق في حرية تنقل الأشخاص داخل حدود البلاد، وكذلك في السفر إلى الخارج. ويستند إصدار الإجراء الحدودي S17 إلى الأوامر التنفيذية الصادرة عن وزارة الداخلية، دون أي شكل من أشكال الرقابة القضائية. كما طبقت السلطات قيودًا على حرية التنقل بطريقة تمييزية وغير متناسبة.

وفي بعض الحالات، يبدو أن السلطات استهدفت أشخاصاً خضعوا للإجراء الحدودي S17 على أساس معتقداتهم أو ممارساتهم الدينية، أو مظهرهم البدني، مثل إطلاق اللحية وارتداء ملابس دينية، أو إدانات سابقة، دون تقديم أي دليل يربطهم بنشاط جماعة مسلحة.

وكان لهذه الإجراءات تأثير كبير على حقوق الإنسان للأشخاص الذين تم استهدافهم، وشمل ذلك الحق في الحياة الأسرية والعمل، والحق في الحياة الخاصة، والحق في عدم التعرض للاعتقال والاحتجاز التعسفيين.

ويكرر مسؤولو وزارة الداخلية تصريحاتهم بأن الإجراء الحدودي S17 لا ينطبق إلا على مستوى نقاط العبور الحدودية التونسية، مثل المطارات. غير أن الأبحاث التي أجرتها منظمة العفو الدولية تظهر أن ضباط الشرطة والحرس الوطني يستخدمون أحيانًا الإجراء الحدودي S17 داخل حدود تونس لتقييد حرية تنقل الأفراد بين المدن بطريقة تصل، في كثير من الأحيان، إلى قيود تعسفية على حرية التنقل. ففي 37 حالة موثقة للتقرير الحالي، اكتشف الأفراد أنهم يخضعون للإجراء الحدودي S17 خلال فحص روتيني للهوية من قبل الشرطة أو الحرس الوطني أثناء السفر داخل تونس، بل وأحيانًا داخل مدنهم أو أحيائهم.

إن الإجراء الحدودي S17 ليس منعاً صريحاً للسفر، ولكنه، في بعض الأحيان، يرقى إلى المنع بحكم الأمر الواقع. وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية بالتفصيل 23 حالة لأشخاص مُنعوا بشكل تعسفي من السفر إلى الخارج، استناداً إلى الإجراء الحدودي S17.

إن مسؤولية تونس عن منع مواطنيها من السفر للانضمام إلى صفوف الجماعات المسلحة في الخارج يجب ألا تؤدي إلى قيود تعسفية تحرم الأفراد من حقهم في حرية التنقل. ويعتبر الإجراء الحدودي الذي لا يستند إلى أحكام قانونية واضحة ومحددة والذي لا يمكن الطعن فيها بفعالية قيوداً غير قانونية، وبالتالي فهو انتهاك للحق في حرية التنقل. ينبغي على السلطات التونسية التأكد من أن جميع الإجراءات الطارئة المتخذة ينص عليها القانون، وتلتزم بمبدأي الضرورة والتناسب؛ وأن تنشر بالكامل جميع الإجراءات الإدارية التي تؤثر مباشرة على حقوق الإنسان الخاصة بالأفراد، وأن تتيح للعموم إمكانية الاطلاع عليها بسهولة، بما في ذلك الإجراء الحدودي S17؛ وإصلاح إجراءات مراقبة الحدود لضمان الرقابة الواضحة والفعالة من جانب السلطة القضائية.

التأثير على الحياة وعلى سبل العيش

قد وثّقت منظمة العفو الدولية خمس حالات لأشخاص تضررت حياتهم بشكل خطير بسبب الإجراء S17 المفروض عليهم دون مبرر. وكان من بينهم ثلاثة أفراد يعتمدون في كسب عيشهم على التجارة عبر الحدود. ولم يعد بوسع اثنين منهم كسب رزقهما لأنهما منعا من مغادرة البلاد، بينما تعرض الثالث للاحتجاز والتأخير المتكرر والاستجواب عند السفر والتدخل في عمله. أما الفرد الرابع، فكان للإجراء S17 المفروض عليه تأثير كبير على عمله في أحد المطارات. وأما الخامس، فقد تقيّد حقه في الحياة الأسرية بصورة تعسفية وذلك بمنعه من السفر إلى الخارج لرؤية عائلته ورعاية أمه المريضة.

وأما “كريم”، وهو مهندس عمره 28 عاماً، فأخبر منظمة العفو الدولية أن إخضاعه للإجراء S17 كان له أثر وخيم على عمله في قسم صيانة الطائرات بالمطار. وذكر للمنظمة أنه يعتقد أنه تم اتخاذ الإجراء S17 ضده بعد أن اتهمه ضابطا شرطة يعملان في المطار نفسه زوراً بالتطرف الديني انتقامًا من مشادة وقعت بينه وبينهما في جانفي/ كانون الثاني 2017. وفي الشهر التالي، أبلغته سلطات المطار بأنه لم يعد بإمكانه الوصول إلى مناطق المطار التي كان يعمل فيها سابقاً لأنها كانت داخل المنطقة الحدودية، ووضعت علامة الإجراء S17 بجانب اسمه. كما طُلب منه إرجاع شارة الدخول الخاصة به.

“والآن لم يعد بإمكاني القيام بعملي. بما أنني لا أستطيع الوصول إلى المنطقة التي يفترض أن أعمل فيها على الطائرات، وقد تم نقلي إلى الإدارة، حيث لا أجد ما أفعله. بل ليس لدي حتى مكتب خاص بي.  لقد تدمرت حياتي المهنية. ولا أعرف ما الذي يجب عليّ فعله لإثبات أن الإجراء S17 الصادر ضدي يستند إلى معلومات استخبارية خاطئة … من ضابطي شرطة يريدون الثأر مني”.

ناجم، سائق شاحنة عمره 59 عاماً من حيدرة، المدينة الصغيرة القريبة من الحدود التونسية الجزائرية، وقد أخبر منظمة العفو الدولية إنه المعيل الوحيد لعائلته وكان يكسب عيشه من نقل البضائع للشركات الصغيرة عبر الحدود لمدة 20 عاماً، قبل أن يكتشف أنه قد أخضع للإجراء S17. وفي 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، طلب ضباط شرطة الحدود من ناجم الانتظار في نقطة عبور الحدود أثناء محاولته مغادرة تونس، وبعد حوالي 90 دقيقة، أخبروه أنه لم يعد مسموحاً له بالسفر. لم يقدم الضباط لناجم أي وثيقة مكتوبة، ولم يقدموا ما يفيد بصدور أمر قضائي يمنعه من السفر. وقال ناجم إنه حاول السفر إلى الجزائر مرة أخرى في 2017، لكن تم منعه للمرة الثانية من مغادرة تونس. وأبلغ ناجم منظمة العفو الدولية أنه نظراً لأن الضباط لم يقدموا أي تبرير للقرار، فهو لا يستطيع سوى التكهن بالسبب وراءه. وأضاف قائلاً إن المحكمة أصدرت في 2005 حكما بسجنه لمدة سنتين بتهمة التهريب لمحاولته نقل شخص يفتقر إلى وثائق سفر سليمة من تونس إلى الجزائر، وقد قضى هذه العقوبة. كما ذكر أن إخضاعه للإجراء S17 جعل أقرانه يشككون في أمره، ولا يرغبون في توظيفه في أعمال أخرى، لافتراضهم، بسبب الوصمة المرتبطة بالإجراء، أنه بإمكانه أن يكون مشتبهاً في قضية إرهابية.

المسار النموذجي لمحاولة رفع الإجراء

أنا لا أفهم لماذا يمنعوني من العمل. لقد كنت أعبر الحدود التونسية الجزائرية جيئة وذهابا لفترة طويلة جداً. إنها مصدر كسبي الوحيد. فالجزائر أقرب إليّ من تونس العاصمة. أنا الآن أعيش بفضل اعانات أقاربي ولا أعرف ما ينبغي عليّ فعله.

ناجم، سائق شاحنة عمره 59 عاماً من حيدرة

المضايقة أثناء التنقل في تونس

كرر كبار المسؤولين في وزارة الداخلية التصريح بأن الإجراء الحدودي S17 لا ينطبق إلا على حدود تونس ومطاراتها. وفي جلسة عامة لمجلس نواب الشعب في 10 فيفري/ شباط 2018، رد وزير الداخلية، لطفي براهم، على سؤال من أحد النواب، قال: “أصر على توضيح أن الإجراء الحدودي لا يطبق خارج المناطق الحدودية”. وفي 23 جانفي/ كانون الثاني 2018، صرح مسؤول كبير بوزارة الداخلية فضل عدم ذكر اسمه: “لا يحق للضباط الموجودين خارج المناطق الحدودية، ونقاط التفتيش الحدودية، معرفة خضوع الشخص للإجراء الحدودي من عدمه. ولا يُفترض أن يظهر الرمز على أنظمتهم.”

ورغم ذلك، يظهر البحث الذي أجرته منظمة العفو الدولية أن مسؤولي وزارة الداخلية استخدموا بشكل روتيني الإجراء S17 لتقييد حرية تنقل الأفراد بين المدن داخل حدود تونس بطريقة تضع أحيانًا قيودًا تعسفية على حرية التنقل. وأبلغ المحامي سمير بن عمر، منظمة العفو الدولية بأنه كان يمثل ما لا يقل عن 20 من المتهمين ممن خضعوا للإجراء S17، وقال إنه لا يوجد أساس قانوني لاستخدام هذه الإجراءات الحدودية داخل البلاد:

وأضاف قائلاً: “إن استخدام الإجراء S17 داخل البلاد تعسفي، ولا يوجد أساس قانوني له في قانون الجوازات أو الأمر المنظم لحالة الطوارئ. كما لا يمكننا تحديد أي تشريع يمكن أن ينص على استخدام مثل هذه الإجراءات أو تنظيمها إجرائياً”.

ويوقف ضباط الشرطة الحافلات العامة وسيارات الأجرة غالباً عند نقاط التفتيش على الطرق بين المدن والبلدات، ولا سيما الطرق المؤدية إلى المدن الحدودية، ويطلبون من المسافرين تقديم وثائق إثبات الهوية الشخصية. وكثيراً ما يذكر الرجال أصحاب اللحى الطويلة والنساء اللاتي يرتدين النقاب أنه يتم فرزهم من البداية. وفي الحالات التي يظهر فيها الرمز S17 عند قيام الشرطة بالتحقق من هوية شخص ما، تقوم الشرطة عند ذلك عادة بإنزال الشخص من السيارة واستجوابه على جانب الطريق أو في مركز شرطة قريب ويستغرق الاستجواب أحياناً عدة ساعات. وخلافاً لتأكيدات وزارة الداخلية بأن عمليات التحقق هذه تستند إلى مخاوف أمنية خطيرة ولا تطبق إلا على الحدود التونسية، يشير بحث منظمة العفو الدولية إلى أنه في كثير من الحالات، يتم فرض قيود على حرية التنقل بطريقة تمييزية استناداً إلى افتراضات المسؤولين الأمنيين المتعلقة بمعتقدات الأفراد وممارساتهم الدينية.

وطبقاً لبعض الشهادات، يخلق ضباط الشرطة في الغالب ما يسمى “بطاقة إرشادات” للأفراد الذين خضعوا للإجراء S17 بعد احتجازهم بغية استجوابهم. وهذا يعني أن الضباط يفتحون ملفًا خاصاً بالشخص يحتوي معلومات عنه، مثل المهنة والحالة الشخصية ومحل الإقامة، بالإضافة إلى ممارساته الدينية، وعاداته في القراءة، والأنشطة الاجتماعية. وتحدث عشرون شخصاً ممن قابلتهم منظمة العفو الدولية عن تجاربهم في إخضاعهم للإجراء S17، فقالوا إن المسؤولين الأمنيين استجوبوهم مراراً وتكراراً حول ممارساتهم الدينية ومعتقداتهم، وما ترتديه زوجاتهم وما يقرأونه. والاستخدام المتكرر لمثل هذه الأسئلة فيه انتهاك للخصوصية وتمييزي.

نجم الدين، صياد سمك عمره 42 عاماً ووالد لأربعة أطفال يعيش في مدينة ساحلية بتونس، تعرض بشكل متكرر لقيود تعسفية على حرية تنقله بموجب الإجراء S17 منذ 2016. وأخبر نجم الدين منظمة العفو الدولية أن فرقة مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الداخلية استدعته إلى تونس في جوان/ حزيران 2016 لاستجوابه بعد أن سافر رجل اعتاد العمل معه إلى سوريا، زُعِم أنه انضم إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”. وسرعان ما بدأت الشرطة في تنحية نجم الدين جانباً للاستجواب في كل مرة تتحقق من هويته، خلال فحوصات روتينية. وكانت المرة الأولى التي حدث فيها هذا، في أوت/ آب 2016، عندما أوقفته الشرطة التي كانت تقوم بدوريات في مدينته للتحقق المتكرر من الهوية وأخذته إلى مركز الشرطة المحلي لمدة ثلاث ساعات لاستجوابه قبل الإفراج عنه. في وقت لاحق أخبره أحد معارفه الذي يعمل في مركز الشرطة أن هذا يرجع إلى أن اسمه قد ظهر تحت الإجراء S17. وأبلغ نجم الدين منظمة العفو الدولية أنه في كل مرة أوقفته فيها إحدى دوريات الشرطة، اقتادته إلى مركز الشرطة لاستجوابه نحو 30 دقيقة حول تحركاته قبل أن تطلق سراحه. وقال إنه لم يكشف له الضباط الذين استجوبوه في أي مرة من المرات عن أسباب معاملته، وإن وزارة الداخلية لم ترد على شكوى أرسلها في 23 أوت/ آب 2017. ثم أوضح الأمر لمنظمة العفو الدولية قائلاً:

“لم يتم توقيفي على الإطلاق من قبل، ناهيك عن إدانتي، ولم يخبروني أبداً لماذا تم إخضاعي لهذا الإجراء. وانطلاقًا من مرحلة معينة، توقفوا عن طرح الأسئلة، وكانوا يطلبون مني الانتظار فحسب، ثم يتركونني أذهب. إنه مجرد عبث. لا أعرف ماذا فعلت. إذا كنت أخطأت في شيء، فأناشدهم أن يضعوني في السجن بدلاً من العيش مع هذا القلق طوال الوقت.”

التقرير الكامل

’حتى مرّة ما يقولولي علاش‘: القيود التعسفية على حرية التنقل في تونس

عقبات أمام من يطعن في الإجراء S17

يواجه الأفراد الذين يخضعون بشكل تعسفي للإجراء S17 صعوبات جمة عند سعيهم للحصول على تعويض، وذلك لأنهم لا يتلقون إخطارًا كتابيًا بالإجراء أو تبريرًا له، ولأن مثل هذه الإجراءات تستند إلى أمر أمني ذو صبغة تنفيذية من وزارة الداخلية. ومن دون معرفة الأدلة، إن وجدت، والتي أدت إلى اتخاذ الإجراء S17، فإن المتضررين يواجهون صعوبة كبيرة في الطعن فيها.

وبما أن الإجراء S17 أمر إداري تصدره وزارة الداخلية، فإن المحاكم الإدارية هي الجهة المختصة بمراجعة الشكاوى المرفوعة ضدها. وحتى فيفري/ شباط 2018، كان في تونس محكمة إدارية واحدة. ومنذ ذلك الحين، أنشئت المحاكم الإدارية الجهوية وباشرت أعمالها. وإلى الآن، لم تصدر المحكمة الإدارية في تونس العاصمة ولا أي من المحاكم الإدارية الجوهية الأحدث عمراً قراراً نهائياً في أي طعن في الإجراء S17، مما يعني عدم وجود أي فقه قانوني بشأن شرعية الإجراء.

يجوز للأفراد الذين يطعنون في القرارات الإدارية تقديم طلبات إلى محكمة إدارية إيقاف تنفيذ مثل هذه القرارات إلى أن تصدر المحكمة حكمها في أصل القضية. وينبغي استعجال النظر هذه الطلبات، وتتخاذ القرارات من قبل رئيس المحكمة الإدارية. ووفقاً للمحامين الذين استشارتهم منظمة العفو الدولية أثناء بحثها، ينبغي اتخاذ القرارات المتعلقة بطلبات إيقاف تنفيذ للأوامر في غضون بضعة أشهر، ولكن غالباً ما استغرق الأمر في الممارسة العملية أكثر من عام في حالة الطلبات المتعلقة بالإجراء S17.

وفي ثلاث حالات وثقتها منظمة العفو الدولية، أمرت المحكمة الإدارية في تونس وزارة الداخلية بتعليق الإجراء S17 الخاص بالمدعين إلى حين صدور حكم نهائي بشأن الشكاوى التي تقدموا بها ضد الأوامر. ولكن لم تقم وزارة الداخلية في أي من هذه الحالات بتزويد هؤلاء بما يؤكد أنهم لم يعودوا خاضعين للإجراء S17.

رفع محمد قرفال، الذي يخضع للإجراء S17 منذ 2014، التماساً إلى المحكمة الإدارية بتونس في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2016 لرفع القيود عنه. وفي 14 فيفري/ شباط 2018، أمرت المحكمة وزارة الداخلية بتعليق تنفيذ القيود المفروضة على حقه في السفر نتيجة لإجراء S17 الخاص به. وعلى الرغم من أن المحكمة تبلغ من باب إجرائي وزارة الداخلية بقراراتها، فقد أرسل محمد قرفال أيضًا نسخة من القرار الوزارة وذلك من خلال عدل منفذ (كاتب عدل) في 28 مارس/ آذار 2018. وحتى يومنا هذا، لم يتلق أي إشارة تفيد بأن الوزارة قد امتثلت للقرار.

وأبلغ أحد الضباط ذوي الرتب المتوسطة ​​من إدارة الحدود والأجانب التابعة لوزارة الداخلية، ويعمل في أحد المطارات، منظمة العفو الدولية أنه لا يمكن السماح للمسافرين الخاضعين للإجراء S17 بالمرور، حتى لو كانت لديهم أوامر من المحكمة بتعليق أو رفع قيود السفر:

“في بعض الأحيان يحضر الأشخاص محاميهم معهم إلى المطار ليجادلوا بأن الإجراء ضدهم غير قانوني. بل إن البعض كانت لديهم أوامر من المحكمة، لكننا في المطار يتعين علينا التشاور مع الإدارة المركزية قبل أن نسمح للشخص بالمرور إذا كان قد صدر ضدهم الإجراء الحدودي S17. ولا يمكننا اتخاذ قرار السماح لشخص بالسفر إذا قالت السلطات التي أصدرت الإجراء S17 ضدهم أنه لا ينبغي لنا. من يتحمل المسؤولية إذا كان ذلك الشخص الذي يغادر البلاد قد تورط في نشاط إرهابي؟ يجب أن يكون هناك سبب وراء الحظر، وعلينا أن نحترم ذلك”.

وقد ناشد بعض الأفراد وزارة الداخلية مباشرة بالسعي لإلغاء الإجراء S17، لكن منظمة العفو الدولية لا تعلم عن أي حالة استجابت لها الوزارة. وقال 14 شخصاً ممن قابلتهم منظمة العفو الدولية في التقرير الحالي إنهم قدموا للوزارة مباشرة التماساً لإخراجهم من قائمة الأفراد الخاضعين للإجراء S17؛ وذكروا جميعهم أنهم لم يتلقوا أي رد. فعلى سبيل المثال، قال “لطفي” إنه أرسل ثلاثة التماسات إلى وزارة الداخلية خلال 2016 يطلب فيها رفع الإجراء الحدودي الصادر ضده، لكنه لم يتلق أي رد.

ينص الفصل 24 من الدستور التونسي على حق المواطنين في اختيار مكان إقامتهم، وحرية التنقل داخل البلاد، والحق في مغادرة البلاد. وعلاوة على ذلك، ينص الفصل 49 من الدستور على أن: القانون يحدّد الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أوالصحة العامة، أو الآداب العامة. بالإضافة إلى ذلك، ينص الدستور على أن هذه القيود “يجب أن تكون متناسبة مع الهدف المقصود”. ومع ذلك، فإن حقيقة أن السلطات التونسية لم تنشئ بعد محكمة دستورية، يعني أنه من المستحيل حاليا الطعن في دستورية الإجراء S17 في المحاكم.

وعلى الرغم من أن تونس لم تخطر الأمين العام للأمم المتحدة بأي استثناءات من أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية خلال حالة الطوارئ ، فإن التصريحات الرسمية تشير غالبًا إلى حالة الطوارئ لتبرير القيود على التمتع بحقوق الإنسان مثل الحق في حرية التنقل. وبهذا الصدد ذكر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب:

“يجب على الدول التي تستخدم قوانين مكافحة الإرهاب التي تؤدي إلى حالات الطوارئ أن تحافظ على إمكانية الوصول والمراقبة القضائية القوية والمستقلة. إن الإشراف القضائي ضروري في جميع مراحل ممارسة سلطات الطوارئ، وكلما طال أمد حالة الطوارئ، أصبحت الحاجة إلى المراجعة القضائية أكثر إلحاحًا وأهمية.”

إن فرض وزارة الداخلية للقيود التي ترقى فعليًا إلى حظر السفر وقيود مفروضة على السفر الداخلي دون الحصول على إذن قضائي مطالب به بموجب قانون تونس المتعلق بجوازات السفر يمنح الشرطة السلطة الوحيدة فعليًا لفرض حظر على السفر. وهذا الأمر إضافة إلى إخفاق الوزارة في إبلاغ الأشخاص بأنهم خضعوا لهذه القيود يتعارض مع التزامات تونس بموجب المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وقد أدى عدم وجود رقابة قضائية فعالة لهذه الإجراءات إلى مزيد من إعاقة المحاولات الرامية إلى الطعن فيها.

توصيات

تكشف بحوث منظمة العفو الدولية عن مؤشرات واضحة تدل على أن وزارة الداخلية التونسية قد أساءت استخدام إجراءات الطوارئ المعتمدة لمواجهة التهديدات الأمنية عن طريق تقييد الحق في حرية التنقل لآلاف الأشخاص تقييداً تعسفياً. 

 في الحالات التي وثّقتها منظمة العفو الدولية، استهدفت إجراءات S17 أشخاصًا بشكل تعسفي، على الأساس الوحيد للمعتقدات والممارسات الدينية التي ُيشتبه بأنهم يعتنقونها، أو المظهر الجسدي أو الإدانات السابقة دون تقديم أي دليل يربط أولئك الأفراد بنشاط الجماعات المسلحة.

ومن أجل ضمان احترام حق الإنسان في حرية التنقل وحمايته توصي منظمة العفو الدولية الحكومة التونسية باتخاذ الخطوات التالية:

ضمان أن جميع اجراءات الطوارئ التي تتخذها الحكومة يحددها القانون وتلتزم بمبدأي الضرورة والتناسب كما ينص عليهما القانون الدولي لحقوق الإنسان.

ضمان أن تكون جميع القيود المفروضة على حرية التنقل من قبل السلطة التنفيذية مبررة، ولها أساس قانوني واضح وتخضع للرقابة القضائية وقابلة للطعن؛

ضمان المراجعة المنتظمة، بما في ذلك من قبل جهة قضائية، لجميع الحالات التي تقيد فيها الإجراءات الإدارية حقوق الأفراد، بما في ذلك حرية التنقل؛

ضمان استجابة المحاكم الفورية، عن طريق تخصيص الموارد، إلى الالتماسات التي تطعن في الإجراء S17.