المملكة العربية السعودية: السؤال الذي يلح على أذهان الجميع

المغفور له الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز آل سعود
©BRENDAN SMIALOWSKI/AFP/Getty Images
المغفور له الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ©BRENDAN SMIALOWSKI/AFP/Getty Images

مع وفاة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، تتوجه أنظار العالم مرة أخرى إلى سجل حقوق الإنسان في السعودية، ذلك البلد الغني بالنفط في الشرق الأوسط.

والسؤال الذي يبدو ملحاً على أذهان الجميع هو: “ما هي تركة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز؟”

ولكن الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة.

فمنذ أن تولى الملك عبد الله مقاليد الحكم في عام 2005، بدأ في إجراء بعض الإصلاحات الإيجابية.

فعلى سبيل المثال، بدأ تدريجياً على نحو بطئ ضم نساء إلى مجلس الشورى، وهو مجلس استشاري بلا صلاحيات مهمته تقديم المشورة للملك، كما بدأ إدماج الإناث في قوة العمل، مع السماح لبعضهن بالعمل كمحاميات في المحاكم.

وكان للملك الراحل دور مشهود في افتتاح عشر جامعات جديدة، وتقديم منح سخية لآلاف من مواطني السعودية من أجل الدراسة في الخارج. كما شرع الملك في إجراء إصلاحات قضائية طموحة، إلا إنها لم تمض قدماً في واقع الأمر.

بل إن الملك الراحل أصدر مرسوماً بتأسيس “هيئة حقوق الإنسان”، وسمح بإنشاء جمعية معنية بحقوق الإنسان، يُفترض أنها مستقلة.

إلا إن الخطوات الإيجابية تقف عند هذا الحد.

فبالرغم من التقدم الذي شهدته البلاد في غضون السنوات السابقة، فقد تدهور سجل حقوق الإنسان فيها. بل إن الجوانب السلبية تفوق بكثير الجوانب الإيجابية.

وقد برزت مؤخراً قضية رائف بدوي كدليل على وضع حقوق الإنسان في البلاد.

ففي مايو/أيار 2014، حُكم على رائف بدوي بالسجن 10 سنوات وبالجلد ألف جلدة، بعدما اتُهم بالإساءة إلى الإسلام من خلال الموقع الإلكتروني الذي أنشأه لمناقشة القضايا الاجتماعية والسياسية في السعودية، وهو موقع “الشبكة الليبرالية السعودية الحرة”.

وقد بدأ تنفيذ عقوبة الجلد يوم 9 يناير/كانون الثاني 2015، حيث جُلد رائف بدوي 50 جلدة. وبالرغم من أن تنفيذ باقي العقوبة قد أُجل، فما زال رائف بدوي يرزح في السجن، ومن الممكن استئناف تنفيذ العقوبة في أي وقت.

وليست حالة رائف بدوي سوى واحدة فحسب من الحالات التي وثقتها منظمة العفو الدولية كدليل على الوحشية في السعودية.

ففي ظل حكم الملك الراحل عبد الله، تزايدت هجمة القمع على حرية التعبير. فلم يسلم أحد من نشطاء حقوق الإنسان البارزين في البلاد من السجن، أو تكميم الأفواه أو الاضطرار إلى الهرب من البلاد. وقد سُجن مئات الأشخاص عقاباً على “جرائم” من قبيل استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت لمناقشة قضايا حقوق الإنسان، أو “إهانة الملك”.

وطوال عهد الملك الراحل، أُعدم مئات الأشخاص بقطع رؤوسهم، كما صدرت أحكام بالإعدام على عدة مئات آخرين. وبالإضافة إلى ذلك، يستمر التمييز الشديد ضد المرأة في القانون وفي الواقع الفعلي بأساليب شتى، من بينها الحظر العتيق على قيادة النساء للسيارات، ونظام الوصاية الذي ينطوي على التمييز العميق، حيث يلزم المرأة بالحصول على إذن من ولي الأمر، وهو أحد الأقارب الذكور، حتى يتسنى لها العمل أو استكمال التعليم العالي أو السفر. ويُمنع المواطنون والأجانب على حد سواء من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، إذا كانت هذه الشعائر لا تتفق مع المفهوم الذي تتبناه الدولة للمذهب الإسلامي السُني. ومن جهة أخرى، يستمر تفشي التعذيب على نطاق واسع.

ولا تنتهي قائمة الانتهاكات عند هذا الحد.

ففي فبراير/شباط 2013، أصدرت السعودية قانوناً قمعياً لمكافحة الإرهاب، يضفي الطابع القانوني فعلياً على القمع.

فالقانون يعرِّف “الأفعال الإرهابية” على نحو فضفاض يتيح معاقبة أشخاص على أفعال التعبير السلمي.

كما إن القانون يمنح وزارة الداخلية صلاحيات واسعة في إصدار أوامر بالتفتيش والضبط والقبض والاحتجاز في حالات المشتبه فيهم بدون إشراف قضائي يُذكر أو بدون إشراف قضائي على الإطلاق. وقد استُخدم القانون لاستهداف بعض النساء اللاتي يقدن سيارات، وكذلك بعض المحامين ونشطاء حقوق الإنسان وغيرهم ممن عبروا عن آرائهم بصورة سلمية.

ويجوز حالياً بموجب القانون احتجاز المشتبه فيه لمدة تصل إلى 90 يوماً مع عدم السماح له بالاتصال بالعالم الخارجي، باستثناء السماح له بإجراء مكالمة هاتفية واحدة لأسرته. ولا يجوز للمشتبه فيه مقابلة محام. ومن شأن هذا كله أن يجعل المحتجز أكثر عُرضةً للتعذيب.

ويبدو جلياً أن من السهل استخدام هذا القانون لمعاقبة نشطاء سلميين.

وما زال أمام السعودية شوط طويل يتعين عليها أن تقطعه إذا أُريد أن يُنظر إليها باعتبارها بلداً يحترم حقوق الإنسان الأساسية.

ولكن، من الواضح أيضاً أن هناك الكثير من الإجراءات التي يستطيع الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي خلف الملك الراحل عبد الله، بل ويتعين عليه، أن يتخذها من أجل تصحيح بعض تلك المثالب.

ومن الخطوات الأولى الإيجابية التي يتعين القيام بها الإفراج عن جميع الذين سُجنوا دونما سبب سوى تعبيرهم عن آرائهم بصورة سلمية، وإجراء مراجعة شاملة لقانون مكافحة الإرهاب، وإنهاء التمييز ضد المرأة وضد الأقليات، ووقف تنفيذ عمليات الإعدام، ووقف التعذيب والعقوبات القاسية، من قبيل الجلد.